السينما فن يُعيد بناء الذات في قلب السجن

مهرجان السينما في سجن سان كوينتن يوفّر للسجناء فرصة لقاء صانعي أفلام من خارج السجن.
الأحد 2025/10/26
سجناء سان يعرضون أفلامهم

سان كوينتن (الولايات المتحدة) - يشكل مهرجان السينما في سجن سان كوينتن المعروف بإيوائه بعض أخطر المجرمين في الولايات المتحدة، حدثا استثنائيا لا يمت بصلة إلى المهرجانات المعهودة في كاليفورنيا.

فالمقابلات على السجادة الحمراء تُجرَى على بُعد أمتار قليلة من قاعة الإعدام التي شهدت تنفيذ العقوبة القصوى بمئات السجناء.

يجلس سجناء مُدانون إلى جانب ممثلين وصحافيين مشهورين لمشاهدة عروض أفلام من إخراج زملائهم في السجن، من بينهم راين باغان الذي يمضي عقوبة بالسجن 77 عاما بتهمة القتل.

يقول الرجل الموشوم على ذراعيه “لطالما رغبتُ في أن أصبح ممثلا. لكن للأسف، هذه ليست الحياة التي عشتها”.

ونافس فيلمه الذي يحمل عنوان “ذي مابل ليف” وأنجزه من داخل السجن، على جائزة أفضل فيلم قصير.

ويأمل باغان (37 عاما) الذي كان فتى عندما ارتكب جريمته، أن تمنحه مهاراته الجديدة في الإخراج يوما ما فرصة للانتقال إلى هوليوود والحصول على وظيفة.

على الرغم من عدم فوزه بأي جائزة، إلا أن فيلمه الذي يتناول قصة نادي دعم يواجه فيه سجناء مشاعر الذنب والخجل، نال إشادة لجنة التحكيم التي ضمت من بين أعضائها المخرجة سيلين سونغ والممثل جيسي وليامز.

ويوضح السجين “حاليا، أكتفي بأداء عملي وإعادة بناء نفسي. جزء من قصة فيلم ذي مابل ليف يتعلق بأشخاص مثلي”.

عمل استثنائي

السجناء الذين يثيرون مشاجرات أو يُخالفون قوانين السجن يُحرَمون موقتا من فرصة المشاركة في هذه النشاطات

لعقود، كان سجن سان كوينتن الأقدم في كاليفورنيا، شديد الحراسة ويضم أوسع قسم للإعدام في العالم.

واشتهر عالميا بحفلة موسيقية لجوني كاش عام 1969.

وأصبح مُذّاك رمزا لإصلاح قوانين العقوبات في كاليفورنيا، في ظل تجميد تنفيذ أحكام الإعدام بقرار من الحاكم.

بذلك، لم تعد تُنفَّذ فيه عمليات إعدام، وتشمل برامج إعادة التأهيل المقامة في السجن ورشا لإنتاج صحف وبودكاستات وأفلام.

تتيح هذه المشاريع للسجناء اكتساب مهارات مهنية، فـ90% منهم قد يُطلق سراحهم يوما ما.

والمهرجان الذي أُطلق العام الفائت، يوفّر للسجناء فرصة لقاء صانعي أفلام من خارج السجن.

تطوَّعت مؤسِّسته، الكاتبة المسرحية وكاتبة السيناريو كوري توماس، في السجن لسنوات، وكانت ترغب في أن تظهر لزملائها في هوليوود “العمل الاستثنائي” المُنجز في سان كوينتن.

بعد دورتين ناجحتين، تم توسيع المهرجان عام 2016 ليشمل سجنا للنساء.

تخفيف الضغوط 

المهرجان وصناعة الأفلام من شأنهما تخفيف الضغوط النفسية عن السجناء

من جهة أخرى، يتيح برنامج المهرجان فرصة للسجناء لمواجهة ماضيهم.

وميغيل سيفوينتس القابع وراء القضبان منذ 27 عاما، حكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة ارتكاب جريمة سطو مسلح أدت إلى مقتل شرطي.

وكان تصوير فيلم “وورنينغ ساينز” القصير بمثابة تجربة علاجية غيّرت حياته.

ويؤدي في هذا العمل دور سجين يُفكّر في الانتحار.

يوضح سيفوينتس أنّ سجناء لم يكن يعرفهم أتوا للتحدث معه بعد مشاهدة الفيلم، ليشاركوه أفكارهم الانتحارية وتجاربهم الشخصية.

ومع أنّ سجن سان كوينتن يُركّز على إعادة التأهيل، إلا أنه لا يزال مكانا خطرا.

ويقول كيفن هيلي الذي يدرّب موظفي السجن “شهدنا أعمال عنف أصيبت خلالها ممرضات على أيدي سجناء”.

و يشير مدير السجن تشانس أنديز إلى أنّ المهرجان وصناعة الأفلام من شأنهما تخفيف الضغوط النفسية عن السجناء، ويُساعدان على “الحدّ من العنف والتوترات داخل السجن”.

ويُحرَم السجناء الذين يثيرون مشاجرات أو يُخالفون قوانين السجن موقتا من فرصة المشاركة في هذه النشاطات.

ويوضح أنديز أنّ هذه النشاطات تُعزّز أيضا إعادة اندماج سجناء، ويقول “إذا أُعيدوا إلى المجتمع من دون معالجة صدماتهم ومن دون مهارات أو شهادات أو تدريبات، فسيكونون أكثر عُرضة لارتكاب جرائم جديدة، ويتسببون تاليا بمزيد من الضحايا”.