السلطان هيثم في بيلاروس: علاقة الثقة والشراكة

ترقّب لاتفاقيات اقتصادية وثقافية تعزز حضور عُمان في المشهد الدولي.
الاثنين 2025/10/06
دبلوماسية التوازن

في زيارة دولة تحمل أبعادًا إستراتيجية، يلتقي السلطان هيثم بن طارق بالرئيس ألكسندر لوكاشينكو في مينسك، لترسيخ شراكة عُمانية – بيلاروسية متعددة المسارات. والزيارة تعكس رؤية عُمانية متوازنة، تسعى لتوسيع الحضور الدولي عبر اتفاقيات اقتصادية وثقافية، وتؤكد التزام السلطنة بمبادئ التعايش والسلام.

يؤدي السلطان هيثم بن طارق زيارة دولة إلى جمهورية بيلاروس يومي السادس والسابع من أكتوبر، بدعوة من الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، وهو ما يُمثّل تأكيدًا على رغبة البلدين في تطوير العلاقات بينهما بما يخدم المصالح المشتركة للشعبين الصديقين. وقد أكد بيان البلاط السلطاني أنه “سيتم خلال الزيارة السامية لجلالته بحث مسارات التعاون بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة، إضافةً إلى التشاور والتنسيق حيال الموضوعات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية”.

أما الجانب البيلاروسي، فقد أبرز أن الزيارة “تأتي في سياق تطوير العلاقات بين بيلاروس وسلطنة عمان وتوسيع آفاقها بما يتماشى مع تطلعات البلدين”، وأكد أنه سيتم “خلال الزيارة بحث مجالات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة، وسيتبادل قائدا البلدين وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية الملحة”.

تندرج زيارة السلطان هيثم إلى مينسك في إطار سعي السلطنة إلى تنويع علاقاتها الإستراتيجية، وتكريس حضورها الإقليمي والدولي عبر تشبيك المصالح مع مختلف دول العالم، وذلك في ظل ما تؤمن به مسقط من قيم التعاون والتضامن والاحترام المتبادل، وهي القيم التي جعلت من عمان أيقونة الحوار الحضاري بين الشعوب والأمم، وصوت الحكمة المؤتمن على مبادئ السلام والعيش المشترك.

أصبح من المعلوم لدى المراقبين والمحللين أن زيارات السلطان هيثم عادةً ما تحمل طابعًا استراتيجيًا، وتحمل في طياتها قراءات ورؤى وتصورات مختلفة للعلاقات مع الدول، وهي تعكس نظرة عميقة ومتقدمة للتوازنات الدولية، وتشير بما لا يدع مجالًا للشك إلى أن السلطنة، بسياساتها الواقعية ونظرتها العقلانية، استطاعت أن ترتبط بشبكة علاقات متقدمة وفق خياراتها السياسية والاقتصادية والثقافية. ومن ذلك العلاقات مع بيلاروس، التي تأسست دبلوماسيًا في يوليو 1992، وتعززت رسميًا من خلال زيارة الرئيس لوكاشينكو إلى السلطنة في العام 2007، لتشهد نقلة نوعية خلال السنوات الماضية مع اتساع رقعة تأثير كل من البلدين في محيطه الإقليمي والدولي، واتساع دائرة طموحه السياسي وخياراته الإستراتيجية.

◄ زيارة السلطان هيثم تندرج في إطار سعي السلطنة إلى تنويع علاقاتها الإستراتيجية وتكريس حضورها الإقليمي والدولي

تُعد الشراكة بين مسقط ومينسك نموذجًا متميزًا للعلاقات الثنائية التي يمكن أن تجمع بين دولتين. ففي ديسمبر 2024، أعرب البلدان عن عزمهما على تعزيز العلاقات الثنائية، وتطوير الشراكة في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وتحديد عدد من القطاعات لتعميق الشراكة. وخلال زيارة الرئيس لوكاشينكو إلى مسقط، شدد القائدان على أهمية العمل معًا لتحقيق الأهداف المشتركة وإقامة العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والتفاهم، مشيدين بتعزيز العلاقات الثنائية، وأهمية تطوير الشراكة في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية. كما تم تحديد عدد من القطاعات لتعميق الشراكة، منها: الطاقة النظيفة، والسياحة، والتعليم، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا، والنقل، والخدمات اللوجستية. وقد اتفقا على إنشاء لجنة عُمانية–بيلاروسية للتعاون، ودعم المبادرات المشتركة، واستكشاف فرص جديدة تُحقق المنافع المتبادلة، فيما عقدت الوفود الرسمية للبلدين اجتماعات ناقشت خلالها استراتيجيات التنمية الوطنية، وسبل تعزيز التجارة والاستثمار بينهما، بالإضافة إلى التعاون في مواجهة التحديات العالمية مثل الأمن الغذائي.

خلال زيارة السلطان إلى مينسك، سيستعرض الزعيمان تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال زيارة الرئيس البيلاروسي إلى عُمان، ومناقشة المجالات الواعدة وسبل تعميق التعاون في مختلف المجالات. وينصب التركيز الرئيسي على تعميق التعاون التجاري والاقتصادي، ودراسة الاتجاهات والأشكال الجديدة للشراكة الاقتصادية، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات دولية هامة تهدف إلى تعزيز التجارة والاقتصاد بين البلدين.

قبل عام من الآن، وتحديدًا في أكتوبر 2024، أسفرت زيارة رومان غولوفتشينكو، رئيس الوزراء البيلاروسي، إلى مسقط، عن توقيع ثلاث مذكرات تفاهم للتعاون في مجالات حماية المنافسة ومنع الاحتكار وحماية المستهلك وتبادل المعلومات حول عمل أسواق الأوراق المالية، لتُضاف إلى العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات في مختلف المجالات، منها: اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار، واتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري، ومذكرة تفاهم للمشاورات السياسية بين البلدين، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، واتفاقية التعاون بين الغرف التجارية في البلدين، واتفاقيات حول التعاون التجاري والاقتصادي والحماية المتبادلة للاستثمارات، والإلغاء المتبادل للتأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والرسمية، ومذكرات تفاهم بين وزارات الخارجية والعدل والتعليم والثقافة وغرف التجارة والصناعة. كما تم توقيع اتفاقية النقل الجوي بين حكومة جمهورية بيلاروس وحكومة سلطنة عُمان، بالإضافة إلى اتفاقيات ومذكرات تفاهم أخرى.

◄ السلطان هيثم يؤكد من خلال زيارته عمق الرؤية التي تتبناها القيادة العمانية انطلاقًا من الالتزام بمبادئ التعايش السلمي

في مايو الماضي، أدى وزير الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عمان، ولي العهد، ذي يزن بن هيثم آل سعيد، زيارة مهمة وذات أبعاد إستراتيجية لافتة إلى مينسك، أكد خلالها الرئيس لوكاشينكو أن الجانبين يعملان بشكل رئيسي على التعاون التجاري والاقتصادي، لاسيما أن بيلاروس تولي اهتمامًا خاصًا باستغلال البنية التحتية للموانئ في عُمان لتطوير التجارة بشكل مشترك مع الدول الأخرى، بما في ذلك أفريقيا. تابع الرئيس: “هناك العديد من الأمور في بلادنا تهم الجانب العماني اليوم. نحن مهتمون بكم للغاية في مجالات عديدة، بما في ذلك الترفيه لشعبنا، والزراعة، وتوريد المنتجات. والأهم من ذلك، موانئكم التي يمكننا من خلالها العمل في المنطقة”، وأردف: “لم نعد شركاء فحسب، بل أصدقاء بالفعل”. تلك الكلمات تشير إلى عمق علاقات الثقة والشراكة بين البلدين الصديقين. خلال الزيارة، تم توقيع اتفاقية إنشاء لجنة عُمانية–بيلاروسية مشتركة تُعنى بتطوير وتعزيز أوجه التعاون في شتى المجالات، لاسيّما في القطاعات الاقتصادية والثقافية والعلمية والرياضية، وهي تُعد خطوة متقدمة على طريق ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين سلطنة عُمان وجمهورية بيلاروس، وتعكس حرص الجانبين على تعميق التعاون الثنائي بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين.

يُعتبر المجال الثقافي من أهم مؤشرات التطور الواضح للعلاقات بين البلدين، ومن ذلك توثيق التعاون بين المتحف الوطني في سلطنة عمان والمتحف الوطني للفنون الجميلة في جمهورية بيلاروسيا، من خلال عدد من الفعاليات الثقافية في متحفي البلدين، وتدشين ركن عماني في مكتبة بيلاروسيا يختص بالإصدارات العمانية في مكتبة بيلاروسيا الوطنية، وتلك الإصدارات تتنوع بين المعارف العامة والآداب والفنون والعلوم التطبيقية والدراسات الأثرية وأدب الطفل والعلوم المتحفية والإصدارات السياحية.

في 11 يناير 2020، أكد السلطان هيثم، في كلمة خلال مراسم تنصيبه، أنه سيحافظ على العلاقات الودية مع كل الدول، مبيّنًا حرص بلاده “على حسن الجوار والتعاون الدولي وعدم التدخل في شؤون الغير”. واليوم، يؤكد من خلال زيارته إلى مينسك عمق الرؤية التي تتبناها القيادة العمانية، انطلاقًا من الالتزام بالسياسة الخارجية الثابتة، على ثوابت ومبادئ التعايش السلمي، وحسن الجوار، والسعي نحو تعميق أوجه التعاون الدولي في مختلف المجالات، لاسيما أن سلطنة عُمان ضربت، طوال الخمسين عامًا الماضية، المثل والقدوة في الالتزام بقيم ومبادئ التعايش المشترك، والالتزام بسياسة الحياد، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، الأمر الذي جعلها دولة صديقة لغالبية دول العالم، وتسعى جميع القوى العالمية إلى إقامة علاقات شراكة إستراتيجية معها.

2