"الزجاج الأيوني" يكشف أعضاء الجسم الداخلية دون الحاجة إلى التشريح
تشكل تقنية “الزجاج الأيوني” ثورة طبية تجعل الأعضاء الداخلية شفافة، وتتيح إنشاء صور ثلاثية الأبعاد ذات حدة ودقة عالية مع الحفاظ على البنية البيولوجية للأنسجة، وتساعد على الكشف المبكر للعديد من الأمراض ومن المتوقع دمجها مع الذكاء الاصطناعي في التشخيص الطبي.
بكين – نجح علماء صينيون في تطوير تقنية “الزجاج الأيوني” التي تجعل أعضاء الجسم الداخلية شفافة بالكامل دون الحاجة إلى التشريح التقليدي. وتفتح هذه التقنية نافذة غير مسبوقة على البنية الداخلية للأعضاء مثل الدماغ والقلب والكبد والرئة، وتعد ثورة في مجال التصوير الطبي والأبحاث الحيوية.
وتعتمد تقنية الزجاج الأيوني على سوائل أيونية مبتكرة تبقى سائلة عند درجات حرارة منخفضة، ما يسمح لها بالاختراق العميق في الأنسجة دون التسبب في تلف أو تشوه، وفقًا لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست”.
ويبدأ التطبيق بإعداد الأنسجة وإزالة الدهون الزائدة والمياه الداخلية التي قد تعيق عملية النفاذ، ثم تُغمر الأنسجة في المذيب الأيوني لتصبح شفافة، ما يتيح رؤية البنية الداخلية للأعضاء بالكامل، ويمكن بعد ذلك تصويرها بشكل ثلاثي الأبعاد عبر استخدام مجاهر متقدمة أو أجهزة تصوير متخصصة. والميزة الأساسية لهذه التقنية هي الحفاظ على حجم الأنسجة وشكلها الطبيعي، ما يوفر رؤية دقيقة واستثنائية للبنية الداخلية.
ويوفر الزجاج الأيوني تصويرًا دقيقًا للأعضاء دون الحاجة إلى التشريح، مع إمكانية متابعة التغيرات الدقيقة في الخلايا والروابط العصبية. كما يمثل أداة مهمة في التطبيقات الطبية التشخيصية، إذ يساعد على اكتشاف الأمراض المبكرة مثل الزهايمر والأورام قبل ظهور الأعراض.
ويفتح المجال أمام البحث العلمي والتجارب الحيوانية لدراسة التغيرات الميكروسكوبية في الدماغ والقلب والكبد للجرذان والخنازير مع تقليل الهدر الحيواني، كما يمكن الاحتفاظ بالأعضاء أو الأنسجة البشرية مدة طويلة لأبحاث مستقبلية.
ورغم هذه الفوائد تواجه التقنية تحديات تشمل صعوبة تطبيقها على جميع أنواع الأنسجة، وارتفاع كلفة المواد والأجهزة، فضلاً عن الاعتبارات الأخلاقية عند استخدام الأنسجة البشرية، والحاجة إلى المزيد من البحث لضمان سلامتها.
وفي المستقبل من المتوقع دمج تقنية الزجاج الأيوني مع الذكاء الاصطناعي في التشخيص الطبي، وهو ما سيتيح تحليل الصور ثلاثية الأبعاد بدقة وسرعة أكبر، وسيفيد في التعليم الطبي لدراسة الأعضاء الحقيقية بطريقة آمنة وواقعية دون تشريح متكرر، وفي الأبحاث الدوائية لتطوير أدوية مستهدفة وتحليل تأثير العقاقير بدقة، وكذلك في الجراحة الروبوتية للتخطيط والتدريب على العمليات باستخدام الصور ثلاثية الأبعاد للأعضاء الشفافة.
وتمثل تقنية الزجاج الأيوني نقلة نوعية في علم الأحياء الطبية، إذ تفتح آفاقًا واسعة لفهم جسم الإنسان والحيوان على حد السواء، ويظهر هذا الابتكار الصيني كيف يمكن للتكنولوجيا دمج الكيمياء والفيزياء والطب لإحداث ثورة حقيقية في الأبحاث العلمية.
الميزة الأساسية للتقنية هي الحفاظ على حجم الأنسجة وشكلها الطبيعي، ما يوفر رؤية دقيقة واستثنائية للبنية الداخلية
وبحسب بحث نُشر في مجلة “سيل” تساعد هذه الطريقة الجديدة على جعل الأعضاء الداخلية شفافة، وإنشاء صور ثلاثية الأبعاد ذات حدة ودقة عالية مع الحفاظ على البنية البيولوجية للأنسجة.
وقال فريق البحث “لقد قمنا بإنشاء أنسجة في حالة الزجاج الأيوني، والتي تتميز بدرجة عالية من الشفافية وتحتفظ بالشكل الطبيعي للأنسجة البيولوجية.”
وبحسب صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” يسعى العلماء منذ فترة طويلة إلى جعل الأنسجة في الأعضاء الداخلية شفافة للمراقبة دون الحاجة إلى جراحة غازية.
ومع ذلك غالبًا ما تُسبب الطرق الحالية تشوهًا في الأنسجة، وهو ما يُؤدي إلى تشويه بنيتها الأصلية. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل تُقلل جودة التصوير المقطعي المحوسب أيضًا، وتُؤدي تقنيات التجميد إلى تكوين بلورات جليدية تُدمر الأنسجة.
وفي هذا السياق أفادت جامعة تسينغهوا بأن تقنيتها الجديدة تتفوق بشكل ملحوظ على الطرق الحالية بفضل شفافيتها العالية. وتحديدًا في درجات الحرارة المنخفضة يمكن للأنسجة الشفافة أن تتحول إلى حالة صلبة كالزجاج دون تشوه، ما يسمح بالحفظ طويل الأمد مع الحفاظ على سلامة هيكلها.
ونجح فريق البحث في اختبار التقنية الجديدة على العديد من الأعضاء الداخلية للفئران، بما في ذلك القلب والكبد والطحال والرئتان والكلى والدماغ.
حتى عند تخزينها في درجات حرارة منخفضة للغاية تصل إلى -80 درجة مئوية، ظلت هذه الأنسجة شفافة ولم تشكل بلورات جليدية، الأمر الذي لم تتمكن الطرق السابقة من تحقيقه.
وبفضل إمكاناتها الهائلة من المتوقع أن تفتح تقنية الزجاج الأيوني آفاقا جديدة في مجالات التشخيص الذكي والبحث على مستويات لم تكن متاحة من قبل.
وقالت جامعة تسينغهوا إن فريق البحث يواصل تطوير هذه التكنولوجيا بهدف تطبيقها على نطاق أوسع في الطب السريري والعلوم الحديثة.