التهجير القسري في غزة.. وجوه منهكة وقصص لا تنتهي
غزة (الأراضي المحتلة) - تنهمك الفلسطينية سوسن عبدالعاطي (42 عاما) في حزم أمتعتها المتناثرة داخل خيمتها المهترئة، التي بالكاد تحمي أطفالها من أشعة الشمس الحارقة في حي الصفطاوي شمال مدينة غزة، استعدادا لمغادرتها.
وقالت عبدالعاطي بصوت متعب بينما تجمع أمتعتها لوكالة أنباء شينخو “الجيش الإسرائيلي طلب منا إخلاء المنطقة إلى جنوب القطاع، لكن لا يوجد مكان نذهب إليه ولا أموال تساعدنا على ذلك”.
وبالنسبة إلى عبدالعاطي، كما هو الحال مع عشرات الآلاف من العائلات في مدينة غزة، فإن النزوح إلى المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي ليس خيارا متاحا بسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشونها.
وتحتاج العائلات التي تفكر في النزوح إلى خيام تتراوح أسعارها بين 900 و1500 دولار أميركي، إضافة إلى تكاليف مواصلات تصل إلى 500 دولار.
وأضافت عبدالعاطي بينما تبدو عاجزة عن التفكير بخيار النزوح “لا توجد أموال لدينا للتوجه إلى الجنوب، والخطر على حياتنا قائم هنا أو هناك،” في إشارة إلى القصف الإسرائيلي.
وتابعت وهي تعيل خمسة أطفال بينهم رضيعة تبكي من الجوع “أريد فقط التوجه مع أطفالي إلى شاطئ البحر غرب المدينة والجلوس على الرمال هناك”.
وكان الجيش الإسرائيلي قد فصل محافظتي غزة والشمال عن محافظات الوسط والجنوب في نوفمبر 2023، ما أجبر حينها قرابة مليون فلسطيني على النزوح جنوبا، قبل أن يعودوا إلى مناطقهم في 27 يناير 2025، ضمن اتفاق لوقف إطلاق النار توصلت إليه إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 19 يناير، لكنه انهار في مارس الماضي.
وتقول الشابة دانة اللبابيدي من مدينة غزة إنها لا تنسى معاناة النزوح الأولى “من تجربة النزوح الأولى، النازح ما يعرف مدة نزوحه أصلا، والناس اللي نزحت بالصيف تورطت بالشتاء لأنه ما في ملابس ولا أغطية ولا حاجة”.
وأضافت اللبابيدي (37 عاما) وهي أم لطفلين “كلمة نازح مؤلمة، لأننا عانينا ما بين النوم في الخيام والطرقات وتعرضنا لإيذاء نفسي ومعاناة في الحصول على الطعام والشراب”.
وتابعت “الناس في غزة حزينون وحائرون وخائفون ما بين البقاء تحت القصف والنار وما بين النزوح مرة أخرى إلى المجهول،” معربة عن أملها في البقاء داخل بقايا منزلها وعدم الاضطرار إلى النزوح مجددا.
من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي في بيان على لسان الناطق باسمه للإعلام العربي أفيخاي أدرعي إن “إخلاء مدينة غزة لا مفر منه،” مشيرا إلى أن كل عائلة تنتقل إلى الجنوب “ستحصل على المساعدات الإنسانية”.
وأضاف البيان أن الجيش “بدأ بالعمل على إدخال الخيام وتمهيد مناطق لإنشاء مجمعات لتوزيع المساعدات الإنسانية ومد خطوط مياه وغيرها،” دون توضيح مواقع هذه المناطق.
وتابع “قبيل التحول إلى المرحلة التالية في الحرب، أؤكد أن هناك مناطق شاسعة فارغة في جنوب القطاع، كما هو الحال في مخيمات الوسطى وفي المواصي، وهذه المناطق خالية من الخيام”.
وفي المقابل، قالت الإذاعة العبرية إن “إخراج نحو مليون إنسان من مدينة غزة عملية شبه مستحيلة من الناحية اللوجستية والسياسية والعسكرية،” متوقعة بقاء مئات الآلاف من السكان، كما حصل في العمليات السابقة، وهو ما سيعقد الأمور بشكل أكبر.
أما المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فاعتبر في بيان أن ما يروّجه الجيش الإسرائيلي حول وجود “مساحات شاسعة فارغة” في جنوب القطاع “ادعاء باطل يتناقض مع الحقائق الميدانية”.
وأوضح البيان أن “محافظات الجنوب والوسط مكتظة بالكامل بأكثر من مليون مهجر قسريا فروا من القصف المستمر، حيث يعيشون في خيام عشوائية تفتقر إلى أبسط التجهيزات، ولا تتوافر فيها أدنى مقومات الحياة”.
وأكد أن “التهجير القسري الذي يفرضه الاحتلال هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، ومحظور وفق المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، كونه يتم بالقوة وتحت القصف ومن دون ضمان العودة”.
ودعا البيان دول العالم والمجتمع الدولي والهيئات الأممية إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف “الجرائم المتتالية التي يرتكبها الاحتلال، ومنها جريمة التهجير القسري”.
وفي حي الصبرة جنوب مدينة غزة، الذي يتعرض منذ أيام لقصف جوي إسرائيلي وتتمركز الدبابات الإسرائيلية على أطرافه، سارع موسى أبوحرب إلى إخراج أغراضه من منزله للتوجه إلى وسط القطاع.
وقال أبوحرب (45 عاما) بينما يقف إلى جانب مركبة استأجرها لنقل مقتنياته “دفعت 1000 دولار لاستئجار المركبة ليوم واحد من أجل نقل عائلتي إلى مخيم للنازحين في مدينة دير البلح”.
وأضاف أبوحرب، وهو والد لخمسة أبناء ويعيل والديه وزوجة وأطفال شقيقه الذي قتل في غارة إسرائيلية سابقة “نهرب من الموت خشية على حياتنا، ونتوجه إلى المجهول، حيث الأماكن جنوب القطاع ممتلئة وغير آمنة أيضا”.
وتقول منظمات إغاثة عاملة في القطاع الساحلي، الذي يقطنه نحو مليوني نسمة، إن الأزمة الحالية خلقت “فجوة إنسانية هائلة” بين من يستطيع النزوح ومن يبقى عالقا في مناطق القصف.
وقال أمجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة “الناس هنا أمام خيارين أحلاهما مر: البقاء في مناطق مهددة أو النزوح إلى أماكن مكتظة بلا مياه ولا غذاء ولا أمان”.
وحذر الشوا من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى “موجة نزوح داخلي قسرية أشد قسوة،” حيث تضطر عائلات بأكملها إلى العيش في العراء أو تحت الأنقاض.