الإدارة التونسية في حاجة إلى إصلاحات عاجلة حتى تستجيب لتطلعات المواطنين
تونس - تصاعدت الدعوات المنادية لإصلاح الإدارة في تونس وتحسين جودة الخدمات اليومية المقدمة للمواطنين في أكثر من مناسبة، وسط إقرار المتابعين بأن الإدارة لا زالت على حالها، ما يستدعي ضرورة التغيير والإصلاح لمواكبة نسق تطور المجتمع.
ويقول المراقبون إن الإدارة التونسية ما زالت تحافظ على صبغتها التقليدية في العمل والتسيير، فلم تطور من آليات عملها ولا تجديد هياكلها من ناحية، ولم تلبس حلّة الرقمنة من جهة أخرى.
ووصف هؤلاء الإدارة التونسية بـ”المتأخرة” مقارنة بالنسق السريع للمجتمع، والتطور الرقمي والتكنولوجي الطارئ وسرعة نقل المعلومة وتداولها.
وتعاني الإدارة التونسية من أزمة بيروقراطية عميقة أصبحت تشكل عائقا رئيسيا أمام تقدم البلاد، ولم تعد هذه البيروقراطية مجرد نظام إداري معقد، بل تحولت إلى معرقل لمصالح المواطنين وإعاقة الاستثمار، ما أدى إلى استشراء الفساد.
وحسب تقارير محلية، يواجه المواطن التونسي والمستثمر واقعا مريرا من الإجراءات المعقدة، وانعدام الفاعلية، وانتشار المحسوبية، وغياب روح الخدمة العامة لدى الكثير من الموظفين والمسؤولين .
وبدا واضحا أن ثقة المواطن في مؤسسات الدولة قد تآكلت بسبب تكرر سوء الخدمات المقدمة.
وأفاد المحلل السياسي معز الحاج منصور أن “الإدارة التونسية معطلة وهي إدارة سليلة دولة الاستعمار وتحتاج إلى الهدم وإعادة البناء، ولدينا إدارات فيها جيش من الموظفين.”
وأوضح لـ”العرب” أنه “تجب إعادة هيكلة الإدارة وفق قواعد الكفاءة وبعيدا عن التعيينات بالولاءات، ومعظم التسميات في خطط رؤساء عاميّن، تخضع بالأساس لقاعدة الولاء وهو سبب رئيسي في تعطيل الإصلاح الإداري.”
ودعا معز الحاج منصور إلى “إجراء إصلاحات مهمة، ولو يجرى استفتاء للتونسيين على عمل الإدارة في علاقة بالمسائل اليومية، ستجد النتيجة صفرا، كما أنها غدارة متكلّسة وفيها العديد من ممارسات الفساد على غرار الرشوة”.
وتعاني الإدارة التونسية من انتشار ظاهرة “الإفلات من العقاب”، حيث يمكن للمسؤول أن يفشل دون أن يُحاسب، وللموظف أن يتقاعس دون أن يخشى العقوبة، وللمفسد أن يعبث بمقدرات الدولة دون أن يُردع، في ظل غياب الشفافية والمساءلة.
كما تنتشر ظواهر الوساطة والمحسوبية، حيث تصبح الوظيفة العمومية وسيلة للكسب الشخصي بدلاً من خدمة المصلحة العامة. كما أن التعقيد الإداري يخلق بيئة خصبة لممارسة الفساد .
ويرى ملاحظون أن إصلاح واقع الإدارة في تونس مرتهن بإلزام كل إدارة بنشر تقارير دورية عن إنجازاتها وإخفاقاتها، وفرض عقوبات صارمة على المقصرين والمتلاعبين بالمال العام، فضلا عن تفعيل أجهزة الرقابة الداخلية والخارجية ومنحها الاستقلالية الكافية .
وقال محمد صالح الجنادي، الخبير المالي والمصرفي، إن “موضوع الإدارة شائك وفيه العديد من القوانين، حيث أن الإدارة الحالية لا تستجيب لتطلعات المواطن، بسبب التصرفات غير السليمة وقرارات المديرين العامين والمسؤولين الجهويين، ما عطّل مصالح الناس.”
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “ليس هناك متفقد عام للملفات، ولا بد من توظيف جهاز رقابة بكفاءات مختصة للإطلاع على العمل الإداري.”
وطالب الجنادي بـ”ضرورة تغيير القانون الأساسي بعمل الإدارة.”
وتحوّلت الوظيفة العمومية في تونس إلى مجرد وسيلة للحصول على راتب ثابت وامتيازات اجتماعية، بدل أن تكون فضاء للمثابرة وخدمة المواطنين.
وباتت معالجة البيروقراطية في الإدارة التونسية ضرورة ملحّة لإنقاذ البلاد من المزيد من التدهور.
وبرأي الخبراء، فإن النجاح في هذا المسار يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ومشاركة فعالة من المجتمع المدني، وضغطاً مستمراً من الرأي العام.
وفي وقت سابق، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أن البلاد تعج بالكفاءات القادرة على قيادة عملية الإصلاح إذا ما أتيحت لها الفرصة ووضعت المعايير الصحيحة للاختيار.
وراهنت الحكومات التونسية المتعاقبة على رقمنة الإدارة والمؤسسات، بعد تعثر مسار الرقمنة البيروقراطية لسنوات طويلة، وذلك للحدّ من ممارسات الفساد المالي والإداري المستشري في البلاد بعد 2011، لكنها حسب المتابعين لم تتقدم في ذلك قيد أنملة.
وظلّت الرقمنة مطلبا شعبيا لسنوات طويلة، خصوصا في ظلّ التعقيدات البيروقراطية المتعلقة بالشؤون اليومية للمواطنين في التعامل مع الإدارة، أو بالنسبة إلى المستثمرين في عدة قطاعات والذين يصطدمون في كل مرة بإجراءات معقدة دون تقديم تسهيلات.