الأمم المتحدة تعلن رسميا عن مجاعة في غزة على وقع تهديدات إسرائيل بفتح المزيد من أبواب الجحيم على القطاع
حسمت الأمم المتحدة والخبراء التابعون لها الوضع الإنساني في غزة بالإعلان رسميا عن مجاعة في القطاع، فيما تستمر حكومة بنيامين نتنياهو في سياسة الهروب إلى الأمام عبر التمسك بدحض وجود مجاعة، ومضيها قدما في عملياتها العسكرية.
غزة - أعلنت الأمم المتحدة الجمعة رسميا حالة المجاعة في غزة حيث يعاني 500 ألف شخص من الجوع الذي بلغ مستوى “كارثيا”، وفق خبرائها، فيما هددت إسرائيل بتدمير مدينة غزة إن لم تقبل حماس بشروطها للهدنة.
ورفضت إسرائيل الجمعة نتائج تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي استندت إليه الأمم المتحدة لإعلان المجاعة، معتبرة أنه يستند إلى “أكاذيب حماس”، وأن لا وجود لمجاعة في القطاع الفلسطيني المدمر.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المجاعة في قطاع غزة بأنها “كارثة من صنع الإنسان”، مؤكدا على ضرورة محاسبة المسؤولين عنها.
وأصدر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو هيئة خبراء مدعومة من الأمم المتحدة مقرّها روما، تقريرا الجمعة أفاد بأن هناك مجاعة في محافظة غزة التي تضمّ مدينة غزة ومحيطها وتشكّل 20 في المئة من مساحة القطاع الفلسطيني، مع تقديرات بأن تنتشر في دير البلح (وسط) وخان يونس (جنوب) بحلول أواخر سبتمبر.
ونبّه خبراء الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف مليون شخص في غزة يواجهون “جوعا كارثيا”، وهو أعلى مستوى في التصنيف “آي بي سي” ويتّسم بالمجاعة والموت.
وقال غوتيريش في بيان إن “ما يحدث في غزة ليس لغزا بل كارثة من صنع الإنسان وفشل للبشرية.” وأضاف “لا يمكننا أن نسمح لهذا الأمر بأن يمر دون عقاب.”
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة التزام إسرائيل، بموجب القانون الدولي، بتوفير الغذاء والإمدادات الطبية رغم استمرار احتلالها وحصارها لغزة.
وجدد مطالبته بوقف فوري لإطلاق النار، والإفراج عن الأسرى، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل إلى المنطقة.
من جهته اعتبر وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن المجاعة التي يعانيها أهالي غزة “فضيحة أخلاقية” و”كارثة من صنع الإنسان.”
وقال في بيان “إن تأكيد المجاعة في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها أمرٌ مروعٌ على نحو صارخ، وكان تفاديه ممكنا بالكامل. إن رفض الحكومة الإسرائيلية السماح بدخول مساعدات كافية إلى غزة تسبب في هذه الكارثة التي هي من صنع الإنسان. إنها فضيحة أخلاقية.”
وأضاف لامي “بإمكان الحكومة الإسرائيلية ويجب عليها أن تتحرك فورا لمنع تدهور الوضع أكثر،”وذلك من خلال “السماح بإيصال الأغذية والوقود والأدوية دون قيد أو شرط.”
وأكد المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك أن “تجويع الناس لأغراض عسكرية جريمة حرب.”
ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإعلان الرسمي عن وجود مجاعة في غزة، وقال في بيان “تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي كذبة صريحة. إسرائيل لا تتبع سياسة تجويع، بل سياسة منع الجوع. فمنذ بداية الحرب، سمحت إسرائيل بدخول مليوني طن من المساعدات إلى قطاع غزة، أي ما يزيد على طن واحد من المساعدات لكل فرد.”
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض الإعلان الرسمي عن وجود مجاعة في غزة وقال في بيان "تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي كذبة صريحة"
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية بدورها في بيان “لا توجد مجاعة في غزة،” مضيفة أن التقرير “يستند إلى أكاذيب حماس التي تعيد منظمات تدويرها خدمة لأجندتها الخاصة،” ومشيرة إلى أنه “في الأسابيع الأخيرة، غمر التدفق الهائل للمساعدات القطاع بالمواد الغذائية الأساسية.”
أما حركة حماس فقالت إن إعلان المجاعة “وصمة عار على الاحتلال وداعميه” و”شهادة دولية دامغة على الجريمة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق أكثر من مليوني إنسان محاصر… وتأكيد على حجم الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها شعبنا بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل الذي يستخدم سياسة التجويع كأداة من أدوات الحرب والإبادة ضد المدنيين.”
وحضت الحركة “المجتمع الدولي بكل مؤسساته (على) تحمّل مسؤولية قانونية وأخلاقية عاجلة لوقف الجرائم ضد الإنسانية،” كما طالبت بـ”تحرك الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشكل فوري لوقف الحرب ورفع الحصار” و”فتح المعابر دون قيود لإدخال الغذاء والدواء والماء والوقود بشكل عاجل.”
وتقول منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة إن 148 شخصا توفوا جراء سوء التغذية في غزة منذ يناير 2025.
ويأتي إعلان الأمم المتحدة في وقت توعّد فيه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بتدمير مدينة غزة إذا لم تتخل حركة حماس عن سلاحها ولم تطلق سراح جميع الرهائن.
وكتب عبر منصة إكس “قريبا، سوف تُفتح أبواب الجحيم على رؤوس قتلة ومغتصبي حماس حتى يوافقوا على شروط إسرائيل لإنهاء الحرب، وهي بشكل أساسي إطلاق سراح جميع الرهائن والتخلي عن السلاح.”
وأضاف “إذا لم يقبلوا، ستصبح (مدينة) غزة -عاصمة حماس- رفح وبيت حانون،” في إشارة إلى الدمار الكبير الذي لحق بالمدينتين خلال الهجمات الإسرائيلية في القطاع.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن الأربعاء أنه أصدر توجيهاته للبدء فورا بمفاوضات لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين في قطاع غزة.
وبدا ذلك وكأنه ردّ غير مباشر على الاقتراح الأخير الذي تقدّم به الوسطاء من أجل وقف إطلاق النار في غزة والذي وافقت عليه حركة حماس.
ويدعو مقترح الهدنة الأخير إلى الإفراج عن 10 رهائن و18 جثمانا محتجزين في غزة في مرحلة أولى من هدنة لمدة ستين يوما، على أن يتم إطلاق سراح الرهائن المتبقين في مرحلة ثانية، في موازاة مفاوضات من أجل تسوية أشمل.
وتصر إسرائيل على أن يتم إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة.
وأكد نتنياهو أن المفاوضات ستتزامن مع “خطط جيش الدفاع للسيطرة على مدينة غزة وهزيمة حماس.”
وأمر الجيش الإسرائيلي الأربعاء باستدعاء 60 ألف جندي احتياط تمهيدا لتنفيذ خطة السيطرة على مدينة غزة التي أُقرّت في وقت سابق هذا الأسبوع.
وأكد الجيش الخميس أنه بدأ إبلاغ الطواقم الطبية ومنظمات الإغاثة في شمال غزة بضرورة الشروع في إعداد خطط إجلاء تمهيدا للعملية العسكرية.
وتواصلت عمليات القصف الإسرائيلي على مدينة غزة خلال الساعات الماضية، خصوصا في المناطق المحيطة بجباليا والنزلة وحي الصبرة الذي يتعرض للقصف منذ أسبوع، كما هي حال حي الزيتون المجاور، بحسب شهود.
وقالت أم إبراهيم يونس (43 عاما)، وهي أم لأربعة أطفال يعيشون في بقايا منزلهم المدمّر في شمال غرب مدينة غزة، “كأننا في جهنم. سأصاب بالجنون. لا يمكنني تصوّر النزوح مجددا.”
وأضافت “صوت القصف يقترب، يريدون أن ننزح إلى الجنوب مجددا. جسمي هزيل وأجسام أولادي كذلك. لا يمكننا تحمل النزوح ولا استمرار القصف والجوع.”