ارتياح ليبي لاتفاق السلام حول مناجم الذهب في شمال تشاد
رحبت ليبيا بالتطورات الإيجابية التي شهدها إقليم تيبستي في شمال تشاد بعد سيطرة القوات الحكومية عليه بما يساهم في بسط الأمن والاستقرار بالمنطقة وتأمين الثروات الباطنية وحمايتها من التنقيب العشوائي والنهب الممنهج.
وأجرى نائب القائد العام للجيش الليبي الفريق أول ركن صدام خليفة حفتر الأحد اتصالا هاتفيا مع الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، استعرض فيه الطرفان الأحداث الأخيرة التي جرت في إقليم تيبستي.
وقال مكتب إعلام القيادة العامة إن الرئيس ديبي أكد لصدام حفتر “سيطرة الحكومة التشادية على الأوضاع واستقرار المناطق الحدودية وتأمينها من قبل الجيش التشادي”، بينما أبدى صدام حفتر “تقديره وشكره للخطوات المهمة التي قام بها الجيش التشادي، والتي عززت الهدوء والاستقرار بمناطق شمال تشاد”.
وشدد الفريق أول صدام حفتر خلال الاتصال على أهمية التنسيق والتشاور المشترك لحماية الحدود المشتركة بين البلدين الجارين، منوها بأن استقرار تشاد يمثل أهمية قصوى لليبيا دولة وشعبا.
ورد ملاحظون الاتصال الهاتفي بين القائدين إلى أهمية المنطقة المعنية بالاتفاق بالنسبة للبلدين، لاسيما في ظل التنسيق المشترك بين القيادتين والتعاون على مواجهة التهريب والإرهاب، وسعيهما لتأمين الثروات الباطنية وخاصة مناجم الذهب من شبكات التنقيب العشوائي.
وفي الأول من أغسطس الماضي، أدى صدام حفتر زيارة قصيرة إلى نجامينا التقى خلالها الرئيس التشادي، حيث تركزت محادثاتهما على “إعادة فتح الحدود المشتركة، للسماح بحركة التجارة، ووضع التشاديين المحتجزين في ليبيا، وعودة السلام إلى هذا البلد المجاور”. كما تطرقت إلى مواضيع تتعلق بالأمن الحدودي والتجارة وإدارة الهجرة.
وقبل ذلك، زار وزير الدفاع التشادي إسحاق ماروا مدينة بنغازي على رأس وفد رفيع المستوى بهدف تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون المشترك في المجالات العسكرية والأمنية.
وقالت تقارير محلية آنذاك إن الزيارة جاءت “استجابة لدعوة رسمية من الجانب الليبي، وإنها تمثل خطوة جديدة نحو ترسيخ التعاون الأمني والعسكري بين ليبيا وتشاد، في ظل التحديات الإقليمية المشتركة، بما يعزز الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، ويخدم مصالح البلدين”.
وتشير مصادر مطلعة إلى أهمية التعاون بين قيادتي البلدين على تأمين الحدود المشتركة التي يبلغ طولها 1050 كم وتمتد من النقطة الثلاثية مع النيجر في الغرب، إلى النقطة الثلاثية مع السودان في الشرق.
وبحسب المصادر، فإن القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية كانت تتابع عن كثب الجهود المبذولة من أجل بسط القوات التشادية نفوذها الكامل على كامل إقليم تيبستي المتاخم للحدود المشتركة مع ليبيا، وساهمت في دعم الاتفاق بين الأطراف المتنازعة بما يحقن الدماء ويحل القضايا العالقة.
وفي الثالث والعشرين من سبتمبر الجاري، أعلن رسميا عن التوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة المركزية والجماعات المسلحة في محافظة تيبستي بعد عدة أيام من الحوار الذي قاده وسيط الجمهورية السفير صالح كبزابو، حيث اختار الرئيس التشادي نهج الحوار من خلال إرساله قوات من أجل التفاوض والاستماع إلى مطالب الأطراف المعنية.
وبعد سلسلة من اللقاءات والنقاشات المثمرة، تم التوصل إلى اتفاق صلح بين مقاتلي “لجنة الدفاع الذاتي” في ميسكي بمدينة تيبستي وحكومة نجامينا، أنهى سنوات من الصراع المرتبط باستغلال مناجم الذهب.
القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية كانت تتابع عن كثب الجهود المبذولة من أجل بسط القوات التشادية نفوذها الكامل على كامل إقليم تيبستي المتاخم للحدود المشتركة مع ليبيا
وقال الوسيط التشادي إبراهيم إيدجي محمد إن “هذا الاتفاق يمثل عودة السلام بشكل نهائي إلى مدينة ميسكي وكامل ولاية تيبستي”، بعد توقيع آخر مجموعة منشقة على الوثيقة.
وينص الاتفاق على عفو عام عن أفراد “قوات الدفاع” والأمن التشادية والمقاتلين المتمردين الذين شاركوا في الاشتباكات خلال الفترة 2019 – 2020، وعلى أن يجرى دمج أعضاء “لجنة الدفاع” في الجيش أو الشرطة التشادية بعد فترة من التدريب.
ويمنع الاتفاق دخول الطرفين في مواجهات عسكرية مباشرة، لاسيما أن أفرادا من قوات الدفاع الذاتي في تيبستي قاموا بنشر قناصين في الطرق الرئيسة للمنطقة لتأمين مداخل ميسكي بهدف منع تقدم الجيش التشادي الذي كان قد وصل إلى تخوم الموقع.
وكخطوة مهمة في اتجاه ترسيخ السلام في تيبستي، سلمت مجموعات “الدفاع الذاتي”، جميع الحواجز التي كانت تسيطر عليها لقوات الدفاع والأمن التشادية.
وشهدت جلسة الخميس الماضي اجتماعا موسعا ضمّ المندوب العام للحكومة في تيبستي أليفا ويدي، والزعماء التقليديين، وميسّر العملية، إلى جانب شخصيات محلية بارزة، وتم خلاله استعراض أبرز الالتزامات التي نصّ عليها الاتفاق، وفي مقدمتها إنشاء لجنة متابعة مشتركة تضم جميع الأطراف المعنية، فيما سلّم زعيم لجنة الدفاع الذاتي دجوما شاها قائمة عناصره المرشحين للانضمام إلى هذه اللجنة.
وقد دعا المندوب العام للحكومة التشادية في تيبستي إلى المثابرة في هذه الدينامية الإيجابية بروح وطنية صادقة، خدمةً للوحدة والسلام في المنطقة. كما أكّد الزعماء التقليديون والشباب المشاركون استعدادهم الكامل لمرافقة العملية حتى استكمالها، بينما شدّد رئيس الأركان العامة للجيوش أبكر عبدالكريم داود على التزام القيادة العليا بجعل الأمن أولوية وطنية خلال الخمسة عشر عاما المقبلة، انسجاما مع رؤية الرئيس.
ومنذ استقلال تشاد عن فرنسا عام 1960، تحولت تيبستي إلى منطقة جذب لأعداد كبيرة من تجار الذهب غير الشرعيين، من تشاد والسودان ودول أفريقية أخرى، وفي يونيو 2022 حدثت أكبر مجزرة في الجزء التشادي من صحراء تيبستي الشاسعة على الحدود الليبية، حيث تسببت الاشتباكات في مقتل 100 شخص من الباحثين بشكل غير قانوني عن المعدن الثمين.