اتجاه شعبي في ليبيا نحو تفويض المشير حفتر لقيادة المرحلة القادمة
ترتفع في ليبيا الأصوات المنادية بتفويض القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر لحسم الموقف واتخاذ القرار المناسب بقيادة البلاد للمرحلة القادمة بدل الاستمرار في حالة التشرذم والانقسام التي تعيشها الدولة والمجتمع في ظل إمعان القوى الخارجية في التدخل بالشأن العام المحلي لفرض وصايتها وفق مصالحها وما يجب أن تكون عليها خارطة التوازنات الجيوسياسية والإستراتيجية.
وقالت أوساط ليبية مطلعة لـ«العرب»، أن أغلب القيادات الاجتماعية والزعامات القبلية في شرق ووسط وجنوب البلاد، وفي عدد من مناطق غرب البلاد، وجهت رسائل إلى القيادة العامة للقوات المسلحة تطالب فيها المشير حفتر بقيادة المرحلة القادمة، نحو تأمين وحدة الدولة، وضمان سيادتها، ومواصلة مشاريع التنمية واعادة الاعمار على نطاق واسع، وأعربت فيها عن استعدادها التام لتفويضه لذلك انطلاقا من قناعتهم الراسخة بقدرة على الدفع بالبلاد نحو مرحلة الإنقاذ الحقيقي بعد ثبوت فشل الأمم المتحدة في أداء رسالتها وتنفيذ مبادراتها للحل السياسي طيلة السنوات الماضية.
وتابعت الأوساط أن الليبيين سبق وأن دعوا المشير حفتر في العام 2020 إلى قبول التفويض، وكان يتجه بالفعل إلى الامتثال إلى ارادة الشعب، ولكن ضمانات دولية وأممية تم تقديمها إلى القيادة العامة بأنه سيتم اخراج البلاد من نفق الأزمة، والمضي بها قدما في اتجاه الحل السياسي وتنظيم الانتخابات التي تمنح الشعب الحق كاملا في اختيار قياداته السياسية وممثليه في مراكز القرار التنفيذية والتشريعية.
◄ أغلب القيادات الاجتماعية والزعامات القبلية في شرق ووسط وجنوب البلاد، وفي مناطق غرب البلاد، وجهت رسائل إلى القيادة العامة للقوات المسلحة تطالب فيها المشير حفتر بقيادة المرحلة القادمة
وعلى امتداد أكثر من خمس سنوات، أطلقت الأمم المتحدة عددا من المبادرات، من بينها ملتقى الحوار السياسي بقيادة رئيسة البعثة بالنيابة ستيفاني وليامز التي سبق وأن اعترفت بأن “هناك جهات محلية تنخرط في فساد مستشر واستغلال للمناصب لتحقيق منافع شخصية”، معتبرة أن الفساد والانقسام في المؤسسات الليبية “يحولان دون الاستثمار في المرافق الأساسية لشبكة الكهرباء لتفادي انهيارها.”
وعندما تم الحديث عن تحول الملتقى إلى بؤرة فساد وساحة بيع وشراء للأصوات لمن يدفع أكثر، قالت وليامز “في ما يتعلق بمزاعم الرشوة، أحيلت هذه التقارير إلى فريق الخبراء الأممي بالنظر إلى أن مثل هذه الأنشطة إذا ثبت حدوثها يمكن أن تشكل إعاقة للعملية السياسية وتخضع لعقوبات.”
وقد رفع خبراء أمميون تقريرا لمجلس الأمن يكشف شراء أصوات ثلاثة مشاركين على الأقل في انتخابات منتدى ليبيا التي أشرفت عليها الأمم المتحدة وجرت في جنيف من أجل التصويت لعبدالحميد الدبيبة رئيسا للوزراء، وهو ما تفسره نتائج انتخابات فبراير 2021 في جنيف التي دفعت بقائمة الدبيبة إلى السلطة من خلال تكليفه بتشكيل حكومة يكون هدفها الأول هو الإشراف على تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال عشرة أشهر، وتسليم السلطة للحكومة المنتخبة، فيما أكد الاتفاق السياسي المنبثق عن الحوار أن السلطة التي وقع عليها الاختيار من داخل الملتقى لن تتجاوز مهامها في أقصى الحالات 18 شهرا، وهو ما تم تجاهله والدوس عليه بدعم قوى اقليمية ودولية تجد في سلطات طرابلس حصان طروادة الذي تخترق به حصون القرار الوطني لتصل إلى بسط نفوذها بالكامل على قرار الدولة ووحدة المجتمع ومقدرات الشعب.
وبحسب مراقبين، فإن فشل المجتمع الدولي في تنفيذ مخرجات ملتقى الحوار السياسي كان بسبب الفساد، وكذلك نتيجة تمكن أمراء الحرب وقادة الميلشيات وملوك الاعتمادات واللوبيات الجهوية والمناطقية في غرب البلاد من فرض ارادتها لتأبيد الأزمة من أجل ادامة السيطرة على اقتصاد الريع، وذلك بالاشتراك مع مسؤولين اقليميين وممثلين للشركات متعددة الجنسيات، ووسطاء عالميين، وديبلوماسيين مباشرين وسابقين، وشركات للعلاقات العامة، ووسائل اعلام مأجورة، مشيرين إلى أن المال الليبي وصل إلى جيوب جميع المتدخلين تقريبا، محذرين من أن وضعية الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي قد يتم تعميمها على الكثيرين من أمثاله.
ويرى المراقبون أن السعي الدائم لإفشال المسار الانتخابي بالإصرار على إقصاء شخصيات بعينها يعد خيارا أجنبيا بالدرجة الأولى يتم تكريسه من قبل تيار الاسلام السياسي وزعماء شبكات الفساد والمتمسكين بالسلطة في طرابلس، بهدف منع المشير خليفة حفتر من الترشح للسباق الرئاسي، وبالتالي من إنقاذ الدولة والمجتمع من حالة التشرذم والانقسام، مؤكدين انخراط بعثة الأمم المتحدة في ذلك.
◄ على الشعب الليبي أن يعالج كل الأزمات السياسية وغيرها، التي تعيق بناء الدولة مرحلة جديد يكون فيها الشعب هو السيد والوصي على نفسه في تقرير مصيره
وخلال السنوات الخمس الماضية، عجز المجتمع الدولي عن تنفيذ كافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في جنيف في 23 أكتوبر 2020، وخاصة تلك المتعلقة بإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة، وبحل الميليشيات واحتكار السلاح من قبل الدولة، وتوحيد المؤسسة العسكرية.
كما عجز عن تنفيذ اتفاق المناصب الرئيسية في المؤسسات السياسية المعلن في أبوزنيقة المغربية في يناير 2021، وعن إلزام سلطات طرابلس باحترام ارادة الشعب والقبول بمبدأ تشكيل حكومة كفاءات وطنية موحدة قادرة على تأمين تنظيم الانتخابات.
وفي السياق ذاته، أعربت الحكومة الليبية عن استنكارها لما وصفته بـالتدخلات المتكررة وغير المبررة من قبل البعثة الأممية إلى ليبيا في الشؤون الداخلية، معتبرة أن أداء المبعوثين الأمميين تجاوز المهام المحددة لهم في إطار ميثاق الأمم المتحدة ومبدأ احترام سيادة الدول.
وأكدت في بيان رسمي أن البعثة انحرفت عن دورها الأساسي، وتدخلت في شؤون المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بمحاولتها فرض آليات لتشكيل مجلسها وفق رؤى خاصة لا تستند إلى أساس قانوني، مشيرة إلى أن حديث البعثة عما يسمى بالمكونات الثقافية واللغوية ضمن مشاوراتها ولجانها الاستشارية، يمثل مساسًا بالبنية الاجتماعية والثقافية الموحدة للشعب الليبي، محذّرًا من أن هذا النهج قد يهدد النسيج الاجتماعي ويعيد إنتاج النزعات الانقسامية التي تجاوزها الليبيون.
كما شددت الحكومة على أن البعثة تجاوزت اختصاص السلطة التشريعية بمحاولتها وضع وصاية على التشريعات الدستورية والقانونية المنظمة للعملية الانتخابية، معتبرة أن الإشارة إلى “نهج بديل” في حال عدم توافق المؤسسات الليبية تمثل وصاية مرفوضة على الإرادة الوطنية، وأكدت على أن احترام سيادة ليبيا ووحدتها وهويتها الجامعة هو شرط أساسي لأي تعاون مع الأمم المتحدة، مشيدة بجهود الأمين العام أنطونيو غوتيريش في إعادة هيكلة البعثة الأممية بما يضمن حيادها وتنوع تمثيلها لكافة مناطق البلاد.
وكان القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية المشير خليفة حفتر طرح مؤخرا رؤيته لمستقبل البلاد، وللعلاقة كما يجب أن تكون بين الدولة والمجتمع، معلنا ما يمكن تسميته بالجانب السياسي من رؤية العام 2030 التي تم الكشف عنها في أوائل أغسطس الماضي بمناسبة الذكرى الخامسة والثمانين لتأسيس الجيش الوطني.
وفي كلمة ألقاها أثناء استقباله عدد من مشايخ وأعيان ووجهاء وحكماء قبائل فزان بمدينة المشير خليفة حفتر العسكرية، أكد ضرورة أن يجري الشعب الليبي تقييما شاملا لحال البلاد، وأن يتخذ قراره الحاسم لانطلاق مرحلة جديدة من العمل الوطني الجاد.
وتابع أن على الشعب الليبي أن يعالج كل الأزمات السياسية وغيرها، التي تعيق بناء الدولة مرحلة جديد يكون فيها الشعب هو السيد والوصي على نفسه في تقرير مصيره، معتبرا أن “إقصاء الشعب عن مسار تقرير المصير ورسم خارطة الطريق نحو بناء الدولة هو الذي أفضى إلى تعدد المراحل الانتقالية المتطابقة في كل مواصفاتها وخصائصها ما أدى لتأزم المشهد السياسي وتوقف عجلة التقدم في بناء الدولة.”
وأوضح المشير أنه “لابد أن تكون المرحلة القادمة متطورة في معالمها وطبيعتها ومتميزة بكونها وليدة حراك شعبي واسع تقوده وتشارك فيه القوى الوطنية الحية، وفي طليعتها شيوخنا وحكمائنا الأفاضل”، لافتًا إلى ضرورة أن ” يضم الحراك كل شرائح المجتمع في المدن الليبية كافة.”
وقال إنه “ليس أمام مؤسسات الشعب على مختلف مستوياته من أعلاها إلى أدناها إلا الخضوع التام لما يقرره الشعب في هذا الحراك”، وأنه “يجب التخلي عن أي مسار لا يستمد شرعيته من الشعب مباشرة وستجدون قواتكم المسلحة في مواجهة كل من يتصدى لقرار الشعب واختياراته.”
ويجمع أغلب المحللين السياسيين، على أن تصريحات المشير حفتر الأخيرة، تدعم بقوة فرضية نزوله عند رغبة الشعب، وقبوله بتفويضه لقيادة المرحلة القادمة، كزعيم سياسي وقائد للسلطة التنفيذية بالمناطق المحررة في شرق ووسط وجنوب البلاد، على أن يترك المجال فسيحا لأبناء المنطقة الغربية للالتحاق بشركائهم في الوطن وفق حراك اجتماعي سلمي ومنظم وقادر على إيصال رسالته إلى العالم، بما يؤكد أن الشعب عرف طريقه وأن النهر أسس مجراه، وأن زمن التخاذل والتراجع والقبول بالوصاية الخارجية قد انتهى إلى غير رجعة.