إيلي صعب يروي قصة الرمال في أسبوع الموضة
في عرض إيلي صعب لربيع وصيف 2026 ضمن أسبوع الموضة بباريس، تحوّلت الرمال إلى لغة بصرية أنيقة. مزج المصمم اللبناني بين الجلد والأقمشة المنسدلة، بألوان صحراوية هادئة ولمسات جريئة، مقدّما تصاميم توازن بين التراث والحداثة، وتحتفي بالأناقة الصامتة.
باريس - في اليوم السادس من أسبوع الموضة، قدّم المصمم اللبناني إيلي صعب عرضًا لربيع وصيف 2026، حمل توقيعه الأنيق المعتاد، لكنه بدا هذه المرة وكأنه يكتب فصلاً جديدًا من سيرته البصرية، مستلهمًا من الصحراء أكثر مما يستلهم من مشاغل بيروت أو باريس. العرض الذي احتضنه “قصر طوكيو” الباريسي لم يكن صاخبًا، بل جاء هادئًا، متأملًا، وكأن الرمل نفسه تحوّل إلى قماش، والضوء إلى خيوط خياطة.
منذ اللحظة الأولى، بدت الألوان وكأنها تحاكي تدرجات الرمال عند الغروب: البيج، البني، الرملي، والتبغي، مع لمسات خفيفة من الوردي والبنفسجي والأصفر. لم تكن هذه الألوان مجرد خيارات جمالية، بل تعبيرًا عن مزاج داخلي، وعن رغبة في تقديم الأناقة كحالة من السكون، لا كاستعراض. وكأن إيلي صعب يقول: الجمال لا يحتاج إلى ضجيج، بل إلى توازن.
لكن ما ميّز العرض لم يكن فقط الألوان، بل الطريقة التي تعامل بها المصمم مع الخامات. فقد مزج بين الجلد والأقمشة المنسدلة، في تناغم يشي بالتحرر من القوالب. البلوزات المنقطة، والتنانير القصيرة المرصعة بالكريستال، جاءت مزينة أحيانًا بذيل منسدل يمنحها حركة إضافية، وكأنها تتنفس. أما فساتين السهرة، فحملت شراشيب عريضة وقصّات دقيقة، تعكس شخصية امرأة تعرف كيف تكون قوية دون أن ترفع صوتها، وكيف تترك أثرًا دون أن تفرض حضورها.
في عرض إيلي صعب لم تكن الأقمشة مجرد خامات، بل رواية صامتة تنبض بالأناقة وتهمس بجمال لا ينسى
إيلي صعب لا يقدّم أزياء فحسب، بل يقدّم سردًا بصريًا. في هذه المجموعة، بدا وكأنه يستدعي روح الصحراء العربية، لكنه يقدّمها بلغة باريسية أنيقة. لا توجد مبالغة، ولا استعراض، بل احتفاء بالصمت، وبالخطوط التي تهمس أكثر مما تصرخ. حتى القطع الجريئة بدت وكأنها ومضات محسوبة، تذكّرنا بأن الجمال لا يُقاس بالهدوء وحده، بل بالقدرة على المفاجأة.
اللافت في العرض أيضًا كان التوازن بين الشرق والغرب، بين الذاكرة والحداثة. إيلي صعب لا ينسى جذوره، لكنه لا يتوقف عندها. هو يعرف كيف يطوّع التراث ليصبح معاصرًا، وكيف يجعل من البساطة رفاهية، ومن التفاصيل لغة. تصاميمه لا تكتفي بأن تكون جميلة، بل تسعى لأن تكون ذات معنى، أن تحكي شيئًا عن المرأة التي ترتديها، وعن اللحظة التي تعيشها.
حضر العرض عدد من الشخصيات البارزة، من بينهم هايدي كلوم التي انتقلت من عرض “فيفيين ويستوود” إلى “قصر طوكيو”، وكأنها تتنقل بين عالمين بصريين مختلفين. لكن في عرض إيلي صعب لم تكن الأضواء هي البطل، بل كانت الأقمشة والقصّات والظلال. التصاميم لم تبحث عن التصفيق، بل عن لحظة تأمل، وعن عين تلتقط التفاصيل، وعن ذاكرة تحفظ الإحساس.
وما يميز إيلي صعب أيضا هو قدرته على منح كل قطعة طابعا شخصيا، وكأنها خُلقت لتُرتدى لا لتُعرض. فحتى أكثر التصاميم جرأة بدت وكأنها تنتمي إلى امرأة حقيقية، لا إلى فكرة مجردة. وهذا ما يجعل عروضه دائما قريبة من القلب، لا فقط من العين.
في نهاية العرض، بدا واضحا أن إيلي صعب لا يقدّم مجرد مجموعة أزياء لربيع وصيف 2026، بل يروي قصة، قصة عن الرمل، عن الأنوثة، عن الأناقة التي لا تُقال، بل تُرتدى. وربما لهذا السبب، لا يزال يحتفظ بمكانته كمصمم النجمات، ليس لأنه يجمّل أجسادهن، بل لأنه يفهم أرواحهن، ويمنحهن ما يشبه الرداء الداخلي: قطعة تلبسها المرأة، فتشعر بأنها أقرب إلى ذاتها.
في باريس، حيث تتنافس الأسماء وتُقاس العروض بعدد الكاميرات، اختار إيلي صعب أن يروي قصة الرمال، قصة هادئة، لكنها لا تُنسى. قصة لا تُقال، بل تُحسّ، وتُرتدى، وتُحفظ في الذاكرة كأثر ناعم لا يزول.