إماراتيون يعيدون صياغة العطور بلمسة تراثية

في معرض العطور والعود لا تعرض المنتجات فقط، بل تستعاد الذاكرة وتروى الحكايات برائحة تعكس هوية المكان.
الثلاثاء 2025/10/07
رائحة المكان والذاكرة

تشهد الدورة الثالثة من معرض “الإمارات للعطور والعود” تألقا لافتا لصنّاع العطور الإماراتيين، الذين أعادوا تقديم العطر كحكاية تراثية نابضة بالحرفية والابتكار، وسط اهتمام شبابي متزايد، ومشاركة واسعة تعزز مكانة الإمارات كمركز إقليمي لصناعة العطور.

الشارقة (الإمارات) – في قلب مركز إكسبو الشارقة، حيث تختلط نغمات العود والمسك والعنبر، تنطلق الدورة الثالثة من معرض “الإمارات للعطور والعود”، محتفية بتراث الرائحة العربية من خلال حضور لافت لصنّاع العطور الإماراتيين الذين جاؤوا ليبدعوا ويبتكروا، ويعيدوا للعطر مكانته كحكاية تنبع من الأرض والذاكرة.

المعرض الذي يستمر لعدة أيام، يستقطب جمهورا واسعا من عشاق العطور والمختصين في صناعة الروائح، لكنه يكتسب هذا العام طابعا خاصا بفضل مشاركة الحرفيين المحليين الذين أعادوا تعريف العطر كجزء لا يتجزأ من الثقافة الإماراتية، وعنصر أساسي في تقاليد الضيافة، حيث يرتبط استخدام العطر بقيم متجذرة في الموروث الإسلامي والتراث الثقافي.

لطالما استخدمت العطور في الحياة اليومية الإماراتية، حيث كانت توضع بعناية لتعكس الهوية الشخصية، وتنتقل أساليب استخدامها من جيل إلى آخر. وتلفت الباحثة ياسمين سلطان إلى أن العطور كانت جزءًا من جهاز العروس، مثل المشموم، والفيجي، والموتيا، والزعفران، والمحلب، والمخمرية، ودهن العود، والسدر، والياس، والصندل. وتقول “في ليلة الحنة، كانت العروس تتطيب بكل هذه العطور، وتتبخر بالعود والعنبر، وتضع الياسمين على رأسها والمخمرية على جسدها، في طقس جمالي متكامل”.

وتضيف أن البخور كان يُصنع منزليا ويُستخدم لتبخير الملابس، فيما كان الشعر الإماراتي الوجداني يصف العطور التقليدية ويخلّدها في الذاكرة الشعبية.

pp

في أجنحة المعرض، لا تقتصر التجربة على شمّ الروائح، بل تمتد إلى لقاءات مباشرة مع صنّاع العطور الذين يروون قصصهم مع كل تركيبة، ويشرحون كيف يستلهمون من البيئة الإماراتية عناصرهم العطرية، من “رائحة الرمال” إلى “عود المجالس”، في توليفات تجمع بين الأصالة والحداثة.

ورغم وجود علامات تجارية عالمية، يفرض الحرفيون الإماراتيون حضورهم بثقة، مقدمين مجموعات نادرة من دهن العود، وورش عمل حول فنون التوليف والتقطير، مستعرضين خبراتهم المتوارثة والمطورة بأساليب علمية حديثة.

ويقول علي الجابري، أحد المتخصصين في تصنيع العطور، “العطور الإماراتية أثبتت جودتها، وأصبحت تنافس عالميا، حيث تصنع بمواصفات عالية وتُصدّر إلى مختلف دول العالم”.

وتشير خبيرة التراث فاطمة المغني إلى أن الإماراتيين اعتمدوا على خامات البيئة في تصنيع العطور، مثل المخمرية التي تُحضّر من الزعفران والمحلب وتُدفن في الرمل لأربعين يوما، لتفوح منها رائحة تملأ البيوت وتُهدى للجيران. كما استخدمت النساء الريحان لحشو الوسائد وتعطير الفرش.

ويؤكد منظمو المعرض أن الدورة الثالثة تهدف إلى ترسيخ مكانة الإمارات كمركز إقليمي لصناعة العطور، مع دعم الحرفيين المحليين وتمكينهم من الوصول إلى جمهور أوسع، خاصة في ظل اهتمام متزايد من الشباب بهذا الفن الحسي الذي يجمع بين الذوق والهوية.

ويلاحظ الزوار، خاصة من الجيل الجديد، أن العطور الإماراتية تُصنع يدويا وتحمل خصوصية ثقافية، حيث يطلب البعض وصفات مخصصة، ويسأل آخرون عن رمزية كل مكون، وكأنهم يبحثون عن عطر يشبههم.

pp

ويقول محمد الخوري، المتخصص في تقييم العطور، إن صناعة العطور الإماراتية شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، مع إنشاء مصانع متميزة وتوسع في التصدير، مؤكدا أن العطور المحلية تستمد خصوصيتها من منتجات تراثية، مثل التمر والقهوة.

ويُذكر أن الدورة الأولى من المعرض، التي أُقيمت عام 2022، كانت بمثابة انطلاقة تجريبية جمعت بين عدد محدود من العلامات المحلية، وركّزت على إبراز العود كمكون أساسي في الثقافة الإماراتية. أما الدورة الثانية في 2023، فقد شهدت توسعا كبيرا في عدد المشاركين، واحتضنت عروضا حية لتقطير العطور، وندوات حول تاريخ صناعة العطر في الخليج، مما مهّد الطريق للدورة الثالثة التي تُعد الأكثر نضجا من حيث التنظيم والمحتوى.

في معرض “الإمارات للعطور والعود”، لا تُشمّ الرائحة فقط، بل تُحكى. العطر هنا ليس منتجا فحسب، بل سردية ثقافية تعبّر عن هوية، وتربط الماضي بالحاضر، وتمنح الزجاجة روحا. وفي هذه الدورة، يبدو أن صناع العطور الإماراتيين لا يكتفون بالمشاركة، بل يكتبون سطرا جديدا في قصة العطر العربي، بحرفية عالية، ورؤية تتجاوز حدود الزجاجة.

12