"إعلامية التنسيق السعودي-القطري".. تعاون تكتيكي لتجنب التصعيد الإعلامي

التنسيق الحالي يساهم في تقليل الدعاية السلبية وبناء الثقة الشعبية من خلال آليات عملية، لكنه يعكس أيضاً حذراً إستراتيجياً لتجنب أزمات جديدة.
السبت 2025/10/25
إدارة تضارب المصالح بحكمة

الدوحة- سلطت الزيارة الرسمية لوزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري إلى الدوحة الخميس، حيث ترأس الجانب السعودي في اجتماع اللجنة الإعلامية المنبثقة عن مجلس التنسيق السعودي-القطري، الضوء على التزام الدولتين الخليجيتين بعدم التصعيد الإعلامي بينهما.

وعقد الدوسري جلسة مباحثات موسعة مع الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس إدارة المؤسسة القطرية للإعلام.

وركزت المباحثات على تعزيز الشراكة الإعلامية الثنائية من خلال تبادل الخبرات والممارسات الناجحة، مع التأكيد على أن "الروابط الأخوية التاريخية بين الشعبين توفر أرضية خصبة لتطوير مبادرات إعلامية مشتركة تعبر عن القيم المشتركة وتعكس عمق العلاقات الاستراتيجية".

وحضر الاجتماع مسؤولون رفيعو المستوى من الجانبين، بما في ذلك الشيخ خالد بن عبدالعزيز آل ثاني الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام، وأحمد بن سعيد الرميحي مدير عام وكالة الأنباء القطرية، وخالد الغامدي وكيل وزارة الإعلام السعودية للعلاقات الإعلامية الدولية، بالإضافة إلى علي بن عبدالله الزعيد الرئيس المؤقت لوكالة الأنباء السعودية ومحمد بن فهد الحارثي الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية.

وأعرب الطرفان عن سعادتهما بالتطورات الإيجابية في التعاون الإعلامي، مشددين على أهمية هذه الاجتماعات في تعزيز الدور الإعلامي المشترك لدعم الاستقرار الإقليمي والتنمية المستدامة.

هذا التعاون يظل تكتيكياً في جوهره، مصمماً لإدارة التضارب المستمر في المصالح السياسية بدلاً من حله جذرياً

ويأتي هذا الاجتماع ضمن سلسلة الجهود المتواصلة للجنة الإعلامية، التي أُنشئت بعد قمة العُلا في يناير 2021 كجزء أساسي من مجلس التنسيق السعودي-القطري، الذي يشمل لجاناً متخصصة في مجالات متعددة مثل الأمن والثقافة والرياضة.

ورغم التوترات التاريخية الناجمة عن خلافات سياسية، مثل دعم قطر لجماعات إسلامية سياسية كالإخوان المسلمين أو علاقاتها الوثيقة مع إيران وتركيا، مقابل النهج السعودي المركز على التحالفات السنية والاستقرار الإقليمي، حققت اللجنة مخرجات ملموسة تعكس التزاماً عملياً بالمصالحة.

من أبرز هذه المخرجات برامج التدريب الإعلامي المشترك، مثل ورش العمل لتأهيل الكوادر الشابة في مجالات الإنتاج الإعلامي والصحافة الرقمية، بالإضافة إلى تبادل المهنيين بين وكالتي الأنباء السعودية والقطرية، وإنتاج محتوى ثقافي ورياضي مشترك يدعم رؤية 2030 لكلا البلدين، كما في التعاون حول تغطية الفعاليات الرياضية الكبرى مثل كأس العالم 2022 الذي استضافته قطر. كذلك، تم التنسيق على توحيد المواقف في المحافل الدولية، مع توقيع مذكرات تفاهم في اجتماعات سابقة مثل تلك في الرياض بسبتمبر 2024، حيث تم الاتفاق على مشاريع إعلامية مشتركة لتعزيز الصورة الإيجابية للخليج.

وفي ختام الاجتماع الأخير في الدوحة، اتفق الجانبان على مبادرات إعلامية محددة جديدة، تشمل تأهيل الإعلاميين الشباب من خلال برامج تدريبية متقدمة، وبحث حقوق البث المشترك لمباريات المنتخبين الوطنيين في الفعاليات الرياضية الكبرى لضمان تغطية واسعة ومنسقة، بالإضافة إلى مشروع إنتاج عمل درامي تلفزيوني مشترك يتناول العلاقات التاريخية الممتدة بين البلدين والشعبين الشقيقين، مما يساهم في بناء رواية إعلامية إيجابية تعزز الروابط الثقافية.

كما تم الاتفاق على تشكيل فريق عمل مشترك لمتابعة هذه المبادرات، يعقد اجتماعاته شهرياً بالتناوب بين الرياض والدوحة لوضع خطط تنفيذية مفصلة ومراقبة التقدم، مع التركيز على دمج التكنولوجيا الرقمية في الإنتاج الإعلامي لمواجهة التحديات المعاصرة مثل الدعاية الإلكترونية والشائعات.

وهذه المبادرات تأتي في سياق اتفاقيات سابقة، مثل الإطار التعاوني لتبادل الأخبار بين وكالتي الأنباء السعودية والقطرية الذي وقع في أكتوبر 2024، والذي يغطي مشاركة المحتوى الإخباري والصور والفيديوهات لتعزيز الدقة والشمولية في التغطية الإقليمية.

ومع ذلك، يظل هذا التعاون تكتيكياً في جوهره، مصمماً لإدارة التضارب المستمر في المصالح السياسية بدلاً من حله جذرياً، خاصة مع استمرار الاختلافات حول السياسات الخارجية والدور الإعلامي في التصعيد السابق، كما في انتقادات قناة الجزيرة للسياسات السعودية خلال الأزمة الدبلوماسية بين البلدين بين عامي 2017 و2021، أو الحملات الإعلامية المتبادلة التي اتهمت قطر بدعم الإرهاب.

ويقول مطلعون إن التنسيق الحالي يساهم في تقليل الدعاية السلبية وبناء الثقة الشعبية من خلال آليات عملية، لكنه يعكس أيضاً حذراً استراتيجياً لتجنب أزمات جديدة، خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر سبتمبر الماضي، مما سلط الضوء على الحاجة إلى توحيد الروايات الإعلامية حول القضايا الإقليمية الحساسة.

وخلال الزيارة، زار الدوسري أيضاً اللجنة العليا للتسليم والإرث في قطر، حيث تمت مناقشة التجارب الناجحة في إدارة الفعاليات الرياضية الكبرى، خاصة العمليات الإعلامية خلال كأس العالم 2022، مما يفتح آفاقاً لتعاون مستقبلي في مجال الإعلام الرياضي والترويجي. 

5