"أطلال" حسين قطنه تُعيد صياغة الذاكرة البصرية بلغة تشكيلية جديدة

الأطلال تظهر كفضاء للحياة التي تتجدد، وكأن الفنان يعلن أن الجمال يمكن أن يولد من الركام.
الجمعة 2025/10/24
صفحة من دفتر الزمن

القاهرة - في معرضه الأخير "أطلال"، المقام في غاليري ضي بالمهندسين في القاهرة، يواصل الفنان التشكيلي حسين قطنه مشروعه البصري في البحث عن جوهر الإنسان والمكان، مستعيدًا ذاكرة الأطياف والظلال التي تشكّل وعينا الجمعي، ليحوّلها إلى نص بصري نابض بالحياة. هذا المعرض ليس مجرد استعادة لصور الماضي، بل هو تأمل تشكيلي في فكرة البقاء والغياب، وفي الزمن ككائن يتنفس بين ألوان اللوحة وخطوطها.

منذ بداياته سعى حسين قطنه إلى تأسيس خطاب فني خاص يوازن بين التجريد والرمزية، في مقاربة بصرية تجمع بين الدلالات التراثية واللغة التشكيلية الحديثة. لوحاته في هذا المعرض تُشبه “أغنية للذاكرة”، فيها تتقاطع الحروف والزخارف مع الملمح الإنساني، لتصوغ مشهدًا بصريًا يزاوج بين المحسوس والمجرد، بين الأثر والبقاء.

المعرض يضم يضم نحو 45 عملًا فنيًا تمثل أحدث ما أبدعه الفنان خلال السنوات الأخيرة
المعرض يضم يضم نحو 45 عملًا فنيًا تمثل أحدث ما أبدعه الفنان خلال السنوات الأخيرة

في لوحات “أطلال” لا تظهر الأطلال كرمز للفناء، بل كفضاء للحياة التي تتجدد، وكأن الفنان يعلن أن الجمال يمكن أن يولد من الركام. فالفنان قطنه يتعامل مع اللون ككائن روحي، ومع الخط كإيقاع داخلي يعيد إلى الزمن صوته، لتغدو كل لوحة بمثابة “أنشودة أطلال” تعيد تشكيل الذاكرة بلغة الضوء والظل.

وقد شهدت قاعة ضي مساء السبت الماضي افتتاح المعرض وسط حضور لافت من الفنانين والنقاد والمثقفين، من بينهم محمد الصبان وحكيم جماعين وسامي البلشي وأسامة ناشد والفنان السعودي أنس علوي وإبراهيم العطار والدكتور محمد هشام قنديل، مدير أتيليه العرب، وعدد من قيادات الغاليري.

ويستمر المعرض حتى 12 نوفمبر المقبل، ويضم نحو 45 عملًا فنيًا تمثل أحدث ما أبدعه الفنان خلال السنوات الأخيرة، في سلسلة لوحات تجريبية تتراوح بين التصوير الزيتي والمختلط، وتعكس وعيه العميق بتقنيات السطح واللون والملمس.

في قراءة نقدية لتكوينات الفنان يمكن تلمّس مزيج فريد بين التكعيبية الكلاسيكية والتجريد التعبيري، فبينما تحتفظ الكتل بصلابتها الهندسية، تتنفس الألوان بحرية تعبيرية تُخرج الشكل من حدوده الجامدة إلى فضاء شعوري رحب.

يستخدم الفنان التكوينات المربعة والمثلثة كإطار لبناء المشهد، لكنه لا يتركها صامتة؛ بل يُدخل إليها نبضًا لونيًا حارًا يعيد تعريف الكتلة بوصفها كائنًا حيًا. كذلك، يُدخل الفراغ كعنصر تكوين، لا كحيّز خالٍ، بل كمساحة للتأمل، حيث تتنفس الروح بين الخطوط والظلال.

ويمتلك حسين قطنه حسًا خاصًا في التعامل مع الرموز الشعبية والعناصر التراثية، كالأبواب والنوافذ والمآذن والقباب، فيُعيد صياغتها بتكوينات حداثية تميل إلى التجريد.

وتُظهر بعض لوحاته تأثير خبرته في الخط العربي والتذهيب، ما يمنح أعماله بعدًا روحانيًا وصوفيًا واضحًا، إذ تتحول الحروف إلى طيف ضوء، ويتحوّل اللون الذهبي إلى رمز للخلود والسكينة.

يرى الدكتور محمد هشام قنديل أن تجربة حسين قطنه تنتمي إلى “الفن البصري المعاصر الذي يزاوج بين الجمال والمعنى”، مؤكدًا أن المعرض يأتي في إطار دعم الغاليري للتجارب الأصيلة التي تُثري المشهد التشكيلي المصري والعربي. وأضاف أن قطنه “يقدّم بحثًا جماليًا وإنسانيًا عميقًا، يُعيد الاعتبار لفكرة الذاكرة بوصفها جزءًا من الهوية التشكيلية.”

حخح

وتُشكّل لوحات “أطلال” جسرًا بين مدارس الفن الحديث، إذ تستند إلى البناء التكعيبي في هيكلها، لكنها تتفتح على فضاءات التجريد، وتستعير من التعبيرية حيويتها ودفء اللون. وفي خلفية كل لوحة ينبض حضور رمزي للمكان المصري، ولروح الجنوب التي تتماهى مع الرمل والطين والسماء.

ويُعيد قطنه من خلال هذا المعرض تعريف مفهوم الأطلال، لا كماضٍ منقضٍ، بل كذاكرة متحركة تتنفس في الحاضر.

كل لوحة تبدو كصفحة من دفتر الزمن، تنقلنا بين أطياف الوجدان وطبقات المعنى، لتؤكد أن الفن عند حسين قطنه ليس تصويرًا للمشهد، بل هو إحياء للذاكرة وإشراق للطيف، حيث تتحول اللوحة إلى كيان حيّ يعيد إلى العين قدرتها على الحلم.

يُذكر أن الفنان حسين قطنه ولد في 15 يناير 1961، وتخرّج في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، قسم التصوير، عام 1985. حصل على منحة تفرغ من وزارة الثقافة منذ عام 2021، ويُعد من أبرز الفنانين الذين جمعوا بين التصوير والخط العربي، مستندًا إلى رؤية بصرية تمتد من التراث الإسلامي إلى الحداثة العالمية.

9