أحلام الزغمولي لـ"العرب": القصة المصورة ليست ترفا بل ضرورة تربوية

في أدب الطفل الرسام توأم الكاتب وليس دوره أن يعيد رسم الأحداث.
الثلاثاء 2025/08/26
طفل تونس ليس طفل العراق أو طفل مصر

في عالم الأدب، ثمّة أقلام تختار أن تُخاطب الكبار، وأخرى تُلامس أرواح الأطفال، تزرع فيهم الحلم والقيم والجمال منذ الصغر. ومن بين هذه الأقلام اللامعة تبرز الكاتبة التونسية أحلام الزغمولي، التي اختارت أن تجعل من القصة المصوّرة جسرًا يربط بين الخيال والواقع، وبين الطفل وعالمه الداخلي. "العرب" كان لها هذا الحوار معها حول تجربتها.

تنشط الكاتبة أحلام الزغمولي في مجال الكتابة للأطفال، ولها بصمة واضحة في عدد من المجلات الأدبية الموجّهة للناشئة، حيث تجمع بين السرد الحكائي والرسائل التربوية في إطار ممتع ومشوّق.

في هذا الحوار مع “العرب”، نقترب أكثر من عوالمها الإبداعية، ومصادر إلهامها، ورؤيتها لمستقبل الكتابة الموجّهة للطفل في تونس والعالم العربي.

قصص الأطفال

حول دافعها لاختيار الكتابة للأطفال تحديدا دون الفئات العمرية الأخرى تقول أحلام الزغمولي “لعلّ ما دفعني إلى الكتابة للطفل هو أن هذا النوع من الكتابة أصبح هواية من لا هواية له، الكل يرفع قلمه ويكتب من دون تحصيل علمي أو معرفي ومن دون مراعاة لنفسية الطفل، كنت أنزعج كثيرا من الأخطاء اللغوية والإملائية، ولكن ما أزعجني أكثر بعض المواضيع المطروحة والمفزعة، فقد قرأت قصة للأطفال شخصياتها مجموعة من الأرانب اتخذت قرار الانتحار حينها صعقت أي رسالة توجه للأطفال؟ وما هذا التلاعب بعقولهم؟”.

الكاتبة عالجت قضية التحرش والتنمر والتلوث والانحباس الحراري والطلاق والتوحد وغيرها من مواضيع تلامس طفل اليوم
الكاتبة عالجت قضية التحرش والتنمر والتلوث والانحباس الحراري والطلاق والتوحد وغيرها من مواضيع تلامس طفل اليوم

وتضيف “بعدها قرأت قصة جلد الحمار، حيث تتوفى زوجة ملك ولا يجد من تضاهيها في الجمال فيفكر في الزواج بابنته، وغيرها من القصص المخزية التي لا تستجيب لمبادئنا وعقيدتنا وأخلاقنا. وقتها قررت أن أكتب فأنا أجمع بين الهواية والعلم كوني مجازة في اللغة العربية وأمتلك آليات الكتابة، وآليت على نفسي أن تكون قصصي هادفة بسيطة محبّبة إلى الطفل. وهنا أكون قد أرضيت أحلام الأستاذة وأرضيت الطفل الذي يسكنني وساهمت في إسعاد الأطفال أينما كانوا دون أن أستخف بعقولهم ودون أن ألحق بهم أذى”.

نسألها هل كانت طفولتها مصدر إلهام في قصصها؟ كما نسألها عن أبرز المواضيع التي تحرص على تضمينها في قصصها، فتجيبنا “نعم كانت طفولتي مصدر إلهام، ربما كنت الطفلة الأسعد. أنا ابنة المدينة لكن أقضي عطلي في الريف حيث أستمع إلى قصص الجدات. وجدّتي لها قصص كثيرة مخبوءة أستطيع الوصول إليها ليلا فترويها لي بكل حبّ، أضف إلى ذلك أمي فأنا في سن مبكرة كنت أجلس حذوها وهي تقرأ ألف ليلة وليلة، وألح عليها أن تروي لي القصّة، ثم إن الريف عموما ببساطته وهدوئه يجعل منك شخصا يهتم بالطبيعة والحيوان والعلاقات الإنسانية”.

وتتابع الزغمولي “كل هذا جعل مني كاتبة. وربما قصة الحفيدة والجدّة التي تصدر شهريا في مجلة فارس المصرية والتي استمرت لثلاث سنوات خير دليل على ذلك، علما أن كل قصة نشرت حقيقية عشت أحداثها فعلا مع جدّتي وهي قصص شيقة وممتعة وهادفة”.

وتشير الكاتبة إلى أنها تعالج كل المواضيع، فقد تكون ذات صلة بالأخلاق أو بالطبيعة، لكن لا يمكن أن تحدد المواضيع، فهي وليدة اللحظة ومرتبطة بالطفل المعاصر، فمشاغله اليوم قد تختلف عن مشاغلنا عندما كنا أطفالا. وتذكر أنها عالجت قضية التحرش الجنسي والتنمر والتلوث والانحباس الحراري والطلاق والتوحد وهي مواضيع تلامس طفل اليوم.

وردا على سؤال “العرب” كيف تتعامل مع التحديات الخاصة بكتابة نص بسيط لغويًا لكنه غني في المضمون والمغزى؟ تجيبنا الزغمولي “ربما عملي كأستاذة لغة عربيّة لسنوات وتعاملي اليومي مع الطفل، سهل عليّ الأمر كثيرا، فأنا أتابعهم، أعرف مشاغلهم، وأعرف ما يروق لهم وأعرف أي الأساليب أقرب إليهم، بالإضافة إلى أن الجمهور المستهدف ليس نفسه، فطفل تونس ليس طفل العراق أو طفل مصر”.

الطفل القارئ التونسي اليوم خاصة والعربي عامة ذكي وواع لكنه ملول جدا لذلك يجب أن تلامسه القصة من السطور الأولى أو أنه لن يقرأها

تضيف “في تونس مازالت الأسر حريصة على اختيار القصة ذات اللغة السليمة والجزلة نوعا ما حرصا منهم على إثراء الطفل لزاده المعرفي واللغوي، كما أنني حين أنشر في العراق أيضا أجد ترحيبا بنوعية خاصة من القصص تكون اللغة فيها جيدة، بينما في باقي البلدان تكون أكثر بساطة، فأنا أراعي الفروقات في اللغة مع الحفاظ على سلامتها وعلى عمق المواضيع دون أن تفقد القصة جانب المتعة والتشويق”.

وعن الصفات التي تراها في الطفل القارئ التونسي والعربي اليوم ودور القصة في تنمية وعيه وشخصيته، تقول لـ”العرب”، “الطفل القارئ التونسي اليوم خاصة والعربي عامة ذكي وواع لكنه ملول جدا لذلك يجب أن تلامسه القصة من السطور الأولى أو أنه لن يقرأها، خاصة أن منازلنا تغزوها اليوم التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، والكاتب اليوم أمام تحد كبير: كيف يختطف الطفل من هذا العالم المبهر ليعيده إلى عالم القراءة والكتاب”.

وتتابع “للقصة دور هام في توعية الطفل وبلورة فكره وإعداده الإعداد السليم ليكون شخصا متزنا موثقا به، القصة التي هدفها التهريج لا معنى ولا قيمة لها، القصة التي لا تكون كالبحر ملآنة بالدرر لا قيمة لها، القصة التي لا تعاد قراءتها لا قيمة لها أيضا، أنا أؤمن بقيمة الكتاب في تشكيل الوعي وتربية الطفل على القيم والأخلاق والمبادئ، وأستغرب من بعض الكتاب حين يقول إن التربية موكولة للأبوين فقط، فالتربية أيضا موكولة للكاتب فنحن تربينا على المكتبة الخضراء وشكلت فكرنا وصوبت اعوجاجنا وعدلت من سلوكنا”.

نسأل أحلام الزغمولي هل تتابع تفاعل الأطفال مع قصصها؟ وكيف يؤثر ذلك على كتاباتها المقبلة؟ فتجيبنا “نعم أتابع تفاعل الأطفال مع قصصي ومن مدّة قصيرة قامت مجلة ‘الحسيني’ باستفتاء وقد اختيرت قصتي ‘رقيّة’ التي تنشر شهريا كأفضل قصة، وهذا أمر يسعدني إذ استطعت أن أصل إلى قلوبهم الصغيرة وضمائرهم النيّرة. ثمّ إن ما ينشر لي خارج تونس تصلني أخباره إما مباشرة أو عن طريق دور النشر وهذا أمر يلهمني ويجعلني أسعى جاهدة إلى المزيد من التميّز”.

أهمية أدب الطفل

الكاتبة أحلام الزغمولي تنشط في مجال الكتابة للأطفال، ولها بصمة واضحة في عدد من المجلات الأدبية الموجّهة للناشئة، حيث تجمع بين السرد الحكائي والرسائل التربوية
الكاتبة أحلام الزغمولي تنشط في مجال الكتابة للأطفال، ولها بصمة واضحة في عدد من المجلات الأدبية الموجّهة للناشئة، حيث تجمع بين السرد الحكائي والرسائل التربوية

أما عن كيفية التوفيق بين ترسيخ الهوية التونسية والانفتاح على القيم الإنسانية العالمية في قصصها فتقول “تونس جزء من العالم والقيم والأخلاق لا تتجزأ وأنا أحاول جاهدة ألا تكون قصصي محليّة، بل أود أن تكون عالمية وذات بعد إنساني، والطفل التونسي بطبعه منفتح متسامح محب للآخر ومتقبل للاختلاف وبالتالي قصصي لا تتعارض مع ذلك الأمر، ثم إنّه عربيّ وواع بدوره كعربيّ، يؤمن بالعدالة والحرية والمساواة وهذه كلها تشكل وعيه وتحفّزه على الحفاظ على هويته التونسية أولا والعربية ثانيا”.

ولما سألناها هل لديها تجارب مميزة في نشر القصص المصورة في المجلات؟ وكيف تختلف كتابة القصة المصورة عن القصة التقليدية، والتحديات التي تواجهها مع الرسامين؟  تقر الزغمولي بذلك، قائلة “نعم لي تجارب مميزة في نشر القصص المصورة في مصر والعراق والجزائر وتونس وغيرها من الدول، والقصة المصورة تحتاج إلى القاعدة التالية: الدقّة والوضوح والإيجاز، وأن تكون بارعا في التطرق إلى الموضوع ومعالجته بأقل قدر من الكلمات بالإضافة إلى حاجتك إلى رسام بارع جدا تقول ريشته ما صمت الكاتب عن قوله”.

وتضيف “أما ما أسميته أنت القصة التقليدية أو لنقل القصة السرديّة فأساسها الحبكة وحسن اختيار الشخصيات وسلاسة السرد، وحسن بناء الحوار والتشويق والاعتماد على عناصر المفاجأة، هي مجال أرحب للكاتب ليكتب ما يريد كتابته. لكن القصص المصورة هي مجال البراعة والدقة والذكاء”.

وتتابع “الرسام هو رفيق الكاتب إن لم نقل توأمه، والرسوم هي العتبة الأولى في القصّة وهي ما يشدّ الطفل أولا، حينها يقتني القصة أو لا يقتنيها، لذلك يجب على الرسام أن يكون فنانا أولا وقارئا جيّدا ثانيا، وليس دوره أن يعيد رسم الأحداث بل دوره أن يضيف إليها ما سكت الكاتب عن قوله، فالرسام يعيد تشكيل القصة ويعيد بناءها من جديد بروح فنية، فالكاتب يبدع بالكلمات والرسام يبدع بالألوان، وانسجامهما يولد عالما فنيا نورانيا يصل إلى الطفل بكل سهولة”.

نسألها هل تجد أن الأطفال يتفاعلون أكثر مع القصص المصورة؟ فتجيبنا “لا أستطيع أن أقول إن الأطفال يتفاعلون أكثر مع القصص المصورة، هذا يعود إلى طبيعة الطفل وميولاته ومدى شغفه بالمطالعة، لكن يمكن أن أقول إن بعض الأطفال يميلون لهذا النوع من القصص لطغيان الصورة على النص، وهم يفضلون النصوص القصيرة، بالإضافة إلى الألوان وطريقة الإخراج وغيرها”.

توجه “العرب” للكاتبة التونسية سؤالا عن المعايير التي تأخذها بعين الاعتبار عند اختيار المجلة التي تنشر فيها، وهل ترى أن المجلات الورقية لا تزال تحتفظ بقيمتها أمام التطور الرقمي في أدب الطفل؟ فتجيبنا “ألا تكون المجلة ربحية بالأساس، بل تكون غايتها تحقيق الإفادة والارتقاء بالطفل، وأن تسمح لي بالكتابة بحرية ولا تملي عليّ شروطا مجحفة، وألا تتدخل في اختياراتي للمواضيع طالما كانت ذات بعد إنساني ولا تمسّ أخلاق المجتمع الذي تنشر فيه”.

وتتابع “المجلات الورقية لا تزال تحتفظ بقيمتها نسبيا، ولكن عليها أن تلبس ثوبا جديدا يشدّ القارئ أو أنها ستجد نفسها في مأزق كبير أمام التغير التكنولوجي، وأرى أنها بحاجة إلى تحسين محتواها والتطرق إلى مواضيع تمس الطفل والاهتمام بالتصاميم المبهرة، بالإضافة إلى ضرورة اعتماد إصدار رقمي إلى جانب الإصدار الورقي، ويجب أن يكون لكل مجلة ورقية موقع إلكتروني يقدم نفس المحتوى بشكل تفاعلي يشمل الصوت والرسوم والقصص وغيرها”.

وتختم أحلام الزغمولي لقاءها مع “العرب” بتوجيه كلمة للآباء والمعلمين حول أهمية غرس حب القراءة لدى الأطفال “أقول لهم خير جليس في الأنام كتاب، اهتموا بالكتاب أيها الآباء اجعلوا أبناءكم يشاهدونكم وأنتم تقرؤون، كونوا القدوة الحسنة لهم، فالكتاب يشكل خيال أبنائكم ويشكل فكرهم ويبني شخصياتهم”.

12