نادية هناوي تخفف من غلو المنبهرين بأدب الذكاء الاصطناعي

الباحثة العراقية ترى أن ما يغفل عنه مستهلكو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المجال الإبداعي هو حقيقة ما يجري على النصوص من عمليات التزييف العميق.
الاثنين 2025/07/21
الذكاء الاصطناعي لن يعوض الموهبة

بغداد - في كتابها "الذكاء الاصطناعي التأهيل والتهويل" تطرح الباحثة والأكاديمية العراقية نادية هناوي مجموعة رؤى وتصورات حول نماذج الذكاء الاصطناعي في مجال الإنتاج الأدبي، تقلب الصورة الإيجابية الجاهزة في أذهان الكثير من مستخدمي هذا الذكاء وكذلك المهتمين بالأدب والنقد من أن نماذج هذا الذكاء مثل تشات جي.بي.تي وكلاود وجيمني وغيرها ستجتاح عالم الشعر والرواية والقصة وستتفوق على المبدعين الأصلاء.

وما تأخذه المؤلفة على المحتوى النصي المنتج بالذكاء الاصطناعي أنه محاكاة تقوم بها الآلات الذكية لكميات هائلة من البيانات المخزونة في شبكة الإنترنت، لتقدم من ثم في شكل غير أصيل.

ترى هناوي في كتابها، الصادر أخيرا عن “دار أبجد”، أن ما يغفل عنه مستهلكو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المجال الإبداعي هو حقيقة ما يجري على النصوص من عمليات التزييف العميق، ففي أثناء ضخ كميات هائلة من التدفقات المعلوماتية المتتالية والمستلة من مواقع ومنصات مودعة في الشبكة العنكبوتية، تقوم الأنظمة والبرمجيات بعمليات انتقاء لمئات الآلاف من البيانات النصية والصورية والفيديوية. ومن المعتاد بعد ذلك أن يكون المحتوى المنتج بالآلة الذكية غير موثوق المصدر ولا محدد المرجع والملكية.

h

ولتجلية أبعاد هذه الصورة أكثر، تؤكد المؤلفة أن الذكاء الاصطناعي ليس مسؤولا أخلاقيا عن أفعاله تلك، إذ من غير المنطقي مطالبة الآلات بأن تكون أخلاقية تحترم ملكيات المؤلفين السابقين وتتحلى بالنزاهة الأدبية. وحتى لو قيل إن بالإمكان تغذية الآلة الذكية بالقواعد الأخلاقية، فإن ذلك غير ممكن، لأن الأخلاق نفسها ذات طبيعة متغيرة، وليست لها قواعد ثابتة. إنما المسؤول عن ذلك هو المستخدم الذي ينظر إلى الأدب المنتج بالآلة الذكية على أنه إبداع أصيل، يمكن نسبته إلى نفسه، وإشهاره على أنه من نتاجه الخاص.

ومن ناحية أخرى ترى المؤلفة أن هذه المؤاخذات على توظيف الذكاء الاصطناعي في عملية إنتاج النصوص الإبداعية الأدبية والفنية، تستوجب التوعية الفكرية بضرورة احترام الملكيات الأدبية، وعدم انتهاكها أثناء جمع البيانات ومعالجتها ومشاركتها. وتشير إلى أن أغلب الإصدارات المستحدثة التي تطرحها شركات الذكاء الاصطناعي، لم تحقق نجاحات مؤكدة حتى الآن، لا في صنع محتوى أدبي أو نقدي أصيل فحسب، بل أيضا هي لم تتمكن بعد من تجاوز إخفاقات النماذج التي سبقتها قياسا بما حققته في سائر المجالات العلمية والحياتية الأخرى.

ومما تقف المؤلفة عنده باهتمام ضرورة أن نفكر بشكل متوازن في قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي في المجالات الأدبية التي فيها يزداد الاعتقاد يوما بعد يوم بأن الذكاء الاصطناعي في طريقه إلى إزالة أصحاب المواهب والحلول محلهم، وأن عصر الموهوبين ولَّى، وجاء عصر الأدباء فاقدي الموهبة ومنتحلي الروائع الأدبية. ومثل هذه الاعتقادات كثير.

 وتقارن المؤلفة بين بلدان الغرب ما بعد الصناعي التي تسعى إلى وضع قوانين تضبط استعمالات الذكاء الاصطناعي وتحدد سلوكيات التعامل مع هذه التكنولوجيا الرقمية، وبين بلدان نامية تواكب مستحدثات هذه التكنولوجيا وتداوم على استعمال نماذجها وبرامجها على اختلاف أشكالها، لكنها لا تسعى بالمثل إلى وضع قوانين تجعل من الذكاء الاصطناعي وسيلة تقنية أو تعمل على وضع خطط تربوية مستقبلية لنشر الثقافة الإلكترونية، تعرّف بآليات عمل الوسائط الافتراضية، وأخلاقيات التعامل معها، وضرورة الحذر من الإدمان على ما في الذكاء الاصطناعي من برامج ونماذج وتطبيقات مع التيقظ خشية الوقوع في حبائل المبتزين وألاعيب المنتحلين وقراصنة التهكير.

الكتاب يؤكد الدور المساعد للذكاء الاصطناعي في الأدب ويقدم مؤاخذات على توظيفه في عملية إنتاج النصوص الإبداعية

ومما تذهب إليه المؤلفة حول استعمال روبوت المحادثة تشات جي.بي.تي أنه صناعة تقنية تقدِّم المعرفة وتحفِّز الذهن مثلما تحقق التسلية وتُبعد الملل، لكن الذي يحصل هو ما يُخيل إلى الكثير من المستخدمين من أن هذا الروبوت سيحقق لهم ما يحلمون به من شهرة، وما يطمحون إلى نيله من أغراض أو ما يهدفون إليه من تعلم، معتمدين على الذكاء الاصطناعي اعتمادا تاما سواء في كتابة الأبحاث والتقارير أو حلِّ أسئلة الامتحان أو الحصول على نصوص قصصية وشعرية ونتاجات فنية.. وما إلى ذلك من ممارسات تجري في إطار ما هو مودع في الشبكة العنكبوتية من مخزونات معرفية وإبداعية.

وهذا ما تشدد المؤلفة على التفصيل في مخاطره، وتأكيد أهمية النظر إلى الآلات الذكية وبخاصة نماذجها اللغوية الكبيرة بوصفها أدوات مساعدة، لا تخلو من مثالب وإخفاقات.

يتوزع الكتاب الجديد، وهو الثامن والعشرون في تعداد الكتب التي ألفتها الدكتورة نادية هناوي، بين قسمين ومقدمة وخاتمة وملحق، يحمل القسم الأول عنوان “الذكاء الاصطناعي تجارب أدبية” والقسم الثاني “الذكاء الاصطناعي سرديات معرفية” وتندرج تحت هذين القسمين عشرة فصول ويضم كل فصل مباحث عدة. ومن تلك المباحث ما يتعلق بدور العقل والعاطفة في النص الأدبي وكيف تتفاوت نسبة وفاعلية هذا الدور تبعا لطبيعة الأغراض المتوخاة من وراء كتابة هذا النص.

ومن المباحث ما يعالج الإشكالية في إنتاج النص الأدبي بوساطة الآلات الذكية، إذ إن ما ينقص هذا المنتج ليس البعد العقلي إنما هو البعد العاطفي الذي ينبغي أن يرافقه دوما وبغض النظر عن نسبة وميزة وسمات هذا الترافق كثنائية لا بد منها سواء أ كان المنتج بشريا أم إلكترونيا. وتتنوع مصادر الكتاب ومراجعه، وجميعها تدور حول الذكاء الاصطناعي الأدبي ونماذجه اللغوية الكبيرة مثل تشات جي.بي.تي وكلاود وجيمني.

ولقد قامت المؤلفة بسلسلة اختبارات لنماذج الذكاء الاصطناعي، من ذلك مثلا سألنا الذكاء الاصطناعي أن يكتب دراسة نقدية عن قصة صحيفة التساؤلات للقاص المعروف محمد خضير وأخرى عن رواية المخطوط القرمزي للكاتب الإيطالي أنطونيو كالا وثالثة عن قصيدة مالك بن الريب  الشهيرة – ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة – ورابعة عن قصيدة محمود درويش – خطبة الهندي الأحمر – كانت إجابات 40 – تشات جي.بي.تي ساذجة وبسيطة وإحالات عبارة عن شروح ومعلومات لا جديد فيها البتة كونها تقوم على تجميع بيانات متوفرة أصلا على الشبكة العنكبوتية وتتم محاكاتها بطريقة التنظيم والتخطيط مما لا يقدر الإنسان على القيام به، لكن ما يميزه عليها أنه قادر على الإبداع وابتكار ما هو غير مودع داخل تلك الشبكة.

إن ما تسعى إليه الدكتورة هناوي من وراء كتابها الجديد هو التخفيف من غلو المنبهرين والمروجين لفكرة موت الإبداع الأدبي والفني البشري على يد الذكاء الاصطناعي.

12