مرزق حلقة وصل ليبية بين بلاد السودان وشمال أفريقيا ومصر

كتاب "مرزق عبر المراجع التاريخية" يأتي ضمن سلسلة "الدراسات الصحراوية" التي تسلط الضوء على الموروث الصحراوي الغني.
الثلاثاء 2025/07/15
مدينة وحضارة منسية

طرابلس - "مرزق عبر المراجع التاريخية" كتاب جديد من تأليف أحمد الغاتي، يحاول من خلاله تتبع تاريخ المدينة المنسي رغم أهميته البالغة لا في تاريخ ليبيا فحسب، بل في تاريخ منطقة شمال أفريقيا عامة.

ويتناول الكتاب تاريخ مدينة مرزق، مستعرضًا من خلالها جوانب متعددة من تاريخها العريق، معتمدًا على أمهات المراجع التاريخية.

كما يُبرز هذا المؤلف، الصادر عن المركز الليبي لأبحاث الصحراء وتنمية المجتمعات الصحراوية، دور مرزق الثقافي والسياسي في عمق الصحراء الليبية، ويقدم سردًا موثقًا يعكس مكانتها البارزة في تاريخ المنطقة.

تقع مدينة مرزق في الجنوب الليبي وهي من أهم الواحات الليبية التي تأسست على يد أولاد أمحمد الفاسي الذين وصلوا إلى السلطة بعد منتصف القرن السادس عشر الميلادي في إقليم فزان، فاتخذها المنتصر عاصمة سياسية واقتصادية لدولته سنة 1577 م، بسبب أهمية موقعها الجغرافي الذي جعلها حلقة وصل ما بين بلاد السودان وشمال أفريقيا ومصر وكانت مرزق نقطة التقاء القوافل الصحراوية العابرة ومحطة رئيسية لاستراحة القوافل وبوابة ليبيا الرئيسية لما وراء الصحراء، حيث لعبت المدينة دورا كبير في ازدهار التجارة بالإضافة إلى نشاط وتوطيد العلاقات الاجتماعية والثقافية بين مرزق وبلاد السودان.

الكتاب يتناول تاريخ مدينة مرزق مستعرضًا جوانب متعددة من تاريخها العريق معتمدًا على أمهات المراجع التاريخية
الكتاب يتناول تاريخ مدينة مرزق مستعرضًا جوانب متعددة من تاريخها العريق معتمدًا على أمهات المراجع التاريخية

واسم مرزق مأخوذ، كما يذكر المختصون، من مصدر رزق، وهي تسمية لها علاقة بطبيعة نشأة المدينة كمحطة للتجارة، وبجلب الرزق، فلولا التجارة لما كانت مرزق، ويذكر عبدالقادر جامي أن الاسم مأخوذ من مرزوق المرتبطة بالاسترزاق، فالموقع هو سبب نشأتها، إذ أن الموضع الذي تقوم فيه المدينة رغم وفرة الماء فيه والواحة ذات النخيل والزراعة، إلا أنه صعب التضاريس بحكم برك المياه المالحة والسباخ التي تشغل جانب المدينة الشمالي بكامله تقريبا والجانب الجنوبي الغربي.

ورغم المناخ المناقض للمناخ الصحراوي الصحي، إلا أن موقع هذه المدينة كان على أهم طريق للتجارة ما بين البحر المتوسط وبحيرة تشاد الواقعة في وسط أفريقيا ما جعلها تستمر مركزاً تجارياً ومركزاً سياسياً وإدارياً لفزان منذ تأسيسها حتى الاحتلال الإيطالي، الذي نقل قاعدة الولاية إلى سبها ومنحها المركز الإداري والاقتصادي، وتراجعت مرزق إلى مركز ثانوي وتدهور وضعها خاصة لفقدانها الأساس الذي قامت عليه كمحطة رئيسية ومدينة سوق رئيسي.

إن مرزق بالوظائف التي كانت تقوم بها، وبموقعها كمحطة وسوق رئيسيين على طريق برنو الشهير، جعلها من مدن الدواخل التي قصدها الرحالون الأوروبيون الذين سلكوا طريق طرابلس أو بنغازي نحو بحيرة تشاد. وبحكم الاستعداد لمرحلة جديدة من مشروع رحلتهم، فإنهم كانوا يمكثون فيها مدة طويلة نسبياً، انتظاراً لانطلاق قافلة نحو برنو ينضمون إليها أو يشكلون قافلة مع حماية الأمر الذي يتطلب المكوث فيها شهوراً وييسّر لهم جمع المعلومات والاستعداد لمرحلة القادمة من الرحلة.

وترك هؤلاء الرحالة العديد من النصوص والوثائق التي تتحدث عن تاريخ المدينة وواقعها، وقد كرّس قسم كبير منها لوصف المدينة وللتعريف بتاريخها والوقوف عند سكانها والوافدين إليها وعند نظام الإدارة فيها وحركة السوق والقوافل والتعامل والازدهار والكساد وغيرها من تفاصيل مدونة.

ويعد هذا الكتاب إضافة هامة إلى المكتبة الليبية والعربية نظرا إلى قلة البحوث التاريخية عن المدينة الهامة، التي قامت كدولة وبرزت بشكل كبير في الجنوب الليبي، واستمرت ما يقارب الثلاثة قرون، وعلى الرغم من أن هذه المدينة برزت واستمرت لفترة طويلة إلا أن الكثير منا لا يعلم سوى القليل عنها بينما تمثل جزءا هاما من تاريخ وحضارة شمال أفريقيا.

Thumbnail

ويوثق الباحث أنه كانت للمدينة ثلاثة أبواب، أحدها من الشرق ويسمى الباب الكبير، وهو المدخل الرئيس إليها، وآخر من الناحية الشمالية ويسمى باب الخير، ثم باب قمقم، ويتكون سور المدينة من أبراج للمراقبة، كما يضم حيين رئيسيين هما الزوية والنزلة يتوسطهما شارع الدندل، يبدأ من الباب الكبير وينتهي بباب الشريعة، وهو البوابة الرئيسة لمجمع القلعة، ويقع في منتصف الشارع الجنوبي سوق مرزق الشهير بطرازه المعماري الرائع، وتصطف على جانبيه عديد المحلات التجارية وبعض المباني الحكومية.

وفي الجزء الغربي من المدينة تقع قلعة مرزق الأثرية على ربوة عالية، وهي عبارة عن مركب معماري به القلعة والجامع وبعض المرافق الأخرى ويظهر على الطابع المعماري للمدينة النمط الإسلامي.

يذكر أن كتاب “مرزق عبر المراجع التاريخية” يأتي ضمن سلسلة “الدراسات الصحراوية” (العدد 15 – 2025)، التي تسلط الضوء على الموروث الصحراوي الغني، وتعكس الجهود المبذولة للحفاظ عليه وتوثيقه علميًا.

12