"توابيت وقبر واحد" حكاية فلسطينيين يقاومون الاحتلال والدمار

الرواية تتيح للقارئ بمتعة خالصة الغوص في عوالم جديدة ورؤى غير تقليدية.
الاثنين 2025/08/11
مقاومة لأجل الأرض والإنسان (عمل للفنان فايز السرساوي)

عمان - يهدي الشاعر الأردني – الفلسطيني عمر أبوالهيجاء روايته  “توابيت وقبر واحد” إلى “المنفيين على أطرافِ الأرض”. وقد جاءت هذه الرواية أو “النوفيلا” مقسمة إلى عشرة فصول، كل فصل يتكون من عدة مقاطع.

ورغم أن الرواية هي الأولى لأبوالهيجاء، إلا أنها كتبت بلغة محكمة وتشويقية، تتيح للقارئ بمتعة خالصة الغوص في عوالم جديدة ورؤى غير تقليدية، ويمكننا اعتبارها رواية من الأدب المقاوم للقبح والغطرسة التي تسود العالم.

على الجانب الخلفي للغلاف الذي صممه الفنان الأردني يوسف الصرايرة اختار الناشر مقطعا من الرواية جاء فيه “يمضي الوقت ثقيلا على القرية ‘غزالة’، صباح اليوم الذي تم الاتفاق عليه لمعرفة الأخبار، يشق الأهالي مداخل الطرقات منتصبين كشجر الزيتون في انتظار فرحان، هذا أوان ‘الشدّ فاشتدي’ يا أرض وأمطري يا سماء أمطري، الآن صباح الصحو والنبض المحمل بالغضب العارم، وانتفاضة دم ساخن في العروق”.

H

إننا لن نتحدث عن الأحداث التي تدور حولها الرواية، لكن أبوالهيجاء استطاع أن ينقل للقارئ مشاعر أبطاله ومخاوفهم وطموحاتهم وهواجسهم بطريقة سلسلة وجذابة. هذا الانتقال رسم لوحة فنية متقنة وبناء سرديا محكما، فالمشاهد غير مفتعلة، ولا زيادات تربك النص، أيضا؛ حينما تقرأ تتخيل المواقف والصور أمام عينيك وكأنك تشاهد عملا سينمائيا متحركا.

والرواية، الصادرة عن دار “اسكرايب للنشر والتوزيع” بالقاهرة، لا تؤرخ الأحداث ولا تتناول التاريخ بصورة مباشرة، ولغتها تتضمن شحنات عاطفية، وصدقا، وإحساسا ملحوظا بالمكان بكل تفاصيله. إذ يبدو أن تلك التفاصيل يعرفها أبوالهيجاء جيدا، ولمَ لا؟ وهو المتمرس والخبير والمتميز في التقاط ما هو فارق.

القارئ سيتعرف على أسماء مدن وشخصيات واقعية وحقيقية وأخرى متخيلة، وتقابله مقاطع شعرية لها عنفها وقسوتها ودلالتها وقصدها، ولا شك أن هذه المقاطع أعطت للنص فسيفساءه الممتع والمثير والصادم أحيانا.

يقول ناشر الرواية الروائي المصري يوسف حسين “إن ‘توابيت وقبر واحد’، سطور تنضح بالألم المتفجر بين جوانحها، من معاناة الشخصيات، وأنين الوطن الذي ينزف صامتا، شاهدا على رحيل أبنائه واستشهادهم في عزة وإباء”.

ويؤكد أن عمر أبوالهيجاء برع في تجسيد مشاهد حية، متنقلا بينها بانسيابية بارعة، مبرزا دور كل شخصية في حسن حبكتها وإتقانها، مراعيا الزمان والمكان اللذين ساهما في منح جو من الإثارة والتشويق، وبث روح من المغامرة تحث القارئ على متابعتها بلهفة وترقب، كما استخدم الكاتب الحوارات كأداة طيِّعة لتحريك الأحداث ومرونتها، وإطلاع القارئ على أكثر الجوانب النفسية عمقا للشخصيات، مما يقوي صلة التفاعل بينه وبينها.

عمر أبوالهيجاء قدم تجربة أدبية مميزة
عمر أبوالهيجاء قدم تجربة أدبية مميزة

وقد تمتع السرد بكلمات نُسجت بقوة وجزالة، حيث تجلّت لغة الكاتب الشعرية وذخيرته البيانية بسخاء في تصوير آلام الشخصيات ومعاناتهم بين الفقدان ومحاولات التشبث بأذيال الآمال المتفلتة، في ظل احتلال غاشم وسطو ظالم، سلب من الأحياء حيواتهم وهم على قيدها، ومن الأموات قبورهم، فلم يسعهم سوى قبر واحد.

وقد حامت الرواية حول لفيف من الشخصيات، منها: شاهد، أبوالجدايل، المختار أبوفالح، فاطمة، وغيرهم.

وتلك الأخيرة فاطمة، كانت كالملاك الحاني الذي يغدق بكرمه وعاطفته على كل من حوله، تحملت من الأهوال ما لا يحتمله عقل؛ من فقدها لإخوتها الثلاثة، واكتشافها غدر زوجها المختار بالتعاون مع الخواجا مناحيم اليهودي واتباعه مخططه وسياسته في السطو والاستيلاء على أملاك الشعب البائس، وكان مآله قتله على يد من تواطأ معهم. وكذلك قُتل ابنه مفتوكا بأنياب ضبع لا يرحم، كما فتك بالكثيرين غيره.

أما الأول.. “شاهد”، فكان مجاهدا يحاول الذود عن وطنه بكل ما يملك من حيل وجهد، للحد من عمليات النهب وتحجيم مخططات مناحيم وأعوانه، فأخذ ينتهج درب أبوالجدايل ورجاله في مقاومة الاحتلال بطرق ذكية جعلت قوات الاحتلال عاجزة عن صده.

وكعادة الأوطان الحرة، يظل النضال فيها ثائرا إلى أن تنال حرياتها، وينقشع الاحتلال والمتواطئون عن أرضها، وترفع راية الانتصار والفلاح وهذا ما لا تخفيه الرواية في خطابها.

يذكر أن عمر أبوالهيجاء شاعر وإعلامي، عضو رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب وعضو اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، وإضافة إلى عمله الإعلامي قدم تجربة أدبية مميزة إذ صدرت له منذ العام 1989 العديد من المجموعات الشعرية، نذكر منها: خيول الدم، أصابع التراب، معاقل الضوء، أقل مما أقول، يدك المعنى ويداي السؤال، بلاغة الضحى، وغيرها. وتمثل نوفيلا “توابيت وقبر واحد” أول عمل له في السرد.

12