الجيش الصومالي يستعيد زمام المبادرة في مواجهة حركة الشباب

الجيش، بدعم من شركاء دوليين، نفذ عملية نوعية جديدة في منطقة كوكايلي التابعة لإقليم هيران بوسط البلاد، أسفرت عن مقتل سبعة من مقاتلي الحركة وتدمير عدد من مخابئهم ومخازن أسلحة كانوا يستخدمونها في شن هجمات.
الجمعة 2025/10/24
خطر حركة الشباب لا يزال قائما

مقديشو – استعادت القوات الصومالية خلال الأسابيع الأخيرة زمام المبادرة الميدانية ضد حركة الشباب المتشددة، بعد تنفيذ سلسلة من العمليات الأمنية المركزة التي أعادت الثقة للمؤسسة العسكرية في مواجهة التنظيم المرتبط بتنظيم القاعدة. وقالت مصادر عسكرية إن الجيش، بدعم من شركاء دوليين، نفذ عملية نوعية جديدة في منطقة كوكايلي التابعة لإقليم هيران بوسط البلاد، أسفرت عن مقتل سبعة من مقاتلي الحركة وتدمير عدد من أوكارهم ومخازن أسلحة كانوا يستخدمونها في شن هجمات داخل الإقليم.
وذكرت وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية الصومالية في بيان رسمي، أن العملية جرت بناء على معلومات دقيقة حول تحركات مجموعات مسلحة في المنطقة، مشيرة إلى أن القوات الخاصة تمكنت من “القضاء على المجموعة الإرهابية بالكامل” واستعادة معدات عسكرية بينها أسلحة خفيفة وأجهزة اتصالات. وأضاف البيان أن العملية تأتي ضمن حملة أوسع تهدف إلى “تطهير المناطق الوسطى من فلول الإرهابيين الذين يحاولون إعادة تنظيم صفوفهم بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدوها خلال الأشهر الماضية”.
وتأتي العملية الأخيرة بعد نجاح مماثل مطلع الشهر الجاري، حيث تمكن الجيش الصومالي من تصفية القيادي البارز في الحركة علي أحمد كوياني خلال اشتباك في منطقة موبا بالإقليم نفسه. وأكدت مصادر أمنية أن مقتل كوياني يعد “ضربة نوعية” للجماعة التي فقدت عدداً من قادتها الميدانيين في الأشهر الأخيرة، ما انعكس على تراجع نشاطها في بعض مناطق الوسط والجنوب.
ويقول مراقبون أمنيون في مقديشو إن العمليات الأخيرة تشير إلى "تحول ميداني واضح" لصالح القوات الحكومية، بعد فترة من التراجع خلال العام الماضي حين تمكنت حركة الشباب من السيطرة على قرى ومدن صغيرة كانت تحت إدارة الحكومة. ويرى هؤلاء أن عودة الجيش إلى المبادرة تمثل بداية مرحلة جديدة من الصراع، خصوصاً مع الدعم المتزايد من بعثة الاتحاد الأفريقي (أتميس) وشركاء غربيين يزودون القوات الصومالية بالمعلومات الاستخباراتية والمعدات الحديثة.
وخلال العامين الماضيين، واجهت الحكومة الصومالية انتكاسات ميدانية متتالية بعد أن كانت قد أعلنت عام 2022 تحقيق “تقدم حاسم” ضد الحركة. لكن تلك المكاسب تقلصت مع عودة المسلحين للتمدد في مناطق نائية، ما دفع القيادة العسكرية إلى إعادة هيكلة خططها وتغيير تكتيكاتها القتالية، بالاعتماد على وحدات صغيرة تتحرك بدعم جوي محدود من الحلفاء الدوليين.
وفي أغسطس الماضي، تمكن الجيش الصومالي مدعوماً بقوات "أتميس" من استعادة السيطرة الكاملة على مدينة بريري ذات الموقع الاستراتيجي في إقليم شبيلي السفلى، بعد معارك استمرت أكثر من أسبوع. وأكدت وزارة الدفاع حينها أن استعادة المدينة تمثل “منعطفاً محورياً في الحرب ضد الإرهاب”، كونها كانت مركزاً لوجستياً رئيسياً لحركة الشباب لسنوات طويلة.
ورغم هذا التقدم، لا تزال التحديات الأمنية قائمة. فبحسب تقارير أممية، تواصل حركة الشباب تنفيذ هجمات نوعية على أهداف مدنية وعسكرية، مستخدمة السيارات المفخخة والانتحاريين. ففي يونيو الماضي، قُتل سبعة جنود أوغنديين من قوات الاتحاد الأفريقي في هجوم على قاعدة لهم في شبيلي السفلى، فيما أعلنت الحركة في مارس مسؤوليتها عن تفجير قرب موكب الرئيس حسن شيخ محمود، إضافة إلى قصف متقطع استهدف مطار مقديشو في أبريل.
ويؤكد مسؤولون حكوميون أن الهدف الحالي يتمثل في إضعاف قدرات الحركة قبل بدء المرحلة الثالثة من خطة تسليم المهام الأمنية من قوات الاتحاد الأفريقي إلى القوات الصومالية بحلول عام 2026. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع إن “الجيش يواصل عملياته حتى استعادة السيطرة الكاملة على جميع المناطق التي ما زالت تشهد نشاطاً إرهابياً”، مضيفاً أن “التنسيق بين الجيش والاستخبارات وشركاء الأمن الدوليين بلغ مستوى غير مسبوق”.
ويرى محللون أن استعادة زمام المبادرة لا تعني نهاية خطر الجماعة، لكنها تمثل مؤشراً على تحسن الأداء العسكري والاستخباراتي، خصوصاً مع نجاح القوات الصومالية في تنفيذ عمليات استباقية محددة الأهداف. ويعتقد هؤلاء أن استمرار الضغط العسكري قد يدفع ما تبقى من عناصر الحركة إلى الانسحاب من المناطق الحضرية واللجوء إلى الجبال والوديان النائية، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من “حرب العصابات” منخفضة الوتيرة.
وبينما تسعى الحكومة الصومالية إلى ترسيخ الأمن استعداداً للانتخابات المحلية المقبلة، يشير محللون إلى أن تحقيق نصر دائم يتطلب معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي نفوذ حركة الشباب، إلى جانب مواصلة الإصلاحات داخل الجيش والمؤسسات الأمنية. ومع ذلك، تبقى التطورات الأخيرة مؤشراً على أن الجيش الصومالي بدأ فعلاً في استعادة زمام المبادرة بعد سنوات من الكرّ والفرّ في مواجهة واحدة من أخطر الحركات المتشددة في القارة الأفريقية.