البصمة الكربونية تمر عبر استخدام الألومنيوم في تصنيع هياكل المركبات
تشكل البصمة الكربونية أحد التحديات البيئية الكبرى التي تواجه صناعة السيارات، التي تترك تأثيرًا كبيرًا على انبعاثات الكربون. ومن بين العوامل المؤثرة، يأتي استخدام الألومنيوم في تصنيع الهياكل، نظراً لدوره الحيوي في تقليل الوزن وتحسين الكفاءة والأداء، لكن أيضًا لآثار إنتاجه على البيئة.
لندن - قد يتساءل الكثيرون ما الذي يجعل الألومنيوم شائع الاستخدام في السيارات أو ما الذي يجعله مادة مثالية لهياكلها دون أن يدركوا أنه استُخدم في هذه الصناعة منذ بداياتها. فمنذ عام 1889 كان يُنتج بكميات كبيرة، ويُصب ويُدلف لتظهر إصدارات بتصاميم مختلفة.
واغتنمت شركات تصنيع السيارات الفرصة للعمل بمادة أسهل في التشكيل من الفولاذ. وفي ذلك الوقت، لم تكن هناك سوى أنواع أنقى من الألومنيوم، تتميز بليونتها وقابليتها العالية للتشكيل ومقاومة ممتازة للتآكل تدوم طويلًا. ودفعت هذه العوامل مصنعي السيارات إلى استخدام الصب الرملي وتشكيل ألواح هيكل السيارة الضخمة، ثم لحامها وتلميعها يدويًا.
وبحلول منتصف القرن العشرين، بدأت بعض أشهر شركات القطاع في استخدام الألومنيوم في السيارات. ومن بينها بوغاتي وفيراري وبي.أمدبليو ومرسيدس – بنز وبورش.
وعموما السيارات آلات معقدة تتكون من حوالي 30 ألف قطعة تقريبا وهيكلها، هي الأكثر تكلفةً والأكثر أهميةً في تصنيعها. وتشمل الألواح الخارجية التي تُعطي شكل السيارة، والألواح الداخلية التي تُعززها. وتُلحم معًا بالأعمدة والدرابزين.
وتشمل هياكل السيارات الأبواب الأمامية والخلفية وعوارض المحرك وأقواس العجلات والمصدات وغطاء المحرك ومقصورات الركاب والألواح الأمامية والسقفية والأرضية.
وتُعدّ المتانة الهيكلية أهم متطلب لهياكل السيارات. ومع ذلك، يجب أن تكون هياكل السيارات خفيفة الوزن وبأسعار معقولة ومقاومة للصدأ، وتتمتع بالصفات الجذابة التي يبحث عنها المستهلكون، مثل خصائص التشطيب السطحي الممتازة.
وبطبيعة الحال، يُعد الألومنيوم مادةً متعددة الاستخدامات بشكل استثنائي. فقابليته للتشكيل ومقاومته للتآكل تجعله سهل الاستخدام والتشكيل. كما يتوفر بأشكال متنوعة، مثل صفائح الألومنيوم ولفائف الألومنيوم وألواح الألومنيوم.
ويتيح تعدد استخدامات الألومنيوم أن يكون مادةً مثاليةً لمجموعة من تطبيقات السيارات التي قد تتطلب خصائص مختلفة، سواءً من حيث الحجم والشكل، أو قوة الخضوع، أو خصائص التشطيب، أو مقاومة التآكل.
ومن أجل اللحاق بركب أصدقاء البيئة تعمل شركة مرسيدس – بنز لصناعة السيارات الفاخرة على استخدام الألومنيوم منخفض الكربون لتقليص البصمة البيئية لسياراتها الكهربائية.
وقبل أيام أفاد مسؤولون تنفيذيون لرويترز أن الألومنيوم المُصنّع بالطاقة المتجددة ومن إعادة التدوير يُساعد مرسيدس-بنز على خفض الكربون في إنتاج خط إنتاجها الجديد من السيارات الكهربائية، في إطار جهود أوسع نطاقًا لتقليل انبعاثات الكربون في عملياتها.
وتستخدم مرسيدس الألومنيوم منخفض الكربون، المُطوّر بالشراكة مع شركة نورسك هيدرو النرويجية لإنتاج المعادن، في تصنيع طرازها الكهربائي الجديد من سيارة سي.أل.أي.
وأطلقت مرسيدس في أغسطس الجيل الثالث من سي.أل.أي نظير سعر يبلغ 55.8 ألف يورو. وتسعى الشركة الألمانية لتصبح هذه السيارة هي الموديل الأساسي الجديد لسياراتها مع التوقف التدريجي عن إنتاج الفئة أي والفئة بي.
وتأتي السيارة الصالون الكوبيه الجديدة بطول 4.72 متر، وتعتبر أول موديل من عائلة أم.أم.أي الجديدة، حيث تتطلع مرسيدس من خلال الهندسة المعيارية إلى اللحاق بركب شركة تسلا والتصدي للشركات الصينية الناشئة.
ولتحقيق هذا الهدف طورت مرسيدس جيل جديد من المحركات والبطاريات، مع برمجة أول نظام تشغيل خاص بها مع عدد قليل من الكمبيوترات المركزية بدلا من عشرات وحدات التحكم، وهو ما يؤدي إلى إتاحة التحديثات والترقيات بصورة أسرع وأكثر شمولا.
ومن الوهلة الأولى قد لا يلاحظ المرء أيا من التغييرات المزعومة على المظهر الخارجي للسيارة أو بداخلها، ولكن سي.أل.أي الجديدة تبدو أكثر أناقة من الخارج، وتخفي البطاريات الكبيرة بداخلها.
وأكد مسؤولون تنفيذيون في الشركتين أن هذا التعاون يُمثّل مثالًا على كيفية دفع مُصنّعي المنتجات الاستهلاكية الفاخرة مبالغ إضافية مقابل المواد الخام مقابل منتجات أكثر صداقة للبيئة.
وقال غونار غوثنكي، نائب رئيس قسم المشتريات وجودة الموردين في مرسيدس – بنز “هناك بالطبع تكاليف إضافية لاستخدام فولاذ أو ألومنيوم منخفض الكربون بشكل خاص”. وأضاف “الاستدامة والمنتجات المرغوبة، مثل تلك التي نُنتجها، تتضافر ببساطة”.
وهناك طلب متزايد على المنتجات منخفضة الكربون، وبينما رفضت الشركتان تقديم تفاصيل عن التكاليف، لكنهما قالتا إن سيارة سي.أل.أي الجديدة صُنعت بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون أقل بنسبة 40 في المئة من سابقتها غير الكهربائية.
وصرح إيفيند كاليفيك، الرئيس التنفيذي لنورسك هيدرو، بأنه على الرغم من أن إزالة الكربون من سلاسل القيمة قد تكون مكلفة، إلا أن الشراكات أتاحت وسيلة لتقاسم العبء، بحيث لا يتحمله المصنعون أو المستخدمين وحدهم.
وأوضح أن ارتفاع سعر المعدن لا يثني المشترين، حتى في سوق الألمنيوم الأكثر صعوبة الذي شهدناه في السنوات الأخيرة، والذي اتسم بانخفاض النمو الاقتصادي. وقال كاليفيك “نشهد طلبًا متزايدًا على المنتجات منخفضة الكربون”.
والمعدن المُصنّع لشركة مرسيدس في مصنع أردال التابع لشركة نورسك هيدرو على ساحل النرويج يُسبب 3 كيلوغرام فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل كجم من الألمنيوم، مقارنةً بمتوسط عالمي يبلغ 16.7 كيلوغرام.
ويتضمن هذا المزيج ربع خردة الألومنيوم، مما يقلل بشكل أكبر من حجم المعدن الخام الناتج عن المصهر كثيف الاستهلاك للطاقة.
وواجهت مرسيدس سابقًا انتقادات بسبب حملة إعلانية تُسلّط الضوء على الاستدامة، في وقت كانت تواجه فيه دعوى قضائية من جماعة معنية بالمناخ في ألمانيا بشأن تأثيرها البيئي. وأسقطت محكمة ألمانية الدعوى عام 2022.