إجرائية جبائية مغربية في ميزانية 2026 للتضييق أكثر على اقتصاد الظل

إدماج جزء مهم من سلاسل التوريد والإنتاج الواقعة في "منطقة الظل" ضمن شبكة الضريبة على القيمة المضافة.
الاثنين 2025/10/27
أعمال بعيدة عن الرقابة

تضمنت ميزانية المغرب لسنة 2026 حزمة من الإجراءات الجبائية تهدف إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية متعددة، أهمها مواصلة مكافحة اقتصاد الظل في محاولةٍ لتضييق الخناق على المعاملات غير المصرح بها وتعزيز الشفافية.

الرباط- تتجه الحكومة المغربية إلى تجسيد حزمة من التدابير الضريبية العام المقبل، وذلك انطلاقا من توسيع القاعدة الجبائية، لتستكمل بذلك خطوات تراكمية بدأت مع ميزانيات سنوية سابقة مستندةً إلى تنفيذ الإصلاح الضريبي.

وسيتم توسيع الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة لتشمل مكافآت الخدمات المقدَّمة، كما سيشمل الحجز في المنبع الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل مثل إيرادات استئجار العقارات.

وتستهدف هذه الخطوات ضمان اقتطاع الضريبة، ما يقلص فرص التملص الضريبي. وستشكل الإجراءات إطارا جبائيا متكاملاً للسنة المالية المقبلة، يسعى إلى إرساء عدالة ضريبية أكبر، مع ضمان مواكبة التحول الرقمي في تحصيلها وضمان إلزامية الأداء وشفافيته.

رشيد ساري: القطاع الموازي تحدّ كبير أمام جهود الحد من البطالة
رشيد ساري: القطاع الموازي تحدّ كبير أمام جهود الحد من البطالة

وشدد مشروع قانون المالية الجديد على “عقوبة عدم إثبات الأداء” بالتنصيص على “إلزامية التسجيل الإضافي بنسبة اثنين في المئة على عقود البيع للعقارات أو الأصول التجارية التي تتم دون إمكانية إثبات وتتبع وسائل الأداء.”

وتقول أوساط اقتصادية محلية إن هذا التدبير رادع ويشجع على استخدام القنوات المالية الرسمية في المعاملات الكبيرة.

كما تقترح الحكومة “التصفية الذاتية للضريبة على القيمة المضافة” عبر “إلزام منشآت الصناعة التحويلية بالتصفية الذاتية للضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للنفايات الصناعية الجديدة والمعادن والمواد المستعملة.”

ويهدف ذلك إلى إدماج جزء مهم من سلاسل التوريد والإنتاج الواقعة في “منطقة الظل” ضمن شبكة الضريبة على القيمة المضافة.

ويشكل الاقتصاد الموازي ظاهرة اقتصادية معقدة نظرا لتداعياته على الموارد الجبائية للدولة، وتأثيره على المنافسة العادلة، بالإضافة إلى هشاشة العاملين فيه بسبب غياب الحماية الاجتماعية.

ولذلك اقترح مشروع الميزانية تدابير صارمة، في محاولةٍ لتضييق الخناق على المعاملات غير المصرح بها وتعزيز الشفافية في دفع الضرائب وتحصيلها.

وتندرج مراجعة أساليب دفع الضريبة على الدخل برسم الأرباح الناشئة عن رؤوس الأموال المنقولة، ضمن جهود تبسيط الإجراءات وضمان تحصيل فعّال لهذا النوع من الدخل.

وكشف تقرير حديث، صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، عن نمو لافت في معاملات السوق السوداء خلال الفترة الممتدة من عام 2014 إلى 2023، حيث بلغت نسبة هذا النمو 28.7 في المئة.

وهذا التطور يعكس، وفق خبراء، حيوية القطاع وقدرته على التأقلم مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، لكنه يفرض في الوقت ذاته ضرورة البحث عن آليات فعالة لدمجه بشكل تدريجي في الاقتصاد الرسمي، بما يضمن الاستفادة المثلى من إمكانياته ويحد من آثاره السلبية.

2.9

مليار دولار رصدتها الحكومة لتمويل برامج الدعم الاجتماعي لتحسين الظروف المعيشية للفئات الهشة

وصرحت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي بأن “قراءة متأنية ومعمقة لهذه المعطيات من الناحية الجبائية، تظهر أن 85.5 في المئة من الأعمال تُصنف ضمن الوحدات الصغيرة ذات الطابع الفردي، التي تنشط في قطاعات منخفضة القيمة ودون مقر ثابت.”

وشددت الوزيرة على أهمية إرساء نظام جبائي يتيح للملزمين المزاولين للأنشطة ذات الدخل المحدود دفع ضريبة موحدة وشاملة.

وفسرت أنه يجب أن تضم من جهة الجباية والرسوم الخاصة بالنشاط المهني والضريبة على الدخل والرسم المهني والرسم على الخدمات الجماعية، ومن جهة أخرى أداء واجبات تكميلية مرصدة للتأمين الصحي الإجباري الأساسي على المرض.

واستحضر الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن مشكلة القطاع الموازي تمثل تحدياً كبيراً أمام جهود الحد من البطالة في المغرب، لاسيما وأن هناك شريحة كبيرة من المغاربة تعمل فيه.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هذا يعني أن أعمالهم غير مشمولة بإحصائيات سوق الشغل الرسمية، وهذا بدوره يؤدي إلى تضخم البطالة الفعلية.”

وأضاف “مع غياب الدعم الاجتماعي اللازم، تظل هذه الفئة مهمشة وغير معترف بها رسمياً كجزء من القوى العاملة، مما يعمّق أزمة البطالة.”

وفي وقت ركزت فيه ميزانية 2026 على مكافحة اقتصاد الظل، شدد على ضرورة استدامة المجهود التضامني عبر “تمديد تطبيق المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والإيرادات.”

ومن المقرر أن يتم تمديد استمرار تمويل المشاريع والبرامج الاجتماعية، ويعكس التزام الدولة بتمويل ورش الحماية الاجتماعية وتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية.

أوساط اقتصادية ترى أن هذا التدبير رادع ويشجع على استخدام القنوات المالية الرسمية في المعاملات الكبيرة

وأكد مشروع قانون المالية استمرار الحكومة في تبني مقاربة تضامنية في السياسة الجبائية، من خلال تمديد العمل بالمساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول.

والهدف من ذلك دعم تمويل البرامج الاجتماعية الكبرى وتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية، خاصة تلك المرتبطة بتعميم الحماية الاجتماعية وإصلاح المنظومة الصحية والتعليمية.

ورصدت الحكومة ضمن ميزانية 2026 مبلغا مالياً إجمالياً قدره 29 مليار درهم (2.9 مليار دولار) لتمويل برامج الدعم الاجتماعي المباشر، مما يعكس الإرادة في تثبيت هذا البرنامج كآلية مستدامة لتقوية القدرة الشرائية وتحسين الظروف المعيشية للفئات الهشة.

وستتدرج المساهمة حسب مبلغ الربح أو الدخل الخاضع للمساهمة، وذلك بنحو 1.5 في المئة بالنسبة إلى الإيرادات التي تبلغ مليون درهم (500 ألف دولار) أو أقل.

وبخصوص المساهمة  التي قدرها 2.5 في المئة بالنسبة إلى المداخيل المتراوحة ستكون بين 500 ألف دولار ومليون دولار، و3.5 في المئة على مليون دولار و4 ملايين دولار، وفرض مساهمة قدرها 5 في المئة على ما فوق هذا المبلغ.

ويأتي اقتراح تمديد المساهمة الاجتماعية للتضامن تنزيلا لتوصيات النموذج التنموي الجديد، الذي نص على التعبئة بشكل أكبر للموارد الجبائية لخدمة التماسك الاجتماعي.

4