هل تستثمر مصر علاقتها بإيران لإقناع حزب الله بإبداء مرونة في نزع سلاحه

رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يزور القاهرة بحثا عن دعم إقليمي.
الخميس 2025/08/28
هل يستجيب حزب الله لمساعي امتصاص التوتر

القاهرة- يحاول رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام البحث عن دعم إقليمي واسع في المواجهة السياسية التي يخوضها لنزع سلاح حزب الله، عقب ممانعة الأخير في تسليم سلاحه إلى الجيش اللبناني، ما قاد الرجل إلى زيارة القاهرة لأول مرة منذ توليه منصبه في يناير الماضي، ولقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأربعاء، وسط تسريبات عن طلب تدخل مصري لدى إيران لدفع الحزب إلى إبداء مرونة في التعامل مع ملف سلاحه.

وكشفت مصدر مصري، على صلة بما يجري في لبنان، لـ”العرب” أن القاهرة تبدو غير منخرطة في التجاذبات الداخلية التي يمر بها هذا البلد، لكن علاقاتها ممتدة مع جميع القوى المؤثرة فيه، وحريصة على الالتزام بحيادها منذ فترة طويلة، ما منحها ميزة سياسية في الانفتاح على أطراف عديدة، وأبعدها عن حسابها على جبهة معينة، ووفر لها هامشا جيدا للحركة من دون مواجهة اتهامات مباشرة من أحد.

نواف سلام يريد إدخال القاهرة على خط الأزمة في لبنان لدحض اتهامات تلاحقه بأنه يعمل على تنفيذ أجندة إقليمية ودولية جديدة

وقال المصدر ذاته قبيل زيارة قام بها إلى بيروت في وقت سابق إنه ذاهب إلى لبنان في مهمة هدفها ”الحفاظ على حصة مصر هناك،” ولم يوضح طبيعة هذه الحصة وحجمها ونوعيتها، لكن توقيت الزيارة كان مهما، حيث عاش لبنان فترة من الفراغ في سدة الرئاسة، ولم يكن الرئيس جوزيف عون قد انتخب، أو نواف سلام تسلّم مهامه.

ويؤكد كلام المصدر لـ”العرب” أن مصر حاضرة في المشهد اللبناني، على عكس ما يتصور الكثيرون، من أنها مكتفية بمتابعة الحرب على قطاع غزة، ومنكفئة على همومها الداخلية، أو أن دورها الإقليمي تآكل ولم تعد مؤثرة في أيّ تطورات.

وتشير زيارة نواف سلام إلى أن “حصة” مصر لم تتلاش مع التغيرات التي شهدها لبنان في سدتي رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، وبعد تراجع القدرات العسكرية والسياسية لحزب الله، وتوغل إسرائيل في الجنوب، وأن التحسن الذي شهدته علاقات مصر مع إيران مؤخرا يمكن أن يكون مفتاحا لتفسير زيارة سلام إلى القاهرة.

ومعروف أن هناك عقدة في لبنان اسمها تسليم سلاح حزب الله، وتعتقد الطبقة الحاكمة في بيروت أن حلحلتها يمكن أن تؤدي إلى استقرار لبنان، وتسفر عن انسحاب قوات إسرائيل من تمركزاتها بخمسة مواقع في جنوبه، حيث ربط المبعوث الأميركي توماس باراك الانسحاب منها بتسليم سلاح حزب االله، لافتا إلى أن الخروج سيكون خطوة بخطوة.

وشدد الرئيس السيسي في لقائه مع نواف سلام على دعم بلاده الكامل لجهود الدولة اللبنانية في استعادة الاستقرار، والانطلاق في مسيرة التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، وضرورة مواصلة قيام الدولة اللبنانية بكل ما يلزم من جهد لضمان عدم المساس باستقرارها ووحدتها الوطنية.

وأشار المتحدث باسم الرئاسة في بيان له إلى أن مصر تواصل اتصالاتها المكثفة مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، للتأكيد على ضمان استقرار لبنان، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجنوب، والتذكير بأهمية دعم المجتمع الدولي لمؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الجيش، لتمكينه من أداء المهام الوطنية الموكلة إليه.

pp

واستعرض نواف سلام مع السيسي أولويات حكومته خلال المرحلة المقبلة، وفي مقدمتها تعزيز علاقات التعاون والتكامل مع الدول العربية، وعلى رأسها مصر، وتكثيف الجهود لإيجاد حلول سياسية للأزمات التي تشهدها بعض دول المنطقة.

وتحرص إيران على عدم التفريط في علاقتها بحزب الله، وتحدوها قناعة بأن إسرائيل يمكن أن تكرّر عدوانها على أراضيها، وأن حرب الـ12 يوما في يونيو الماضي لم تسفر عن تدمير القدرات العسكرية الحيوية وغلق صفحة البرنامج النووي، وهو ما أزعج واشنطن وتل أبيب، وجعلهما لا يستبعدان العودة إلى الحرب.

وتعتقد دوائر مصرية أن هناك جولة عسكرية تلوح في الأفق يمكن أن تنشب بين إسرائيل وإيران، وأن حزب الله سيكون هدفا فيها بعد فقدان جزء كبير من آلته العسكرية في مواجهته السابقة مع إسرائيل، وهو ما يحاول رئيس الحكومة اللبنانية تفاديه من خلال اللجوء إلى القاهرة لتوصيل رسالة إلى طهران بأن الضربة العسكرية المقبلة، إذا حصلت، ستكون قاسية، ومن الضروري عدم جرّ لبنان إلى مواجهة لا يرغبها.

مصر حاضرة في المشهد اللبناني، على عكس ما يتصور الكثيرون، من أنها مكتفية بمتابعة الحرب على قطاع غزة، ومنكفئة على همومها الداخلية، أو أن دورها الإقليمي تآكل

وكشفت الدوائر المصرية التي تحدثت مع “العرب” أن القاهرة لا تريد حربا جديدة على إيران أو لبنان، وتريد توفير أجواء لاسترداد قدر من الأمن والاستقرار، ونزع الذرائع الكامنة عند رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والتي تدفعه إلى مواصلة “تهوره” العسكري في غزة ولبنان وسوريا، وصولا إلى إيران والعراق واليمن، لأن هذه المسألة يمكن أن تفضي إلى المزيد من الانفجار الإقليمي، ولن تمكن نتنياهو من إعادة ترتيب منطقة الشرق الوسط بالطريقة التي يسعى إليها.

ويريد نواف سلام إدخال القاهرة على خط الأزمة في لبنان لدحض اتهامات تلاحقه بأنه يعمل على تنفيذ أجندة إقليمية ودولية جديدة، وأنه منحاز تماما إلى السعودية، ويعمل على تمهيد الأرض لاستعادة دورها المركزي في المعادلة اللبنانية، بعد قطيعتها مع بيروت منذ أزمتها مع حكومة سعد الحريري.

وينطوي لجوء بيروت إلى القاهرة في هذه الأجواء على أن الحكومة غير منحازة لأجندة خارجية معينة، وأن أولويتها استعادة لبنان لعافيته السياسية والاقتصادية، كما أن أيّ وجود مادي أو رمزي لمصر، المعروفة بدعمها لوحدة الأراضي العربية، يخفف الضغوط الواقعة على حكومة نواف سلام واتهامه بأنه “استسلم” لرؤية الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة، التي تعارضها مصر وتعمل على تصويب مسارها، بالشكل الذي يؤدي إلى الاستقرار وليس إلى شيوع صراعات يجني ثمارها نتنياهو.

وتجد مصر في أيّ مشاركة في الأزمة اللبنانية دعما لدورها الإقليمي الذي تم تقويضه، وعدم حصر دورها في أزمة غزة، فما يجري في لبنان وسوريا وإيران ومع جماعة الحوثي في اليمن هو نتاج ما يحدث في غزة، وكلها حلقات متشابكة، تحتاج المشاركة في تفكيكها من جانب القاهرة إلى تفاعل مع كل محدداتها، وهو ما يريد نواف سلام استثماره، ليحدث به توازنا إقليميا، ربما يفيده في منع انهيار حكومته.

1