وفد تركي يزور العراق لحسم ملف المياه مقابل رفع سقف تصدير النفط

الزيارة تهدف إلى المقايضة الاستراتيجية بين الأمن المائي العراقي والمصالح النفطية التركية، عبر صيغة قانونية تحفظ حقوق كلا الجانبين.
الأحد 2025/10/19
الأمن المائي في خطر

بغداد - تتجه الأنظار مجددا نحو ملف العلاقات العراقية التركية الشائك، الذي تتداخل فيه قضايا السيادة الوطنية مع الأمن المائي والاقتصادي.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مطلع لوكالة "شفق نيوز" الكردية العراقية اليوم الأحد، بأن وفدا تركيا رسميا سيزور العاصمة العراقية بغداد في وقت قريب للتباحث بشأن ملف المياه الحساس وتصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي.

وتشير هذه الزيارة رفيعة المستوى إلى مرحلة جديدة من المفاوضات يسعى فيها الطرفان لوضع إطار قانوني شامل ينظم المصالح المشتركة، وسط تصاعد غير مسبوق لأزمة الجفاف في العراق.

ويضم الوفد التركي مسؤولين كبارا، وسيناقش خلال الزيارة ملفات حيوية، أهمها الاتفاق على "صيغة قانونية تحفظ لكلا الجانبين حقوقها في الملفات المشتركة مثل حصة العراق المائية من تركيا"، بحسب المصدر.

وأضاف أن الوفد سيبحث أيضا مع المسؤولين العراقيين الاتفاق النفطي ورفع سقف التصدير وقضايا أخرى سيناقشها الوفد مع بغداد.

ويأتي هذا التحرك التركي بعد زيارة سابقة لوفد عراقي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجيّة فؤاد حسين إلى أنقرة في العاشر من شهر أكتوبر الجاري، حيث بحث الجانبان ملف المياه وتعزيز التعاون الثنائي في هذا المجال الحيوي.

ويؤكد تتابع الزيارات على وجود إلحاح متبادل لحسم هذه الملفات المعلقة، التي تشكل عصب الاقتصاد والأمن القومي لكلا البلدين.

وتعد قضية المياه ملفا وجوديا للعراق، فقد أكدت وزارة الموارد المائية العراقية، في شهر يوليو الماضي، أن قلة الإطلاقات المائية من دول المنبع وتأثير التغير المناخي، أديا إلى انخفاض الخزين المائي بشكل كبير، مشيرة إلى أن العام 2025 هو من أكثر السنوات جفافا منذ العام 1933.

وتشتد أزمة الجفاف في العراق على نحو غير مسبوق، بسبب قلّة هطول الأمطار خلال السنوات الماضية، والسبب الثاني يعود بشكل مباشر إلى تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهري دجلة والفرات، جراء سياسات مائية لإيران وتركيا أبرزها بناء السدود على المنابع وتحويل مساراتها، ما يهدد بوقوع كارثة إنسانية في البلاد.

وفي هذا السياق، يُعد العراق من بين أكثر خمس دول تضررا من التغير المناخي بحسب تقارير للأمم المتحدة ومنظمات دولية معنية بالموضوع.

ويجد العراق نفسه أمام خيارات محدودة للخروج من أزمته المائية الخانقة، ولا يمتلك للحفاظ على أمنه المائي الكثير من الحلول الإستراتيجية سوى التوجّه إلى تركيا ومواصلة المفاوضات الشاقة لضمان حصة عادلة، إلى جانب الرهان على موسم مطير يقطع وتيرة مواسم الجفاف المتتالية.

ويشير هذا الواقع إلى هشاشة الموقف العراقي، حيث يفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لتحلية المياه على نطاق واسع أو لإدارة موارد المياه الجوفية بشكل مستدام.

ويصبح التفاوض مع أنقرة حول حصة دجلة والفرات أمرا مصيريا، إذ تتوقف عليه ليس فقط الزراعة، التي فقدت نحو 30 في المئة من أراضيها المنتجة بسبب التغيرات المناخية خلال السنوات الثلاثين الأخيرة وفقا لمركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، بل وأيضا حياة السكان.

وتبرز هذه التحديات أن أي تقاعس في المفاوضات يهدد بتعميق الكارثة الإنسانية والبيئية المتفاقمة.

وتشير التحليلات الدولية إلى أن التحدي البيئي في العراق أصبح تحديا تنمويا واستثماريا ضخما، فقد قالت منظمة البنك الدولي، في نهاية العام 2022، إن العراق يواجه "تحديا مناخيا طارئا"، ينبغي عليه لمواجهته التوجه نحو نموذج تنمية "أكثر اخضرارا ومراعاة للبيئة"، لا سيما عبر تنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على الكربون.

ووفقا لتقرير صادر عن المنظمة، فإنه وبحلول العام 2040، "سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحا فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخصر وشامل"، أي ما يساوي نسبة 6 في المئة من ناتجه الإجمالي المحلي سنويا.

ويدرك المفاوض العراقي أن ملف النفط يمثل ورقة ضغط ثمينة لانتزاع تنازلات في ملف المياه، فالعراق يعتمد بشكل كبير على خط جيهان التركي لتصدير جزء من نفطه الخام، وتعطيل هذا الخط أو التفاوض على شروط تصديره يعطي بغداد ميزة تفاوضية في مواجهة أنقرة.

وتسعى بغداد إلى ربط استئناف ورفع سقف التصدير عبر جيهان بضمانات رسمية وقانونية لزيادة حصتها المائية، وتحويل المفاوضات من مجرد مطالبة بالتعاون إلى تبادل للمصالح الحيوية.

ويعتبر الاتفاق على صيغة "قانونية" تحمي حقوق الجانبين في ملف المياه، كما أشار المصدر، هدفا استراتيجيا للسلطات العراقية لإنهاء حالة التبعية المائية للسياسات التركية أحادية الجانب.

وتلخص الزيارة المرتقبة للوفد التركي جوهر العلاقات الثنائية وهي تبادل المصالح الحيوية والمخاطر المشتركة.

ويظهر هذا التطور أن حل المشاكل الاقتصادية والأمنية بين الجارين لا يمكن أن يتم بمعزل عن حل الأزمة البيئية والمائية التي تهدد المنطقة بأسرها.

وتبقى الأنظار مسلطة على نتائج المفاوضات في بغداد، التي ستحدد ما إذا كانت الصيغة القانونية ستكون فعلا نقطة تحول نحو إدارة مستدامة للموارد المائية، أم ستظل هذه المفاوضات مجرد جولة أخرى في مسلسل البحث عن نقطة توازن بين ضغط الجفاف وأهمية "الذهب الأسود".