هل يكون لروسيا دور مستقبلي في جنوب سوريا
دمشق - تباينت وجهات النظر في سوريا حيال نشر قوات روسية في محافظة القنيطرة جنوب البلاد بعد زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع الأربعاء إلى موسكو. وخلال الحرب الأهلية في سوريا، نشرت روسيا قوات لها في المنطقة الحدودية بين سوريا وإسرائيل، مع تنسيق أمني بين تل أبيب وموسكو.
ولكن بانهيار حكم الرئيس بشار الأسد في ديسمبر الماضي انسحبت القوات الروسية إلى القاعدتين العسكريتين في الساحل السوري. ومن غير المنتظر إعادة النظر في انتشار قوات روسية في المنطقة الجنوبية، إلا في حال التوصل إلى ترتيبات بين إسرائيل والسلطة السورية حول مستقبل المنطقة.
وقال المحلل السياسي السوري وابن محافظة القنيطرة جانبلات شكاي “ليس من المستبعد أن يكون هناك دور لروسيا من خلال نشر نقاط مراقبة لقوات تابعة لها من أجل مراقبة منطقة فصل القوات، وذلك بموجب الاتفاقية الموقعة عام 1974، ولكن لا أعتقد أن هذه القوات الروسية سيكون دورها كما يتم تقديمه حاليا”.
وأضاف شكاي “نشر مثل هذه القوات يحتاج بالطبع إلى موافقة إسرائيلية، وبالتالي فالكل يعلم مدى تحفظ إسرائيل حاليا بعد سيطرتها شبه المطلقة سواء الجوية أو حتى عبر الدوريات التي تمشط معظم أرياف محافظة القنيطرة باتجاه الجولان”، لافتا إلى أن “وجود القوات الروسية قد يكون عاملا يدفع نحو الأمان لصالح الطرفين، وليس لصالح طرف مقابل آخر”.
وشدد شكاي على أن “إسرائيل لكي توافق على وجود مثل هذه القوات، عليها أن تحصل على ضمانات بأنه لن يكون هناك أي تهديد قد يأتي من تسرب أسلحة أو تصرفات فردية قد تظهر في مناطق أخرى من سوريا، فإسرائيل لا تعتمد على أحد في تأمين حدودها، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بأمنها القومي”.
وتابع “حتى في الفترة التي كان يسيطر فيها النظام على الجبهة من عام 2018 حتى نهاية عام 2024، كانت القوات الروسية موجودة بشكل رمزي جدا في هضبة الجولان، عبر نقطتين صغيرتين في القطاع الأوسط، ولم تكن تمارس دور رقابة فعال، بل كان وجودها أقرب إلى التمثيل الرمزي، والتنسيق مع مسؤولين في المحافظة كان شكليا أكثر مما هو فعلي للتأمين أو حفظ الأمن، سواء من الجانب الإسرائيلي أو السوري”.
ومنذ التدخل الروسي المباشر في سوريا في العام 2015 حرصت موسكو وتل أبيب على وضع آلية لمنع حصول أي تصادم بينهما في سوريا. وقد أثبتت تلك الآلية نجاعتها. ويرى مراقبون أن على الرغم من تذبذب العلاقة على المستوى السياسي بين روسيا وإسرائيل لاسيما بعد الحرب الأوكرانية، لكن التعاون العسكري والأمني متين.
وكانت مصادر غربية كشفت في وقت سابق أن إسرائيل حاولت إقناع الولايات المتحدة بأهمية بقاء القاعدتين الروسيتين في الساحل السوري، في سياق رغبتها في عدم إخلاء كامل الساحة لتركيا. ويشير المراقبون إلى أن الموقف الإسرائيلي بشأن القاعدتين، لا ينسحب على نشر قوات روسية في المنطقة الجنوبية، حيث إن ذلك يتعارض ورغبة إسرائيل في تسيد المنطقة الحدودية.
وقال محمد طحان، أحد أبناء القنيطرة والمسؤول السابق في الحكومة السورية السابقة، إن “إسرائيل تتصرف كحاكم فعلي في عموم الشريط الموازي للجولان، وعندما كانت روسيا لها اليد الطولى في السيطرة على سوريا أنشأت قاعدتين في عام 2019 في بلدتي الكوم ومسحرة، تبعدان حوالي 15 كيلومترا عن خط فض الاشتباك مع الجولان السوري، وهما عبارة عن نقطتين شكليتين وجولاتهما خجولة في المنطقة، ولكن كانت موسكو تركز على محافظة درعا التي أنجزت مصالحات بين الحكومة السورية الماضية وفصائل المعارضة”.
وأضاف طحان “تسيطر إسرائيل على كل الشريط مع الجولان، وأصبحت، مع غياب وجود الحكومة السورية وقواتها العسكرية والأمنية، تتدخل في أدق تفاصيل العمل الزراعي أو الرعوي وحتى أعراسنا ومناسباتنا وتقطع أوصال المحافظة كما تريد دون وجود أي رادع”.
وأشار إلى أن “إسرائيل جرفت المنازل والشجر وقتلت أكثر من 60 شخصا منذ سقوط نظام بشار الأسد واعتقلت وجرحت العشرات”. ولم يستبعد مصدر مقرب من الحكومة السورية الحالية أو ينفي وجود قوات روسيا في جنوب البلاد ، قائلا “كل شيء ممكن وغير ممكن”. وأضاف المصدر في محافظة ريف دمشق لوكالة الأنباء الألمانية “لن تقبل إسرائيل بوجود قوات روسيا في جنوب سوريا، لولا وجود قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أندوف) بقرار دولي لقامت بطردها”.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، “تجتاح إسرائيل يوميا الأراضي السورية برا وجوا وتشن مئات الغارات على الأرضي السورية، وروسيا تريد الحفاظ على قواعدها العسكرية في الساحل السوري وليس قواعد جديدة”. وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عقب على موضوع مناقشة القواعد العسكرية خلال اجتماع الرئيسين فلاديمير بوتين والشرع في موسكو الأربعاء، قائلا “تمت مناقشة كل شيء”.
وقال الرئيس الشرع إن دمشق تحترم “كل ما مضى من اتفاقيات”. ولا تزال قوة مراقبة فض الاشتباك (أندوف) التي أنشئت عام 1974 لمراقبة وقف إطلاق النار بعد حرب أكتوبر 1973، قائمة اسما وشكلا فقط، لكنها فقدت معظم فعاليتها خلال الحرب السورية.