هدوء حذر في حلب بعد تصعيد دموي بين الأمن السوري والأكراد

القوات الحكومية وقسد تتبادلان الاتهامات ببدء اشتباكات حلب، حيث نفت قسد الهجوم واتهمت دمشق بالاستفزاز، بينما حملتها سانا مسؤولية سقوط قتيل.
الثلاثاء 2025/10/07
خارطة طريق الاندماج تحت تهديد الاشتباكات

دمشق – يسود الهدوء صباح الثلاثاء مدينة حلب في شمال سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بعد إعلان السلطات التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار عقب تصعيد بين قواتها وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، قتل خلاله شخصان.

وقال المرصد "هدوء يسود حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب بعد إعلان وقف إطلاق نار"، مؤكدا بذلك انتهاء جولة التوتر الأخيرة.

وأتى ذلك بعد ساعات من إعلان وكالة الأنباء الرسمية السورية أنه تمّ "التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حيي الشيخ مقصود والأشرفية".

وأعلن التلفزيون الرسمي فجرا أن الاشتباكات توقّفت بعد إعلان وقف النار.

وكانت القناة الرسمية أفادت بأن التصعيد ليلا في هذين الحيين أسفر عن مقتل عنصر من قوى الأمن ومدني، وأشارت الى سقوط "شهيد و3 إصابات من قوى الأمن الداخلي خلال استهداف قسد (قوات سوريا الديمقراطية) لحواجز الأمن في محيط حي الشيخ مقصود"، ومدني في قصف نسبه إلى القوات الكردية.

على الجانب الآخر، تحدثت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) عن "نزوح عشرات" العائلات من الحيين "جراء استهداف قسد للمنطقة بالرشاشات الثقيلة وقذائف الهاون"، مؤكدة سقوط "عدد من الجرحى المدنيين" جراء قصف قالت إن قوات سوريا الديمقراطية نفّذته "بقذائف الهاون والرشاشات الثقيلة" في مناطق محيطة بالشيخ مقصود والأشرفية.

وتسيطر قوات السلطات الانتقالية السورية على حلب منذ أطاحت فصائل معارضة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر 2024. الا أن قوات كردية محلية مرتبطة بقوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي التابعة لها (الأسايش) تسيطر على حيي الشيخ مقصود والأشرفية، على الرّغم من أنّ "قسد" انسحبت رسميا من هذين الحيّين في أبريل الماضي في إطار اتفاق أبرمته مع دمشق.

ونفت قوات سوريا الديمقراطية في بيان شنّ أيّ هجوم على قوات الأمن الحكومية، مشيرة إلى أنّ "ما يجري في حلب هو نتيجة مباشرة لاستفزازات فصائل الحكومة المؤقتة ومحاولاتها التوغّل بالدبابات".

وقالت إن "الأهالي يدافعون عن أنفسهم، إلى جانب قوى الأمن الداخلي في الحيّين، التي تقوم بواجبها في حماية المدنيين وحفظ الأمن والاستقرار".

وبدورها، أكدت الأسايش في بيان أنّها "تصدّت اليوم لهجوم شنته القوات التابعة للحكومة المؤقتة على عدة محاور في محيط حي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب".

وقال المرصد إن قوات تابعة لوزارة الدفاع السورية نفذت بدورها "قصفا بالرشاشات الثقيلة والمتوسطة على مناطق متفرقة من الحيّين" اللذين تقطنهما غالبية كردية، وأنها استخدمت كذلك "طائرات مسيّرة انتحارية لاستهداف مواقع في عمق الشيخ مقصود، ما تسبّب في أضرار مادية كبيرة".

وتشير هذه التكتيكات العسكرية المتبادلة إلى عمق التوتر رغم اتفاقية الاندماج الأخيرة.

وتعدّ قوات سوريا الديمقراطية الذراع العسكرية للإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على مناطق في شمال سوريا وشمالها الشرقي.

وألقت الاشتباكات بين الجانبين بظلالها على اتفاق تم توقيعه في مارس بين قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والحكومة السورية الجديدة التي يقودها الإسلاميون لدمج تلك القوات في مؤسسات الدولة.

وكان الاتفاق يهدف إلى لملمة شتات بلد مزقته الحرب التي استمرت 14 عاما وتمهيد الطريق أمام القوات التي يقودها الأكراد وتسيطر على ربع مساحة سوريا للاندماج مع دمشق، إلى جانب اندماج هيئات الحكم الكردية الإقليمية.

وذكرت وزارة الدفاع السورية الاثنين أن الجيش أعاد الانتشار على طول عدة جبهات لقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق البلاد.

وأكدت الوزارة أن هذه الخطوة "ليست تمهيدا لعمل عسكري"، بل تهدف إلى "منع الهجمات المتكررة ومحاولات الجماعة التي يقودها الأكراد للسيطرة على أراض".

ونقلت وكالة سانا عن الوزارة قولها "نلتزم باتفاق العاشر من مارس، ولا توجد نوايا لعمليات عسكرية".

واتهم المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي فصائل تابعة لحكومة دمشق بمحاولة دخول حيين يسيطر عليهما الأكراد في حلب بالدبابات.

وكتب على صفحته على فيسبوك "ما يجري في حلب نتيجة مباشرة لاستفزازات فصائل الحكومة المؤقتة ومحاولاتها التوغل بالدبابات".

ونفى الاتهامات الموجهة لعناصر قوات سوريا الديمقراطية باستهداف نقاط تفتيش، قائلا إن الجماعة لا تملك قوات في حيي الأشرفية والشيخ مقصود.

وقال "تتناقل بعض الوسائل الإعلامية مزاعم باطلة تفيد بأن قوات سوريا الديمقراطية استهدفت حواجز تابعة لمسلحي حكومة دمشق في محيط حيي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب.. نؤكد بشكل قاطع أن هذه الادعاءات غير صحيحة إطلاقا، فقواتنا لا وجود لها في المنطقة".

ودعا فرهاد إلى رفع ما وصفه بأنه "حصار"، محذرا من أن ما تقوم به الحكومة يمثل تصعيدا خطيرا يفاقم معاناة السكان المحليين.

وكثفت قوات سوريا الديمقراطية المداهمات في عدة بلدات تسيطر عليها وتقطنها أغلبية عربية، قائلة إن العمليات تستهدف خلايا نائمة لتنظيم الدولة الإسلامية.

وأثارت هذه المداهمات، إلى جانب حملة متسارعة للتجنيد العسكري للشبان، احتجاج بعض القبائل العربية التي تتهم قوات سوريا الديمقراطية بالتمييز، وهو ما تنفيه الجماعة.

وشكلت هذه الاشتباكات المتقطعة خلال الأيام الماضية ضغطا متزايدا على عملية الاندماج البطيئة التي تعرقلت بسبب خلافات كبيرة بين الطرفين.

وتأتي هذه التطورات في ظل جهود دولية متصاعدة لدفع عملية الاندماج قدما، فقد أعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك الاثنين عن لقاء جمعه مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي تخلّلته "محادثات هامة".

وقال عبدي إنهما ناقشا "عددا من القضايا التي تهدف إلى دعم التكامل السياسي في سوريا، والحفاظ على وحدة أراضي البلاد، وخلق بيئة آمنة لجميع مكونات الشعب السوري، بالإضافة إلى ضمان استمرار الجهود لمكافحة تنظيم الدولة الاسلامية في المنطقة".

وركزت المحادثات، التي شارك فيها أيضا قائد القيادة المركزية الأميركية الأميرال براد كوبر، على تسريع تنفيذ اتفاق مارس مع دمشق.

ويشير هذا إلى أن واشنطن تضغط بقوة على الأكراد لتسريع المفاوضات من أجل الاندماج بشروط مقبولة من الطرفين، كما تضغط تركيا أيضا على قوات سوريا الديمقراطية، من خلال اتهامها بالمماطلة والتحذير من عمل عسكري محتمل إذا لم يتم الاندماج في أجهزة الدولة السورية.

وتسعى هذه الضغوط المتعددة الأطراف إلى إيجاد حل سياسي ينهي حالة الانقسام ويضمن الاستقرار الإقليمي.