نوري المالكي يعيد رفع فزاعة تأجيل الانتخابات العراقية لأهداف دعائية

سيناريو مخالف لجدية التحضيرات الجارية للاستحقاق والأشواط التي قطعتها.
الثلاثاء 2025/08/26
تفاعل بطيء مع تغير الزمن وتبدل المعطيات

أصبح إظهار الاهتمام البالغ بالانتخابات العراقية المرتقبة والدعوات لحماية المناسبة من التلاعب ومنع تأجيلها جزءا من دعاية انتخابية مقنّعة يمارسها رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي الذي يعلق آمالا كبيرة على الاستحقاق لاستعادة مكانته في السلطة، وهي دعاية تقتضي البقاء باستمرار في مقدمة المشهد ولو باستخدام سيناريوهات مستبعدة وغير مطروحة، لكنها جالبة للأضواء بما تثيره من جدل.

بغداد – يكاد رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي وائتلافه دولة القانون ينفردان بإثارة موضوع تأجيل الانتخابات البرلمانية المقررة لشهر نوفمبر القادم، ما يثير الأسئلة بشأن دواعي وخلفيات الدفع بهذا السيناريو الذي يبدو مستبعدا على الأقل من خلال جدية الاستعدادات الرسمية للمناسبة والأشواط المتقدّمة التي قطعتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في التحضير لها.

وقال ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، الاثنين، إنّ أطرافا داخلية وخارجية تعمل على تأجيل انتخابات مجلس النواب، وذلك غداة تحذير المالكي نفسه من سيناريو التأجيل الذي قال إنّه سيسقط شرعية النظام ومؤسسات الدولة.

ولا تلوح إلى حدّ الآن أي مؤشرات واقعية على أي توجه نحو ذلك السيناريو، لا في التصريحات الرسمية ولا في ترتيبات المفوضية السائرة بشكل حثيث ولا في أنشطة وتحركات الشخصيات والقوى التي تواصل استعدادها لخوض المناسبة.

حسين المالكي: تأجيل الانتخابات جزء من مؤامرة داخلية وخارجية على العراق
حسين المالكي: تأجيل الانتخابات جزء من مؤامرة داخلية وخارجية على العراق

ويشكك مطلعون على الشأن السياسي العراقي في دوافع رئيس الوزراء الأسبق إلى مثل تلك التحذيرات مرجحين أنّها جزء من حملة انتخابية مقنّعة وسابقة لأوانها تقوم على ضمان حضور كثيف للمالكي في فترة المسير نحو الاستحقاق الانتخابي، وذلك في هيئة الأب للنظام القائم على حكم الأحزاب الدينية ومنها حزب الدعوة الإسلامية، وأيضا في مظهر الحامي لذلك النظام وللدستور، خصوصا وأن الرجل لم يحدث أن كشف عن برنامج انتخابي عملي ببنود واضحة وأفكار متمايزة عن باقي مكونات العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها، فضلا عن كونه ملاحقا بحصيلة غير إيجابية لفترة قيادته للحكومة العراقية الممتدة بين سنتي 2006 و2014 والتي أورثت البلد معضلات اقتصادية واجتماعية وأمنية ما زال يعاني تبعاتها إلى اليوم.

ويقول هؤلاء إن تتالي تلك التحذيرات يكشف أيضا عن اهتمام استثنائي من قبل زعيم دولة القانون بانتخابات نوفمبر القادم باعتبارها قد تمثل الفرصة الأخيرة له للعودة إلى رئاسة الحكومة.

وسيكون رئيس الوزراء الأسبق خلال مسعاه لتحقيق طموحه في مواجهة منافسين أقوياء من داخل عائلته السياسية، في مقدمتهم رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الذي يأمل مواصلة قيادة الحكومة لفترة جديدة على أرضية ما حققه من تقدم ملحوظ في إعادة تحريك عجلة التنمية ومحاربة الفساد وهما أمران يؤاخذ المالكي على فشله في القيام بهما خلال فترة قيادته للسلطة التنفيذية على مدى ثماني سنوات كاملة.

وفي نطاق الحملة الانتخابية المقنّعة ذاتها نظم المالكي الأحد لقاء مع مجموعة من “أسر الشهداء والجرحى” خاطب خلالها الحضور مشدّدا على إجراء الانتخابات المقبلة في موعدها، ومحذرا من أن أي تأجيل لها سيسقط العملية السياسية وشرعية البرلمان والحكومة.

وقال في كلمته إنّ “الانتخابات لها شروط وضوابط وليست نزهة، وإن تأجيلها سيؤدي إلى كارثة في البلد،” معتبرا أنّ “العراق يحكمه نظام ديمقراطي يعتمد على إرادة المواطن وصوته ومساهمته في صناعة النظام وتثبيته وتغييره،” وداعيا العراقيين إلى المشاركة بكثافة في “الاستحقاق الوطني والدستوري كونه الأساس في تشكيل الحكومة وإدامة العملية السياسية.”

وأثنى بالمناسبة على “دور مفوضية الانتخابات في تدقيقها لأسماء المرشحين المشاركين في الانتخابات،” مضيفا قوله “نعيش في بلد ننعم فيه بالحرية والعيش الكريم بعد أن ضاعت معالمه في ظل حكم البعث البائد.”

ويشير المالكي بعملية تدقيق الأسماء إلى حملة التصفية واستبعاد المئات من الترشح للانتخابات، وهي الحملة التي أعلنت عنها المفوضية وعزتها إلى عدة أسباب من بينها انتماء بعض هؤلاء إلى حزب البعث المحظور في العراق.

ومثل تدقيق أسماء المرشحين بحدّ ذاته مؤشرا على جدية التحضير للانتخابات وعدم وجود أي توجه لتأجيلها حيث أعلنت المفوضية عن  استبعاد أكثر من ستمئة شخص من الترشح من بينهم قرابة الثلاثمئة استبعدوا لوقوعهم تحت طائلة إجراءات المساءلة والعدالة ذات الصلة بعملية استبعاد من لهم ارتباطات ما بحزب البعث.

تتالي التحذيرات يكشف عن اهتمام استثنائي من قبل زعيم دولة القانون بانتخابات نوفمبر القادم باعتبارها قد تمثل الفرصة الأخيرة له للعودة إلى رئاسة الحكومة

ويمثّل “اجتثاث البعث” أحد المحاور الأساسية في مختلف حملات المالكي الانتخابية، إذ يحرص دائما على تقديم نفسه حارسا ضدّ عودة النظام السابق، رغم أنّ هذا الموضوع لم يعد يغري غالبية العراقيين الذين يتذمرون من واقعهم السيء الذي يقولون إنّه لا يختلف عن واقع ما قبل سقوط نظام البعث إن لم يكن أكثر منه سوءا.

وإلى جانب المالكي تتبارى قوى وشخصيات سياسية شيعية عراقية على استخدام قضايا وملفات مستهلكة كمحاور لدعايتها الانتخابية في محاولة لاستغلال ما تنطوي عليه تلك الملفات من شحنات عاطفية وخلفيات رمزية لاستمالة جمهور الناخبين في ظل افتقار تلك القوى وقياداتها للأفكار والبرامج والحلول لحلّ معضلات مزمنة في البلد من قبيل الفقر والبطالة وسوء الخدمات العامّة وأخرى مستجدّة وبالغة الخطورة من قبيل ندرة المياه.

ولخصت الردود الشعبية التلقائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي على كلمة المالكي هذا المنحى حيث تساءل معلق يحمل اسم سعيد حسين الهماش عبر فيسبوك “أين النعيم، من الكهرباء إلى البطالة، إلى الاغتيالات، إلى المخدرات،” فيما قال آخر يحمل اسم وسام عبدالحمزة علي مخاطبا رئيس الوزراء الأسبق بكنيته “أبواسراء ما قصتك الأزلية مع البعثية، فكل خطاباتك تحذر من البعث،” وعلق ثالث سمى نفسه كاظم الخيكاني على كلام المالكي عن الشهداء بالقول “يستشهد الرجال ليعيش الجبناء.”

وعلى نفس منوال زعيم دولة القانون سار أعضاء الائتلاف في تحذيراتهم من تأجيل الانتخابات حيث قال النائب بالبرلمان العراقي حسين المالكي إن “هناك خطورة كبيرة لتأجيل إجراء انتخابات مجلس النواب على مجمل العملية السياسية فالبرلمان والحكومة سوف ينتهي عمرهما القانوني والدستوري وتصبح العملية بلا أي غطاء شرعي.”

وأضاف النائب متحدثا لوكالة شفق نيوز الإخبارية أنّ “تأجيل الانتخابات البرلمانية سيدفع نحو الفوضى. وهذه الفوضى سيكون هدفها التقسيم،” لأنّ العراق وفقا لتحليله يقع “ضمن مشروع إسرائيلي لتقسيم دول المنطقة لتضعف أمام إسرائيل، وهو أمر مقلق ومرعب،” مؤكدا قوله “نخشى فقدان العملية السياسية لشرعيتها بتأجيل الانتخابات.” كما اتهم النائب “أطرافا داخلية” بالعمل على “إيجاد حكومة طوارئ ومحاولة تأجيل الانتخابات،” بالتنسيق والتعاون مع “لوبيات خارجية”.

3