نقص المياه يضع سكان الضفة الغربية في قلب محنة مزدوجة

الأمم المتحدة ترصد زيادة في أعمال التخريب من مستوطنين على البنية التحتية وسط تحذيرات من تفاقم الوضع.
الثلاثاء 2025/09/02
إحدى الجبهات من أجل البقاء

يجد سكان الضفة الغربية أنفسهم وسط أزمة متفاقمة بسبب النقص الحاد في المياه، الذي بات يهدد حياتهم ويعمّق أوجه المعاناة في ظل الاحتلال وظروف اقتصادية متردية ويضعهم في مواجهة محنة مزدوجة بين ندرة الموارد وتكاليف الحصول عليها، وسياسات السيطرة وتخريب منابع المياه.

كفر مالك (الضفة الغربية)- يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة نقصا حادا في المياه، وهو أمر يرجعونه إلى تصاعد هجمات المستوطنين اليهود المتطرفين على مصادر المياه النادرة.

وفي أنحاء الضفة يشكو السكان البالغ عددهم 3.7 مليون نسمة، من نقص المياه الذي أدى إلى جفاف الصنابير في المنازل وعدم توفرها بالشكل اللازم لأنشطة الري في الحقول.

وأصبح السكان الذين يواجهون نقصا في المياه في رام الله، إحدى أكبر المدن الفلسطينية في الضفة الغربية والعاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية، يعتمدون الآن على الصنابير العامة.

وتقول أم زياد، بينما كانت تملأ عبوات بلاستيكية بالماء إلى جانب سكان آخرين من رام الله، لتلفزيون رويترز “طبعا الماء أساس الحياة. ولكن صار هناك ضغط بسبب المستوطنين.”

وأشارت إلى أنهم قطعوا إمدادات المياه عن كفر مالك، وهي المنطقة التي يتم فيها التوزيع إلى كل الضفة، ولذلك “صارت لدينا أزمة ونأتي هنا لكي نملأ الماء.”

كريم جبران: سيطر المستوطنون على معظم الينابيع الطبيعية في الضفة
كريم جبران: المستوطنون سيطرواعلى معظم الينابيع الطبيعية في الضفة

ورصدت الأمم المتحدة 62 واقعة تخريب نفذها مستوطنون يهود لآبار مياه وخطوط أنابيب وشبكات ري وغيرها من البنية التحتية للمياه في الضفة الغربية خلال الأشهر الستة الأولى من العام.

واعترف الجيش الإسرائيلي بأنه تلقى تقارير متعددة عن قيام مستوطنين بالتسبب عمدا في أضرار بالبنية التحتية للمياه، دون تحديد أي مشتبه به.

ومن بين مصادر المياه التي استُهدفت نبع مياه عذبة ومحطة توزيع مياه في عين سامية على بعد 16 كيلومترا تقريبا إلى الشمال الشرقي من رام الله، والتي تخدم نحو 20 قرية فلسطينية قريبة وبعض الأحياء.

وسيطر مستوطنون على نبع الماء الذي يستخدمه عدد من الفلسطينيين منذ أجيال لترطيب أجسامهم في أشهر الصيف الحارة.

وأكدت مصلحة مياه القدس أن محطة توزيع المياه في عين سامية أصبحت هدفا متكررا لأعمال التخريب التي ينفذها مستوطنون.

وقال عبدالله بعيرات (60 عاما) وهو من سكان قرية كفر مالك المجاورة بينما كان واقفا على قمة تل يطل على النبع إن “أعمال العنف التي يمارسها المستوطنون تصاعدت بشدة.”

وأضاف أنهم “يدخلون على المحطات (المياه الموجودة على النبع) ويكسرونها، ويخلعون الكاميرات ويقطعون المياه التي تصل إلى 70 ألف فرد لساعات.”

وتزداد المستوطنات الإسرائيلية التي تحيط بنبع عين سامية وقرية كفر مالك. وتعد الأمم المتحدة ومعظم حكومات العالم المستوطنات القائمة في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي وتشكل عقبة أمام قيام دولة فلسطينية مستقبلية.

ويشير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إلى أن المستوطنين نفذوا هجمات استهدفت ينابيع المياه والبنية التحتية الحيوية للمياه في رام الله وسلفيت ونابلس في الفترة من أول يونيو حتى 14 يوليو. وذكر ضمن تقرير في يوليو أن نبع عين سامية تعرض لهجمات متكررة.

حح

وقال الجيش الإسرائيلي لرويترز ردا على التقرير إن “قوات الأمن تعد أي ضرر يلحق بالبنية التحتية انتهاكا خطيرا، وإنها تنفذ عمليات سرية وعلنية لمنع المزيد من الضرر.” وأضاف أن “(سلطة المياه الفلسطينية) مُنحت حق الوصول لإجراء الإصلاحات.”

وقال كريم جبران، مدير الأبحاث الميدانية في بتسيلم، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، لرويترز إن “المستوطنين سيطروا على معظم الينابيع الطبيعية في الضفة خلال السنوات القليلة الماضية ومنعوا الفلسطينيين من الوصول إليها.”

ويواجه الفلسطينيون منذ فترة طويلة حملة ترهيب ومضايقات وعنف جسدي يشنها مستوطنون متطرفون يمثلون أقلية من المستوطنين اليهود الذين يعيشون بالضفة ويقيم معظمهم في المستوطنات لأسباب مالية أو عقائدية ولا يدعون إلى ممارسة العنف بحق الفلسطينيين.

ويقول الفلسطينيون إن وتيرة عنف المستوطنين في الضفة الغربية زادت منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.

بينما تنتشر خزانات المياه في منازل الفلسطينيين بسبب شبكة إمدادات لا يمكن الاعتماد عليها، يعتمد البعض على الشحنات المكلفة ماليا

وعبروا عن مخاوفهم من أن يكون تصاعد عنف المستوطنين جزءا من حملة لطردهم من الأرض. وسجلت الأمم المتحدة 925 واقعة من هذا النوع في أول سبعة أشهر من هذا العام بزيادة 16 في المئة على أساس سنوي.

ويدعو عدد من السياسيين الإسرائيليين منذ هجوم حماس إلى ضم الضفة الغربية. ونقلت رويترز الأحد عن مسؤولين قولهم إن الحكومة تدرس الآن ضم الضفة الغربية بعدما أعلنت فرنسا ودول غربية أخرى أنها ستعترف بدولة فلسطينية هذا الشهر.

ويريد الفلسطينيون إقامة دولتهم المستقبلية على الضفة الغربية وقطاع غزة وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية.

ومنذ مدة طويلة يجد الفلسطينيون في الضفة صعوبات في الحصول على المياه. وتمارس السلطة الفلسطينية حكما مدنيا محدودا في مناطق من الضفة ولا بد أن تحصل على موافقة إسرائيل على تطوير البنية التحتية للمياه أو توسيعها.

ويؤكد مسؤولون فلسطينيون وجماعات حقوقية أن إسرائيل نادرا ما توافق. وقالت منظمة بتسيلم في تقرير أصدرته في أبريل 2023 إن “الفلسطينيين يواجهون أزمة مياه مزمنة، بينما يتمتع المستوطنون بوفرة في المياه.”

وجاء في التقرير “نقص المياه في الضفة الغربية هو نتيجة مقصودة لسياسة تنطوي على تمييز تنتهجها إسرائيل التي تعتبر المياه وسيلة أخرى للسيطرة على الفلسطينيين.”

وفي أنحاء الضفة تنتشر خزانات المياه في منازل الفلسطينيين، حيث يجري تخزين مياه الأمطار أو المياه التي تصل بالشاحنات بسبب شبكة مياه لا يمكن الاعتماد عليها بالفعل، والتي زادتها هجمات المستوطنين سوءا.

حخح

وقالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، وهي الوكالة العسكرية التي تشرف على السياسة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ردا على أسئلة رويترز، إن “السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن تزويد الفلسطينيين في الضفة الغربية بالمياه.”

وأوضحت أن إسرائيل تنقل 90 مليون متر مكعب من المياه إلى السلطة الفلسطينية كل عام، ملقية باللوم في أي نقص في المياه على سرقة الفلسطينيين للمياه.

وإلى جانب قطع مسافات طويلة لجلب المياه، أصبح الفلسطينيون يعتمدون على شحنات المياه المكلفة لإدارة أزمة المياه المزمنة التي يخشون أن تتفاقم.

وقال وفيق سليم الذي كان يحصل على المياه من صنبور عام خارج رام الله “إذا المستوطنون بقوا، يعني أننا سنذهب نحن.. قد يتفجر نزاع أكبر من الاحتلال. أهم شيء هو الماء.”

10