نتنياهو يتراجع عن ضم الضفة الغربية تحت ضغط إماراتي

ما حدث يؤكد أن بعض الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، لا تزال تملك أدوات ضغط فعالة على إسرائيل حين يتطلب الأمر.
السبت 2025/09/06
تعامل بجدية مع التحذيرات الإماراتية

القدس – اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى سحب بند مناقشة ضم الضفة الغربية من جدول أعمال اجتماع حكومي، وذلك عقب ضغوط مباشرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، في وقت يقول فيه مراقبون إن نتنياهو بات يخشى من خسارة شركاء الاتفاقيات الإبراهيمية في ذروة الغضب العربي من سياسة تدمير غزة.

ويرى مراقبون أن إفراغ فكرة حل الدولتين، بتدمير غزة وضم الضفة الغربية وإطلاق أيدي المستوطنين للسيطرة عليها وتهجير سكانها من أراضيهم وتبني فكرة اليمين المتشدد الإسرائيلي، يعني آليا إنهاء فكرة السلام العربي الإسرائيلي وتحويل الاتفاقيات الإبراهيمية من فرصة للاستقرار الأمني والسياسي والاقتصاد في الإقليم إلى مظلة ينفذ من خلالها أجنداته التوسعية، وهو ما لا تقبل به الإمارات وبقية الدول الموقعة على الاتفاقيات بشكل منفرد، فضلا عن قطع الطريق أمام استقطاب دول أخرى لهذه الاتفاقيات وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، كما تخطط لذلك الولايات المتحدة.

ولا تقدر الإمارات على السير في مسار يسيء إليها، والأمر نفسه بالنسبة إلى بقية الدولة الموقعة على الاتفاقيات، وطالما أن إسرائيل ماضية في إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية فيصبح الحديث عن السلام أمرا غير واقعي.

الدول العربية، بما فيها تلك التي اختارت مسار التطبيع، لا ترى أي جدوى من دفع العلاقات مع إسرائيل إلى الأمام في ظل المضي بخطط الضم

وجاء الموقف الإماراتي على خلفية تصريحات لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش تحدث فيها عن نية الحكومة المضي قدما في ضم ما يصل إلى 82 في المئة من أراضي الضفة الغربية، في خطوة تعتبر تصعيدا سياسيا خطيرا ضد الفلسطينيين، وخرقا صريحاً للقرارات الدولية.

وما يثير غضب الإماراتيين هو إطلاق أيدي المستوطنين في الأراضي المحتلة، وخاصة دخولهم باحات المسجد الأقصى، وهو موضوع لا يحتمل مجادلة أو مجاملة لأنه يتعلق بالمس من مشاعر الإماراتيين وقيادتهم ومشاعر الملايين من المسلمين، ولا يمكن السكوت عنه.

وفي يونيو الماضي، استدعت أبوظبي السفير الإسرائيلي لديها “وأبلغته إدانة دولة الإمارات الشديدة للانتهاكات والممارسات المشينة والمسيئة ضد الأشقاء الفلسطينيين التي شهدتها باحات المسجد الأقصى والحي الإسلامي في المدينة القديمة”.

ووجدت الإمارات، التي وقعت اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل في عام 2020، نفسها أمام ما وصفته بـ”الخط الأحمر”، محذرة من أن أي تحركات إسرائيلية أحادية الجانب لضم أراض فلسطينية ستقوّض أسس تلك الاتفاقيات وتدفع نحو إعادة تقييم العلاقات الثنائية.

ولم يكن التصريح الإماراتي الذي نقل على لسان لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، مجرد موقف سياسي عابر، بل كان رسالة واضحة إلى القيادة الإسرائيلية بأن التطبيع لا يعني تفويضا مطلقا أو قبولا بانتهاك الحقوق الفلسطينية.

وتفاعلت القيادة الإسرائيلية مع التحذير الإماراتي بجدية، ما دفع نتنياهو إلى سحب ملف الضم من جدول أعمال الجلسة الحكومية، مبررا ذلك بضرورة التركيز على التحديات الأمنية الراهنة، خصوصا مع التصعيد في قطاع غزة، وتنامي الضغط الدولي على إسرائيل قبيل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

pp

ويقول مراقبون إنه بات واضحا اليوم أن الدول العربية، بما فيها تلك التي اختارت مسار التطبيع، لا ترى أي جدوى من دفع العلاقات مع إسرائيل إلى الأمام في ظل المضي بخطط الضم، التي تعتبر نقيضا مباشرا لأي حديث عن سلام أو استقرار، وهذا ما عبّرت عنه أبوظبي بوضوح.

وتعيد هذه الحادثة إلى الأذهان ما حدث عام 2020 حين تم تجميد نية الضم مؤقتا كجزء من تفاهمات غير معلنة بين إسرائيل والإمارات، حين اشترطت أبوظبي وقف الضم مقابل توقيع اتفاق التطبيع. واليوم، يبدو أن تلك الشروط لم تنس في أبوظبي.

ويرى المراقبون أن ما حدث يؤكد أن إسرائيل، ما زالت تأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل الإقليمية، وأن بعض العواصم العربية، وعلى رأسها أبوظبي، لا تزال تملك أدوات ضغط فعالة حين يتطلب الأمر، مما يبقي الباب مواربا أمام دور عربي سياسي يمكن أن يشكل ثقلا مؤثرا في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

طالما أن إسرائيل ماضية في إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية فيصبح الحديث عن السلام أمرا غير واقعي

وذكر إعلام إسرائيلي أن نتنياهو سحب بند ضم الضفة الغربية من جدول أعمال اجتماع للحكومة، الخميس، بعد تحذيرات مباشرة من الإمارات بأن الخطوة تهدد “اتفاقيات أبراهام”.

وقالت قناة “i24 news” إنه “كان من المقرر أن يبحث اجتماع للحكومة، الخميس، مسألة فرض السيادة على مساحات واسعة من الضفة الغربية، إلا أنه تقرر أن يركّز بدلاً من ذلك على تدهور الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية، وسط توقعات دولية ببحث الاعتراف بدولة فلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة”.

وأضافت القناة نقلا عن مصادر، لم تسمها، أن “التحذير الإماراتي بأن خطوة الضم تعد خطا أحمر، وتهدد اتفاقيات أبراهام، دفع نتنياهو إلى سحب مناقشة هذا الملف خلال الاجتماع الوزاري اليوم”.

كما نقلت القناة عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن “الإمارات ضغطت على نتنياهو للتخلي عن طرح الضم”، محذّرة من أن “أي خطوات أحادية الجانب ستقوّض اتفاقيات التطبيع المبرمة عام 2020”.

وتوصلت إسرائيل أواخر عام 2020 إلى اتفاقيات تطبيع مع البحرين والإمارات والمغرب والسودان، عرفت بـ”اتفاقيات أبراهام”، لكن السعودية قالت في أكثر من مناسبة، إنها لن تطبع قبل قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، وهو ما يعطله نتنياهو حتى اليوم.

والأربعاء، حذّرت مساعدة لانا نسيبة، في تصريحات إعلامية، إسرائيل من ضم الضفة الغربية، معتبرة أن ذلك يعد “خطا أحمر” بالنسبة إلى بلادها “وسيعني رفضا فعليا لاتفاقيات أبراهام”.

وتكثف إسرائيل منذ بدئها حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، ارتكاب جرائم بينها هدم منازل وتهجير مواطنين فلسطينيين ومصادرة أراضيهم وتوسيع وتسريع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، تمهيدا للإسراع في فرض السيادة عليها.

وتؤكد الأمم المتحدة أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، ويقوض إمكانية تنفيذ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)، وتدعو منذ عقود إلى وقفه دون جدوى.

1