ميخائيل تشيخوف يغيّر فهمنا للفن والمسرح في "درب الممثل"
أونتاريو (كندا)- “درب الممثل” للممثل والمخرج والناقد المسرحي الروسي ميخائيل تشيخوف هو كتاب مذكرات، يروي فيه سيرته الإبداعية وتأملاته الفنية ولقاءاته بشخصيات بارزة في عالم الإخراج والمسرح والسينما.
إنها رحلةٌ مليئة بالأحداث الجسام والانعطافات الحاسمة التي عاشها ميخائيل تشيخوف، بدءا بوفاة أمه التراجيدية، مرورا بأزمات نفسية حادة لازمته فترة طويلة من حياته، وصولا إلى الملاحقات عقب الثورة البلشفية، وسفره الاضطراري عام 1928 إلى أوروبا ومن ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ورغمَ خيبة الأمل من حالة المسرح التي رافقته في منفاه (لم يلعب أي دور مسرحي جديد مهم منذ مغادرته الاتحاد السوفييتي آنذاك)، إلا أنه بالمقابل، عاش تجارب فنية عظيمة، واطلع على المدارس والتيارات الأدبية والفنية والفلسفية، وأنشأ مدرسة تمثيل ناجحة في هوليوود، درس فيها كبار الممثلين من أمثال: يول برينر، وأنتوني كوين، وكلينت إيستوود، ومارلين مونرو.
وصدر الكتاب حديثا عن “محترف أوكسجين للنشر” في أونتاريو، وقد نقله من الروسية إلى العربية المترجم السوري ضيف الله مراد.
في كلمة غلاف الكتاب نقف على أهم المعاني والدروس التي يمكن استقاؤها من تجربة تشيخوف الفريدة، نقرأ “ليست الحياة في ‘مكبث‘ شكسبير ‘إلا ظلا يمر، ممثلا مسكينا، يتبختر ويستشيط ساعته على المسرح، ثم لا يسمعه أحد…‘، فكيف ستكون هذه الحياة إن كان مَنْ يرويها هنا ممثل ومخرج ومفكر بحجم ميخائيل تشيخوف (1891-1955)؟ أي دروس نستقيها ممن أقدم على ذلك ولم يتجاوز السادسة والثلاثين؟ أي معانٍ يجترحها وهو يسعى إلى أن يبدع خارج نفسه وداخلها، بينما يصارع فكرة الانتحار ومسدسه في درج الطاولة محشو وجاهز لتنفيذ هذه المهمة المرعبة؟”
ويتابع الناشر: “كل هذا سيواجهه تشيخوف في بحثِه عن الحقيقي والجوهري في الفن والحياة، وبفعله ذلك يضعنا حيال أهم ما عايشه تمثيلا وإخراجا، وصولا إلى حواريته المدهشة مع منهج ستانيسلافسكي في التمثيل، فإذا بالألوان تحيا في هذا الكتاب الاستثنائي، فنُمسي شهودا على بحث تشيخوف عن الجمال في كل شيء، لا بل إننا نشاهده وهو يعلن من على خشبة المسرح انتصار الحياة والفن.”
ومن مقدمة الكتاب التي جاءت بعنوان “مسدس في درج الطاولة” نقرأ للمترجِم ضيف الله مراد: “لا يمكن الإحاطة بجوانب كتاب ‘درب الممثل‘، فالضفاف واسعة، وتيار الماء عميق مليء بالدرر، ولهذا سأكتفي بما أوردْتُه من سيرة ميخائيل ألكسندروفيتش تشيخوف، وأقول باختصار إن النص الذي كتبه تشيخوف يرتقي بأسلوبه إلى مصاف الأدب الروسي العظيم.”
ويضيف: “أما بخصوص أعماله النظرية فقد كانت تقريبا غير منتشرة في الاتحاد السوفييتي. كان يعتبر إلى حد ما خائنا للوطن، فالهروب من الاتحاد السوفييتي إلى الغرب والعمل في أميركا يعتبر جريمة لا تغتفر.”
ويتابع مراد: “في كتاب تشيخوف نعثر على نهج جديد ينطلق من المخيلة والتصور والحَدس، متخذا بذلك مسارا جديدا في فهم العلاقة بين الفنان والموضوع، بين الممثل والدور المسرحي.”
يقول ميخائيل تشيخوف: “حاوِل التحرر من التصورات المعتادة عن الأشياء التي من حولك، والاستماع إلى صوت الخيال، والبحث عن الجمال في كل مكان، فمن صفات الروح المبدعة أن ترى وتستخلص الجمال من الأشياء التي لا تحظى عادة باهتمام الروح غير المبدعة.”
عملٌ لا غنى عنه لكتاب المسرح والمخرجين والممثلين وكل المشتغلين في مجال السينما. لا بل هو كتابٌ مهم لكل قارئ وإنسان يبحث في الجمال والعاطفة
يخلخل كتابُ “درب الممثل”، الذي جاء في 176 صفحة، مفاهيمَنا الجمالية التقليدية حول الفن والحياة. هو سيرة إبداعية مرجعية وتجربة إنسانية عميقة لواحدٍ من أبرز منظري المسرح في القرن العشرين (ما تزال نظريته تُدرس إلى اليوم على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم ويتمرن الممثلون على أسلوبه التدريبي).
كما يدعونا تشيخوف في كتابه هذا إلى استخلاص الجمال من كل شيء، سواء كنا متخصصين في الفنون الدرامية أم لا. إنه عملٌ لا غنى عنه لكتاب المسرح والمخرجين والممثلين وكل المشتغلين في مجال السينما. لا بل هو كتابٌ مهم لكل قارئ وإنسان يبحث في الجمال والعاطفة عن شكلٍ من أشكال الوجود يتناغم وصوت الخيال الذي يتردد بدواخلنا.
وميخائيل ألكسندروفيتش تشيخوف ممثل ومخرج ومفكر روسي (ابن أخ أنطون تشيخوف)، ولد في سانت بطرسبورغ عام 1891، قدم أعمالا استثنائية على خشبة المسرح، ومقاربات منهجية في التمثيل والإخراج، كما في كتابه الشهير “فن الممثل”، وشارك في العديد من الأفلام في هوليوود حين هاجر إلى الولايات المتحدة حيث توفي ودفن في مقبرة العظماء في هوليود عام 1955.
أما ضيف الله مراد فهو مترجم سوري، مواليد 1949. درس في المعهد المسرحي التابع لمسرح موسكو الفني، وكان مخرجا في المسرح المدرسي في حمص لسنوات. يعمل ويقيم حاليا في موسكو. برز في ترجمة النصوص المسرحية والنظرية النقدية في مجال الفنون الدرامية، حيث نقل إلى العربية أعمالا مهمة مثل: مسرحيات “أربع قطرات” و”حالة حرجة” للكاتب فيكتور روزوف، و”الابن الأكبر” لألكسندر فامبيلوف، بالإضافة إلى روائع من الأدب الروسي مثل “ثورة البهائم” لنيكولاي كوستوماروف (صدرت عن محترف أوكسجين للنشر 2023). كما ترجم كتبا نظرية في فن الدراما من أبرزها “نظرية الدراما من هيغل إلى ماركس” لـ أ. أنيكست، ومؤلفات المخرج السوفييتي أناتولي إيفروس التي تشمل “البروفة حبي” و”المهنة: مخرج” و”استمرار الرواية المسرحية.”