موسيقيون سوريون: الموسيقى الشعبية ذاكرة وطن نجتهد لتوثيقها

توثيق الموروث الموسيقي في سوريا حاجة ضرورية لاستمرار الثقافة.
الخميس 2025/10/23
الموسيقى ذاكرة الشعوب

دمشق - يتفرد التراث الغنائي الشعبي في سوريا بتنوعه وثراه وتعدد ألوانه ولهجاته، فأنماط مثل العتابا والميجانا والهوارة والنايل والحداء، وحلقات الدبكة بأنواعها، ارتبطت بمناسبات معينة أو حالات شعورية محددة، كما امتزج فيه الغناء الديني بالدنيوي، ووصل إلينا عبر ذاكرة جماعية حفظت الموروث ووثقت التاريخ الاجتماعي السوري.

هذا التراث شكل وحدة وجدانية تربط السوريين بعضهم البعض، لتكون حارسةً للهوية، وذاكرة جمعية سوريّة تنادي بأهمية توثيقها والحفاظ عليها.

يأتي توثيق الموروث الموسيقي في سوريا حاجةً ضرورية لاستمرار الثقافة، وفق ما أكده الباحث الموسيقي نزيه الأسعد، الذي أوضح أن الموسيقى الشعبية وآلاتها وأدواتها والأغنية الشعبية تُعتبر من اليوميات في حياة الناس سواء في المدن أو في القرى، ترافقهم بأحزانهم وأفراحهم وبكثيرٍ من الحالات الوجدانية الحياتية، ما يتطلب الاهتمام بمضمونها وقالبها الموسيقي وتثبيتها في التاريخ، لتكون مرجعاً تعتمد عليه الأجيال المتعاقبة، وخاصةً أنها نتاج عفوي لا يرتبط بشخص بل بشريحة شعبية كاملة، أسهمت بإبداع هذا القالب الموسيقي الغنائي المهم.

 نزيه الأسعد: الموسيقى مرجع ثقافي واجتماعي للأجيال القادمة

ورأى الأسعد أن الموسيقى الشعبية السورية وأدواتها أسهمت في ربط البيئات المختلفة ببعضها، وذلك لأسباب عدة منها: التقاطعات اللحنية والأفكار المطروحة فيها، وذلك من حيث البناء النغمي واستخدام المقامات العربية، إضافةً للعبارات الكلامية والطقوس كطقوس الزراعة، ويوميات الناس وعاداتهم، ما يعزز التماسك ويسهم في تقريب أواصر العلاقات، وهو أحد شروط بناء الهوية الوطنية السورية.

من التجارب الحاضرة في توثيق التراث نتوقف عند تجربة ممتدة منذ 20 عاما، سعت لجعل الفن وسيلة للتلاقي، جسد من خلالها الباحث والصحفي إدريس مراد رؤاه في مشاريع ومهرجانات سنوية ووثّق التراث اللامادي، ومنها مهرجان قوس قزح للرقصات الشعبية الذي يجمع أكثر من 200 فنان سوري من خلفياتٍ ولغاتٍ متعددة على نبضٍ واحد، ومهرجان عائلة البزق بالموسيقى الآلية القديمة، لافتاً للتحضير إلى حفلٍ قادم بعنوان “ألحان من الشمال”.

وأكّد مراد أن الثقافة السورية المتنوعة قادرة على ترسيخ المحبة بين المكونات السوريّة، فالموسيقى حالة وجدانية تتجاوز اللغات والانتماءات، وهي لغة عالمية توحّد الإنسان مع أخيه الإنسان.

ولا تقتصر مشاريع مراد على الأداء المسرحي، بل تمتد إلى توثيق الأغاني والألحان أكاديمياً لتبقى محفوظةً في ذاكرة الأجيال، وفي أرشيف وزارة الثقافة ودار الأوبرا السوريّة، مؤكداً ضرورة التوسع في مشاريع توثيق هذه التراث، خصوصاً المهمش والمهدّد منها بالضياع.

Thumbnail

ومن المشاريع الحاضرة في التوثيق تحدثت سارة زين، مديرة البرامج في مؤسسة “العمل للأمل”، عن مشروع توثيقي بحثي انطلق عام 2024 للموسيقى الشعبية في سوريا وبلدان الجوار، وحمل اسم على خطى الموسيقى الذي تعمل عليه المؤسسة في سوريا ولبنان والأردن والعراق، مترافقاً مع موقع إلكتروني يُظهر بالتفصيل كل المواد البحثية الموثقة لغاية الآن.

وبيّنت زين أنه تم اختيار 11 مجتمعا مهمشا من هذه الدول لتوثيق المقطوعات الموسيقية وآلاتها والأدوات المصنوعة منها، إضافةً لتدريب الشباب من مجتمعات مختلفة على أداء هذه الموسيقى وصنعها، علما أن هذه الخطة يتم تنفيذها في سوريا بعد التحرير.

وتقول زين: “عملنا على توثيق هذه الكنوز، كما نسعى لعرضها على كل المسارح السوريّة لتصل إلى جمهورٍ أوسع، فهي الموسيقى التي تشبهنا وتعبر عنا في الأفراح والأتراح”.

ما يجمع الألوان الموسيقية السورية أكثر مما يفرقها، وهي تتسم عموما بوحدة المقامات والإيقاعات، ويقول في هذا الصدد المغني والموسيقي فواز باقر: “رغم تنوّع الهويات، ووجود نحو 50 هوية ثقافية على مستوى الجغرافيا السوريّة، فإن هناك “عتابا” و”موليا” و”بياتي” في كل محافظة، والإيقاعات ذاتها تُعزف في الشمال والجنوب، والتراث قريب من بعضه، وهذا ما يجعل الموسيقى الشعبية رمزاً جامعاً للفسيفساء السوريّة، ويحول التنوعات إلى طاقة من التصالح والانسجام والمحبة بين الجميع”.

ويعتبر الموسيقي بسام طبّاع، أن التراث اللامادي والموسيقى الشعبية يشكلان الهوية الثقافية الغنية والمتنوعة لسوريا، وبالتالي الحفاظ عليهما من جيلٍ إلى جيل يعني الحفاظ على الانتماء وعلى هذه الهوية، ومن ثم إحياؤهما دائماً في سبيل نهضة ثقافية واسعة.

إلا أن هناك تحديات كبيرة تقف أمام حفظ الإرث الموسيقي للشعوب عموما، وفق طبّاع، ما يجعل جهود الحفظ والتوثيق الثقافي ضرورة وحاجة ملحة لابد منها لحمايتها من الاندثار والتبعثر والتلاشي.