موسكو تكشف عن رغبة آلاف العراقيين في القتال إلى جانب الجيش الروسي

تصريح السفير الروسي يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول حدود التدخل الأجنبي في العراق، وما إذا كانت سيادة الدولة مهددة.
السبت 2025/10/18
الشباب في العراق باتوا وقود حروب لا تعنيهم

موسكو- قال السفير الروسي في العراق ألبروس كوتراشيف إن “آلاف العراقيين مستعدون للقتال إلى جانب الجيش الروسي إذا فُتح لهم الباب،” في تصريح يسلّط الضوء على ملف بالغ الحساسية يتعلق بتجنيد عراقيين للانخراط في حرب أوكرانيا.

ورغم تقليله من عدد المقاتلين الأجانب الفعليين ضمن صفوف القوات الروسية، فإن حديث كوتراشيف العلني يعكس واقعًا أكثر تعقيدًا، في ظل تقارير تؤكد استدراج آلاف الشبان العراقيين خلال السنوات الماضية للعمل كمقاتلين على الجبهات الروسية، في سيناريو يُعيد إلى الأذهان أساليب التجنيد غير الرسمي التي مارستها طهران عبر وكلائها في المنطقة.

ويفتح هذا التصريح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول حدود التدخل الأجنبي في العراق، وما إذا كانت سيادة الدولة مهددة أمام محاولات تجنيد شبابها في صراعات خارجية، تحت غطاء اقتصادي أو سياسي، في وقت تتزايد فيه المؤشرات على تحوّل العراق إلى ساحة مفتوحة للمصالح المتقاطعة.

وفي مقابلة إعلامية مطولة مع موقع “شفق نيوز” الكردي العراقي أشار كوتراشيف إلى أن السفارة الروسية في بغداد تلقت، مع بداية الحرب، عشرات الطلبات من عراقيين أعربوا عن رغبتهم بالقتال إلى جانب الجيش الروسي، لكنه أوضح أن بلاده لم تكن آنذاك تمتلك آلية رسمية تسمح بتجنيد الأجانب. إلا أن الأمور تغيرت لاحقاً مع وضع نظام معقد يسمح بتجنيد غير الروس بشروط صارمة.

ألبروس كوتراشيف: روسيا لم تكن آنذاك تمتلك آلية رسمية تسمح بتجنيد الأجانب

وبحسب تقارير صحفية وتحقيقات ميدانية، فإن أعداداً متزايدة من الشبان العراقيين التحقوا بالفعل بجبهات القتال إلى جانب روسيا، بعضهم سافر أولاً إلى موسكو كسائح، أو بهدف الهجرة إلى أوروبا، ليجد نفسه لاحقاً ضمن منظومة التجنيد الروسية التي توفر رواتب مغرية تتراوح بين 2500 إلى 3000 دولار شهرياً، إلى جانب امتيازات أخرى، لا تُمنح عادة حتى للمقاتلين المحليين في العراق.

وبعض التقارير، من بينها ما نشرته “شفق نيوز”، وثّقت حالات لشبان ينتمون إلى فصائل عراقية، لاسيما من عناصر “الحشد الشعبي”، سافروا إلى سوريا ومن ثم إلى شرق أوكرانيا، حيث قاتلوا إلى جانب الميليشيات الانفصالية الموالية لروسيا في دونيتسك ولوغانسك.

وفي مشهد لافت، بثّت قناة “روسيا اليوم” التابعة للحكومة الروسية تقريراً مصوراً تفاخرت فيه بجندي شاب من أصل عراقي يدعى “محمد عدي العابدي”، قالت إنه أصبح جزءاً من القوات الروسية، وظهر في زي عسكري وهو يتحدث بثقة عن مشاركته في العمليات.

وقد أعرب محللون عراقيون ومصادر سياسية بارزة عن قلقهم من هذا التوجه الروسي الذي يرمي إلى تجنيد العراقيين لصالح دولة أجنبية تشن حرباً خارجية، معتبرين أن ذلك لا يهدد فقط حياة الشباب، بل يمس بشكل مباشر السيادة الوطنية العراقية، ويضع الدولة أمام إشكاليات قانونية وأخلاقية.

ويصف مراقبون هذا المسار بأنه “استنساخ مكشوف” للنموذج الإيراني الذي لطالما استغل عناصر من الفصائل المسلحة العراقية للقتال في ساحات خارجية، كما حدث في سوريا واليمن وغيرهما، مشيرين إلى أن موسكو تسير على الخطى ذاتها، لكن بوجه جديد وبأسلوب ناعم تحت غطاء التجنيد الطوعي.

ويحذر خبراء في القانون الدولي من أن انخراط مواطنين عراقيين في نزاع مسلح خارج حدود الدولة، وبتحفيز من دولة أجنبية، يمكن أن يجر العراق إلى مواقف محرجة دبلوماسياً، بل قد يُستخدم لاحقاً لتبرير تدخلات خارجية بذريعة مكافحة المرتزقة أو حماية الأمن الإقليمي.

ورغم خطورة التصريحات والوقائع التي تتكشف، لم يصدر أيّ تعليق رسمي من الحكومة العراقية أو وزارة الخارجية حتى اللحظة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول قدرة الدولة على ضبط هذا الملف، ومدى جديتها في حماية سيادتها من التدخلات الأجنبية، خاصة إذا كانت تستهدف فئات شبابية هشة اقتصادياً واجتماعياً.

ويُخشى من أن يؤدي الصمت الرسمي إلى ترسيخ صورة العراق كبلد يتم فيه تجنيد المرتزقة والمقاتلين للقوى المتصارعة إقليمياً ودولياً، وهو ما يفاقم من تآكل هيبة الدولة أمام الرأي العام المحلي والدولي على حد سواء.

ويقول مراقبون إن السفارة الروسية، حتى وإن لم تعلن رسمياً عن فتح باب التجنيد، فإن مجرد استقبالها لطلبات من عراقيين ورصدها لحالات مشاركة فعلية في القتال، فإن الأمر يعكس وجود مسار موازٍ يُدار في الكواليس، تحت ستار العلاقات الثنائية أو تقديم التأشيرات.

كما أن تمجيد القنوات الروسية للعناصر العراقية التي تقاتل في أوكرانيا، وإظهارهم كأبطال، يُعد وفق بعض الخبراء محاولة للترويج غير المباشر لجذب المزيد من المتطوعين العراقيين، خاصة من الفئات الفقيرة والمهمشة، في بلد تشهد فيه نسبة البطالة بين الشباب ارتفاعا مستمرا.

2