من المشهداني إلى العزاوي.. العنف السياسي يخيم على الانتخابات العراقية
بغداد – تُعاني العملية السياسية في العراق من انتكاسة خطيرة، حيث تجددت فصول العنف الدموي لتستهدف بشكل مباشر المرشحين للانتخابات البرلمانية المقبلة، مما أثار مخاوف جدية من تحول التنافس السلمي إلى صراع دموي.
وشهدت العاصمة بغداد فجر السبت هجوما مسلحا على مكتب مرشح جنوب المدينة، ما يعدّ دليلا على تدهور الأوضاع الأمنية قبيل الاستحقاق الانتخابي.
وأصيب شخصان من أفراد الحماية بجروح فجر السبت خلال هجوم لمسلحين مجهولين على مكتب مرشح للإنتخابات البرلمانية العراقية، على ما أفاد مصدر أمني.
وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته لفرانس برس إنه "عند حوالي الساعة 12:15 من فجر هذا اليوم (السبت) أطلق مسلحون مجهولون النار باتجاه مكتب المرشح للإنتخابات البرلمانية مثنى العزاوي في منطقة اليوسفية (25 كيلومترا) جنوبي العاصمة" وضمن محافظة بغداد.
وأوضح المصدر إن "الهجوم أسفر عن إصابة شخصين من أفراد الحماية بجروح ولاذ المسلحون بالفرار"، مما يؤكد الطبيعة المباغتة والمخطط لها للاعتداء.
وينتمي العزاوي، وهو عضو مجلس محافظة بغداد، إلى "تحالف عزم"، وهو ائتلاف سياسي عراقي سني يترأسه مثنى السامرائي، ما يشير إلى أن الاستهداف قد يحمل أبعادا سياسية وطائفية ضمن التنافس على تمثيل المكون السني.
وفي رد فعله، كتب العزاوي على صفحته على فيسبوك "ندين ونشجب بشدة الاعتداء الجبان الذي استهدف مكتبنا".
وأضاف "نؤكد أن هذه الأفعال الدخيلة لن تثنينا عن مواصلة خدمتنا لأهلنا (..) فإيماننا راسخ بأن القانون فوق الجميع، وسيُعاقب المعتدون بجريرة أفعالهم عاجلًا أم آجلًا"، وهو ما يعكس تصميم المرشحين على مواصلة المسار الديمقراطي رغم التهديدات الأمنية.
وأتى هذا الهجوم بعد ثلاثة أيام على مقتل المرشح للإنتخابات البرلمانية العراقية صفاء المشهداني الذي كان يشغل هو الآخر منصب عضو مجلس محافظة بغداد، بانفجار عبوة ناسفة استهدفت مركبته أدى كذلك الى إصابة ثلاثة اشخاص من افراد حمايته بجروح خطرة في الطارمية، على بعد 40 كيلومترا شمال العاصمة.
ويعدّ هذا الاغتيال الأول في الانتخابات التشريعية التي تُنظم في 11 نوفمبر، ما يثير قلقا عميقا بشأن سلامة بقية المرشحين.
وكشف المصدر، لوكالة شفق نيوز، أن "التحقيقات الأولية تشير إلى أن الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال تنتمي للمنطقة نفسها، وليست جهة خارجية"، مُضيفا أن "كاميرات المراقبة المنتشرة في أرجاء الطارمية والمسارات المؤدية إليها أظهرت أن عملية زرع العبوة اللاصقة تمت داخل القضاء".
وبحسب المصدر، فإن "العبوة كانت محلية الصنع، وتم ربطها بنظام تفجير عبر الهاتف المحمول، ما يعني أن تفجيرها جرى من خلال اتصال هاتفي بعد تحديد موقع الهدف"، مُوضحا أن "تحركات مركبة المشهداني كانت جميعها داخل الطارمية، قبل توجهه إلى مكتبه، ثم إلى أحد المطاعم غرب بغداد حيث وقع الانفجار".
وأشار المصدر إلى أن "الجهات الأمنية المختصة توصّلت بشكل أولي إلى الجهات المتورطة، وتجري استكمال الإجراءات الفنية والقانونية تمهيداً للإعلان الرسمي عن الجهة التي نفّذت الاغتيال"، في الوقت الذي أكد فيه المصدر أن "المشهداني كان على خلاف مع إحدى الجماعات التي حاولت الاستيلاء على قطعة أرض في الطارمية، ما يرجّح أن يكون ذلك الخلاف السبب الرئيس وراء عملية اغتياله"، مما يُسلط الضوء على تداخل الدوافع الشخصية والمادية مع الخلفية السياسية.
وتظهر سلسلة الهجمات التي طالت مرشحي التحالفات السنية، وتحديدا في مناطق شمال وجنوب بغداد، أن هناك استهدافا ممنهجا يسعى لتعطيل مشاركة أو تأثير هذه القوى في الانتخابات المقبلة.
ويعزز هذا الاستهداف الفرضية التي يرى فيها مختصون أن دوافع الاغتيالات تجاوزت الخلاف السياسي التقليدي، لتُصبح مرتبطة بـ"مصالح اقتصادية واستثمارية تتقاطع فيها أطراف حزبية ونفوذ مالي".
وبما أن مناطق الطارمية واليوسفية تُعد نقاط تماس حساسة وتشابك نفوذ بين الفصائل المسلحة ورجال الأعمال، فإن أي مرشح يتبنى أجندة إصلاحية أو يُهدد شبكات المصالح القائمة يُصبح عرضة للتصفية، مما يحول الصراع الانتخابي إلى حرب نفوذ اقتصادي وسياسي تُدار بـ"السلاح والكواتم" بدلا من صناديق الاقتراع.
ويُشكل هذا الانحدار الدموي في السلوك الانتخابي تحديا مباشرا لحكومة محمد شياع السوداني المدعومة من "الإطار التنسيقي"، حيث تتحمل الحكومة مسؤولية توفير بيئة انتخابية آمنة وذات مصداقية.
ويعيد هذا العنف إلى الأذهان مراحل العنف السياسي التي رافقت استحقاقات سابقة، مما يُرسل رسالة "إنذار مبكر" للناخبين حول خطورة المشاركة في عملية تُدار بالعنف، الأمر الذي يُهدد بتقويض ثقة الجمهور بالعملية الديمقراطية ويُمكن أن يُفضي إلى نسبة عزوف عالية، وهو ما تراهن عليه القوى التي تستفيد من حالة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي.
ويعيد هذا الاغتيال الأخير إلى الأذهان مراحل العنف السياسي التي رافقت استحقاقات سابقة، ويُنظر إلى هذه الجريمة بوصفها إنذارا مبكرا بأن الصراع الانتخابي بدأ يتخذ منحى دمويا يهدد فكرة التنافس السلمي ويضرب ثقة الناخبين بالعملية الديمقراطية برمتها.
وينتمي المشهداني إلى "تحالف السيادة" الذي يُعد من أكبر التحالفات السنية العراقية التي تخوض الانتخابات، والذي يتزعمه خميس الخنجر ورئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني.
ويضم البرلمان العراقي الحالي 329 نائباً، أغلبيتهم يمثلون أحزاباً شيعية موالية لإيران أوصلت رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى منصبه الحالي، ضمن تحالف "الإطار التنسيقي".
لذلك، تعتبر الانتخابات اختبارا لقوة هذه التحالفات، كما تشكل الهجمات الأخيرة إنذارا بأن القوى التي تعتمد على النفوذ المسلح والاقتصادي قد تحاول التأثير على نتائج التصويت بالقوة، مما يُهدد بشدة أسس التناوب السلمي على السلطة في العراق.