منع ناشطة من دخول التراب الجزائري يحيي جدل الحقوق والحريات في البلاد
الجزائر - مُنعت الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية “أس أو أس مفقودين” نصيرة ديتور من دخول التراب الجزائري، الأمر الذي أثار التساؤل عن الدواعي والحجج التي تمنع مواطنا جزائريا من دخول وطنه، خاصة وأن الناشطة تناضل منذ أكثر من عقدين من أجل ملف تعترف السلطة بجزء منه، وهو ملف مفقودي تسعينات القرن الماضي.
وقررت سلطات أمن مطار الجزائر منع ديتور من دخول الأراضي الجزائرية، لتعود إلى فرنسا، دون أن تحصل على المبررات أو الدواعي القانونية والقضائية، الأمر الذي يطرح مسألة الحقوق والحريات في البلاد، رغم انتقادات الهيئات المختصة، ومزاعم السلطة بشأن الإصلاحات والحوار السياسي.
وتأتي هذه الخطوة لتكون الثانية من نوعها، بعد منع الصحافي فريد عليلات في أبريل 2024 من دخول التراب الجزائري، دون توضيح الأسباب من طرف السلطة التي نفذت القرار، وهو ما برره آنذاك وزير الاتصال السابق محمد لعقاب بكون المسألة ترتبط بالمؤسسة التي يشتغل فيها، وهي مجلة “جون أفريك” التي تتبنى مواقف غير ودية تجاه الجزائر، ولا علاقة لها بشخصه، حسب تصريح الوزير.
وترأس نصيرة ديتور جمعية “أس أو أس مفقودين” التي تناضل منذ تسعينات القرن الماضي من أجل الحقيقة حول مصير وظروف الاختفاء القسري الذي طال آلاف المفقودين، إبان العشرية الدموية التي عاشتها البلاد (1990 – 2000).
نصيرة ديتور ترأس جمعية "أس أو أس مفقودين" التي تناضل منذ تسعينات القرن الماضي من أجل الحقيقة حول مصير وظروف الاختفاء القسري
وفيما اعترفت السلطة، ومعها مجلس حقوق الإنسان السابق، باختفاء نحو ثمانية آلاف جزائري في الحقبة المذكورة، في ظروف غامضة، أثبتت القرائن أن هؤلاء اختطفوا من طرف الجماعات الإسلامية المسلحة، أو قتلوا في الأماكن التي كانت تمثل قواعد خلفية لنشاطها.
وفي بيان صدر بباريس، واطلعت عليه “العرب”، أدانت جمعية عائلات المفقودين في الجزائر والاتحاد الأورو – متوسطي ضد الاختفاء القسري بأشد العبارات عملية الترحيل التعسفي التي تعرضت لها رئيستهما، نصيرة ديتور، بتاريخ 30 يوليو 2025 في مطار هواري بومدين بالجزائر.
ونصيرة ديتور هي أم لمفقود يدعى أمين عمروش، تقول إنه اعتُقل في يناير 1997 ولا يزال مفقودا إلى اليوم، مثل آلاف الجزائريين الآخرين. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف عن البحث عن الحقيقة حول مصير ابنها، ومصير جميع المفقودين الآخرين.
وقال البيان “التزمت بالنضال السلمي من أجل الحقيقة منذ ما يقارب ثلاثة عقود، رغم المعاناة والتضييق ومحاولات طمس الحقيقة، إلى جانب آلاف العائلات الجزائرية المكلومة باختفاء أحبائها، وكرست حياتها في سبيل البحث عن الحقيقة والعدالة.”
وفي المقابل تذكر بيانات الجمعية المذكورة أن عدد المخطوفين الجزائريين أثناء العشرية الدموية يقدر بـ18 ألفا، تعرضوا للاختفاء القسري دون تقديم توضيحات أو معلومات حول مصيرهم أو ملابسات اختطافهم.
وتتهم بعض العائلات مصالحَ أمنية وهيئات حكومية رسمية بالوقوف وراء اختفاء أقاربها، وتقول بأنه لم يعرف مصيرهم منذ دخولهم إلى مقار أمنية، الأمر الذي يبقي الاتهامات موجهة لأفراد أو مصالح أمنية، كما يتردد في بعض الدوائر الحقوقية.
جمعية عائلات المفقودين في الجزائر ذكرت أن عدد المخطوفين أثناء العشرية الدموية يقدر بـ18 ألفا
وكان مسؤولون سابقون في السلطة قد نفوا فرضية العدد المذكور، أو وجود أو ضلوع أفراد أو مصالح أمنية في عمليات الاختفاء القسري، وكان قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية (1999 و2005) قد أدرج الحالة في خانة ما أسماه “المأساة الوطنية”، ورصد مبالغ مالية لتعويض أسر المختطفين، إلا أن أغلبيتها رفضت المقترح، وواصلت نضالها في شكل احتجاجات ووقفات وندوات دورية، إلى غاية غلق المجال السياسي في السنوات الأخيرة.
وقال البيان الصادر عن الهيئتين الحقوقيتين بباريس إنه “فور وصول نصيرة ديتور إلى مركز الحدود، تم احتجازها من قبل الشرطة لمدة ثلاث ساعات، واستجوابها قبل أن يتم ترحيلها نحو فرنسا على متن رحلة الخطوط الجوية الفرنسية دون أي مبرر، في خرق صارخ لأحكام المادة 49 من الدستور الجزائري، وللنص القانوني الصادر في يونيو 2008 المتعلق بشروط دخول وإقامة وتنقل الأجانب في الجزائر.”
وأضاف “مثل هذا الترحيل لا يمكن تبريره، فـنصيرة ديتور جزائرية الجنسية ولا تمثل أي تهديد للنظام العام. وقد مثلت بشكل قانوني أمام سلطات الحدود، ولم تكن موضوع أي قرار بمنع الدخول إلى التراب الوطني، وأن ترحيلها على حدود بلدها يشكل سابقة خطيرة. فبالإضافة إلى الإهانة الشخصية التي أُلحقت بامرأة كرست حياتها لذكرى المفقودين، فإن هذا الحدث ينبئ بتشدد خطير في الانحراف الاستبدادي الجاري في الجزائر.”
وتابع “هذا الفعل يعبر عن إرادة واضحة من السلطات الجزائرية في إسكات المجتمع المدني، وعرقلة الأنشطة المشروعة للمدافعين عن حقوق الإنسان، وإسكات كل من يفضح إفلات جرائم الاختفاء القسري من العقاب. وهو رمز لسلطة ما زالت تهرب من تاريخها، وتختار معاقبة كل من يرفض النسيان ويطالب بالعدالة بكرامة وإصرار.”
ولفت إلى أن “نصيرة ديتور لم تكف عن الوقوف إلى جانب الضحايا وعائلاتهم في الجزائر كما في باقي المنطقة الأورو- متوسطية. وهي تناضل بلا كلل لإيصال صوت المفقودين في مواجهة صمت السلطات الجزائرية والإقليمية، العاجزة عن مواجهة تاريخها وغير القادرة على مواجهة أشباح مواطنيها.”
وفي العادة يتم منع خروج الأفراد من التراب الجزائري تحت طائلة قرار من السلطة القضائية لوجود شبهات أو تحقيق مفتوح عن المعني الذي يجرد مسبقا من جواز سفره، لكن تعديلات قانونية مستجدة وضعت صلاحية الأمن تحت أيدي مصالح الأمن، الأمر الذي فاقم حالات التعسف والحرمان من حق يكفله دستور البلاد، في ظل صعوبة الوصول إلى مصدر القرار أو أسبابه ومبرراته.