ملامح تنافس قوي في سوق توصيل الطلبات في المغرب

شركات ناشئة مغربية تسعى للظفر بحصة في سوق توصيل الطلبات، وهو ما يؤشر على مرحلة جديدة لإعادة تشكيل خارطة القطاع.
الخميس 2025/09/11
سوق واعدة

الرباط - تعطي أحدث المؤشرات بأن نشاط توصيل الطلبات في المغرب يمر بمرحلة ازدهار، مدفوعا ببروز شركات ناشئة تعمل على زيادة التنافسية في ظل الرقمنة والاستثمارات وتغير العادات الاستهلاكية، وسط ترجيحات بأن ينمو القطاع بقوة.

وتسعى شركات ناشئة مغربية للظفر بحصة في هذه السوق، وهو ما يؤشر على مرحلة جديدة لإعادة تشكيل خارطة القطاع بعدما ظل لسنوات حكراً على شركات أجنبية.

وأصبح اللجوء إلى التطبيقات الرقمية لخدمات التوصيل وخاصة الطعام، إضافة إلى المشتريات الإلكترونية، جزءاً من الحياة اليومية للمغاربة، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على هذه الخدمة.

من المتوقع أن تصل إيرادات القطاع إلى 493 مليون دولار هذا العام، مع معدل نمو سنوي يبلغ 4.84 في المئة حتى نهاية العقد الحالي، ما يعني أن حجم السوق قد يصل إلى 625 مليون دولار بحلول نهاية العقد، بحسب بيانات منصة ستاتيستا.

ومن بين أبرز الوافدين الجدد، شركة أورا تكنولوجيز التي تأسست عام 2023 من طرف عمر علمي بعدما أمضى تجربة مصرفية لدى بنك بي.أن.بي باريبا الفرنسي. وتُطور الشركة حلولاً رقمية متعددة، من بينها تطبيق كوول لتوصيل الوجبات.

عمر علمي: نجاح القطاع لا يجب أن يكون على حساب أي طرف
عمر علمي: نجاح القطاع لا يجب أن يكون على حساب أي طرف

وتطمح الشركة للتواجد في 10 مدن على المدى المتوسط. وتحقيق ذلك تمكنت لحد الآن من جمع 12 مليون دولار، منها 7.5 مليون في يوليو الماضي، كلها من مستثمرين مغاربة.

وقال علمي الذي يشغل منصب المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة في حديث لبلومبيرغ الشرق إن هذه الميزة “ستُحافظ على سيادة أنشطتنا.”

وبينما تعتمد أغلب شركات توصيل الطلبات على نموذج اقتصادي يقوم على فرض عمولة أعلى على المطاعم وتوفير التوصيل المجاني، تسعى أورا لإحداث تغيير جذري من خلال نموذج اقتصادي “عادل ومتكامل” يخدم مصالح جميع الأطراف، بحسب علمي.

وينشط في السوق عدد من الشركات الصغيرة بحصص متواضعة، من بينها دن التي تأسست هذا العام، إضافة إلى شركات أخرى مثل كاليكس لكن أورا هي التي نجحت في استقطاب اهتمام عدد من صناديق الاستثمار المحلية.

وقال علمي: “نؤمن بأن نجاح سوق التوصيل لا يجب أن يكون على حساب المطاعم أو الموزعين أو الزبائن.”

وأضاف: “لهذا نعتمد على عمولة منخفضة لا تتجاوز 10 في المئة للمطاعم، ونمنح عمال التوصيل 100 في المئة من رسوم التوصيل المدفوعة من طرف العميل، مع ضمان أسعار مماثلة أو أقل من تلك الموجودة في المطاعم.”

ويعتقد أن النموذج المبني على العمولات المنخفضة وتكاليف التسليم الحقيقية والنمو العضوي المستدام بفضل أرخص أسعار المنتجات في السوق، هو النموذج المستدام الذي سيسمح بتوسيع السوق المستهدفة.

وتحتل شركة غلوفو الإسبانية، التابعة لديلفري هيرو الألمانية، صدارة سوق توصيل الطلبات في المغرب.

وبدأت العمل عام 2018 ولديها حالياً أكثر من 5 آلاف عامل توصيل مع حوالي 6 آلاف شريك، بحسب تصريح سابق لمدير الشؤون العامة العالمية في الشركة ويليام بينثال.

وفي يوليو الماضي، أعلن مجلس المنافسة المغربي عن توقيع اتفاق تصالحي مع الشركة منهياً بذلك تحقيقاً كان مفتوحا ضدها بسبب شبهات ممارسات منافية لقواعد المنافسة.

وتضمن الاتفاق إلغاء الشركة شرط الحصرية في العقود مع المطاعم، والسماح لها بالتعامل مع منصات منافسة دون زيادة في العمولات، إضافة إلى تحديد سقف للعمولة عند 30 في المئة.

493

مليون دولار إيرادات القطاع هذا العام، مع معدل نمو سنوي 4.84 في المئة حتى نهاية العقد

ويشكل هذا القرار نقطة تحول كبير، إذ يفتح الباب أمام الشركات الناشئة للتنافس على قدم المساواة، ويمنح الشركات من مطاعم ومقاهٍ حريةً أكبر في اختيار المنصات التي يتعاملون معها.

وكجزء من الاتفاق، ستساهم غلوفو بنحو 3.8 مليون دولار لتحسين دخل العاملين في التوصيل ودعمهم في التدريب والدراسة، وهو ما يمثل قيمة الغرامة التصالحية.

وتأتي الخطوة في وقت حساس، خاصة بعد انسحاب جوميا فود من السوق المغربية عام 2023، لتبقى غلوفو صاحبة الحصة الأكبر في السوق دون منافس وتفرض الحصرية في العقود.

ورغم النمو المستمر لهذا القطاع، يبقى انتشار الدفع الرقمي محدوداً نسبياً، مع اعتماد كبير على نظام الدفع عند الاستلام نظراً لتفضيل أغلب المغاربة التعامل بالكاش.

كما يواجه توصيل الطلبات تحديات متعلقة بضمان الجودة، ناهيك عن تحدي خدمة “التوصيل في الميل الأخير” وهو الجزء الأصعب في السلسلة، حيث تتأثر الخدمة بالازدحام.

ولمواجهة التحديات، تسعى أورا للاستحواذ على شركة كاتيديس المتخصصة في خدمات توصيل الطلبات في “الميل الأخير” وتعتمد على حلول رقمية متكاملة مرتكزة بالأساس على تجربة الزبائن، وتنتظر الحصول على ترخيص مجلس المنافسة لتنفيذ الصفقة.

ويُقدّر عدد المغاربة المستخدمين لخدمات التوصيل حالياً بنحو نصف مليون، ويُتوقع أن ينمو الرقم إلى 6 ملايين بحلول عام 2032، بحسب تصريحات علمي.

ولكنه أشار إلى أن المنافسة لا تزال غير متكافئة، خاصة مع وجود شركات أجنبية تعتمد على نماذج اقتصادية مكلفة.

وقال: “المنافسون الأجانب يعتمدون على عمولات مرتفعة وتوصيل مجاني وحملات إعلانية ضخمة تستهدف الفئات الميسورة. أما نحن، فنراهن على النمو العضوي والأسعار المنخفضة لتوسيع قاعدة الزبائن وتحقيق نمو شهري من رقمين بالسنوات الثلاث المقبلة.”

وبالإضافة إلى تحدي السرعة في التوصيل، تبرز تحديات أخرى تتمثل في ضعف اللجوء إلى الدفع الرقمي ناهيك عن اشتداد المنافسة.

10