مقترح مشروع قانون للحضانة المشتركة بين الوالدين في تونس
اقترحت منظمات ذات علاقة بمجال الطفولة في تونس أن يتقاسم الوالدان حضانة الأطفال في حالة الطلاق، بما يخول للأب أن يكون طرفا فاعلا في عملية رعاية الطفل واحتوائه وتوجيهه وهو ما لا يمكّنه منه القانون الحالي. كما تعمل الحكومة التونسية على تطوير سبل دعم وتحقيق مقوّمات التماسك الأسري وتطوير المنظومة التشريعيّة ذات العلاقة بالأسرة وحماية أفرادها من تبعات الخلافات والطّلاق.
تونس- من أجل الحدّ من تداعيات الخصومات بين الآباء المنفصلين على الأطفال، طرحت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط تصورا جديدا لحضانة مشتركة بين المطلّقيْن أو الزوجين اللذين في مرحلة الانفصال، مقترحة سنّ قانون للحضانة المشتركة يكون بشروط واضحة وبتفاهم بين الأب والأم المطلّقين.
وأفادت رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط ريم بالخذيري بأنّ مقترح مشروع قانون الحضانة المشتركة بين الوالدين يهدف إلى “تحويل الطلاق من ظاهرة سلبية على الأبناء ومضرة إلى واقع يتعايش معه الأبناء دون أن يتكبّدوا ويتحمّلوا آثاره، ضمانا لمصلحة الطفل الفضلى ولتماسك الأسرة.”
واعتبرت بالخذيري أنّ تقديم هذا المقترح يأتي بعد أن أصبح “القانون الحالي للحضانة في تونس غير مساير للتطورات والتغيرات الاجتماعية في العديد من جوانبه.”
وقالت في حوار لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، إن الفصول المتعلقة بقانون الطلاق والنفقة والحضانة، الواردة ضمن مجلة الأحوال الشخصية، لم تشهد تحيينا منذ 12 يوليو 1993، وهي تمنح في حالة الطلاق الحضانة إلى الأم بصفة آلية (عدا الاستثناءات الخاصة) بما يضعف بشكل كبير دور الأب في رعاية أبنائه ويصعّب المسؤولية على الأم فتكون لذلك انعكاسات سلبية وآثار واضحة في سلوك الأبناء، من اضطرابات نفسية وصعوبة الاندماج في الوسط المدرسي والمجتمع وتنامي الشعور بالحقد والتمرد والاتجاه نحو الجريمة.
ريم بالخذيري: المقترح يهدف إلى تحويل الطلاق من ظاهرة سلبية على الأبناء ومضرة إلى واقع يتعايشون معه دون أن يتكبّدوا ويتحمّلوا آثاره
ويعاب على قانون الحضانة الحالي أنه يمكّن الأب من رؤية أبنائه بضع ساعات يوم الأحد، وهو ما يقزّم دوره ويجعله عاجزا عن رعاية أبنائه، حتى وإن لم يكن الطلاق برغبة منه (بل من قبل الزوجة)، إضافة إلى تغريمه ماديا وحمله على دفع نفقة طليقته ونفقة الأبناء ومنحة السكن حتى وإن كانت الأم تشتغل وليس لديها الوقت الكافي للتفرغ للأبناء والاعتناء بهم.
وأوضحت بالخذيري أن مبدأ الحضانة المشتركة لن يكون بدعة تونسية بل هو معمول به في الكثير من الدول والغاية منه منح الطفل التوازن النفسي المطلوب بالعيش مع والديه حتى عند الطلاق.
وحسب رأي بالخذيري، من شأن العمل بهذا المبدأ أن يمكن الأب من حقه الإنساني في تربية أبنائه والإحاطة بهم والمشاركة في تحديد مستقبلهم والقيام بدوره الطبيعي في مرافقتهم ورعايتهم وعدم اختزال دوره في الإنفاق فقط. ويعزز دور الأب الحمائي والتربوي الثقة لدى الطفل ويحمي الأبناء المراهقين من الانخراط في الجريمة المنظمة والسرقة والخطف والعنف وتعاطي المخدرات.
وينص مقترح الحضانة المشتركة بين الوالدين، الذي تم إعداده بالاستئناس بآراء المختصين في المجال، أساسا على أن يكون الأب والأم يشتغلان ومستقلين بمسكن ولديهما كل الظروف المادية والنفسية لاحتضان الطفل.
كما يقضي بضرورة التزام الوالدين بالتفرغ مدة كافية لرعاية الطفل والقدرة على توفير جميع متطلباته، وبأن تبدأ الحضانة المشتركة منذ سن الثالثة؛ ذلك أن الطفل في حاجة إلى والديه منذ تلك السن التي يبدأ فيها الإدراك العقلي والنفسي للوالدين، وأن تكون الحضانة المشتركة بالتناوب (أسبوع أو 15 يوما).
وكان مجلس وزاري مضيّق انعقد في فبراير الماضي للنظر في مشروع حول سبل دعم وتحقيق مقوّمات التماسك الأسري وفق رؤية تشاركية تأخذ بعين الاعتبار التّغيرات المجتمعيّة والتّحوّلات الدّيمغرافيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة التي تشهدها الأسرة في الوقت الرّاهن.
ويرتكز مشروع دعم التماسك الأسري على أربعة محاور كبرى من بينها خاصة تطوير المنظومة التشريعيّة ذات العلاقة بالأسرة وحماية أفرادها من تبعات الخلافات والطّلاق، عبر وضع إطار قانوني جديد لنظام النّفقة وجراية الطّلاق وبعث خطّة “موفّق أسري” توكل له مهمّة التوفيق والوساطة لحلّ النزاعات الأسريّة وتقريب وجهات النظر بين أطراف الخلاف خلال فترة التقاضي وبعدها قصد تقليل التداعيات السلبيّة على أفراد الأسرة خاصة الأبناء.
ومن أجل تكثيف المشاورات حول صياغة مشروع دعم التماسك الأسري نظمت وزارة الأسرة يومين دراسيّين في شهر أبريل الماضي بمشاركة ثلّة من مسؤولي الوزارات المعنيّة وقضاة الأسرة ومندوبي حماية الطفولة والخبراء والباحثين والمنظمات والجمعيّات، حيث تم من خلال العديد من الورشات البحث في مواضيع تهتم بـ”جراية الطلاق والعقوبات البديلة” و”التغطية الصحية للزوجات أو المطلقات” و”التوفيق الأسري كآليّة جديدة” و”طفل الطلاق والجرح الأبوي بين فلسفة التربية وحكم القانون”، وهو ما أفضى إلى بلورة جملة من التوصيات والمقترحات.
وكان رئيس جمعية أطفال تونس رفيق نور بن كيلاني دعا في تصريحات إعلامية إلى ضرورة سنّ تشريعات جديدة وتحديد مفهوم التربية الصحيحة والجيدة واعتماد حلول شمولية تعالج القصور الوظيفي والتفكك الداخلي للأسرة في اتجاه وضع مقاربة جديدة تقوم على الحضانة المشتركة والعلاقة المتواصلة بين أطراف الأسرة لأنها الأساس الفعلي للبناء المتوازن الذي يقطع مع القصور العاطفي، وفق تقديره.
◄ مشروع القانون ينص على أن يكون الأب والأم يشتغلان ومستقلين بمسكن ولديهما كل الظروف المادية والنفسية لاحتضان الطفل
وأظهر بيان للمنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط أن عدد حالات الطلاق في تونس بلغ سنة 2023 حوالي 35 ألف حالة طلاق، وهو رقم قياسي مقارنة بالأعوام السابقة. ولفت إلى أن هذه التطورات أثارت في نفوس العديد من المختصين الخوف من التداعيات طويلة المدى للوضعيات الحالية على هيكل الأسرة والمجتمع التونسي، وخاصة التأثيرات السلبية على الأطفال ونفسيتهم وتكوين شخصيتهم.
وكانت القاضية والباحثة بمركز الدراسات القانونية والقضائية في وزارة العدل روان بن رقية قد أفادت، في تصريحات إعلامية على هامش المؤتمر الدولي الثالث للجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان الذي انعقد بتونس في ديسمبر 2024، حول موضوع “طفل الطلاق والجرح الأبوي بين فلسفة التربية وحكم القانون”، بأنّ عدد أطفال الطلاق في تونس بلغ خلال الفترة المتراوحة بين يناير 2023 وديسمبر 2024 حوالي 600 ألف طفل، مضيفة أنّ 104 أطفال، من بين أطفال الطلاق، انتحروا بسبب التفكك الأسري.
كما تجاوز عدد الإشعارات عن الاختلالات التي يعيشها الأطفال داخل الأسرة 22 ألف إشعار سنة 2022، منها 13 ألف إشعار يخص أطفالا يعيشون تهديدا مباشرا داخل الفضاء الخاص، أي البيت.
واعتبرت الباحثة في تصريح سابق لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أنّ “هذه الإحصائيات المفزعة تشير إلى عمق استفحال هذا الإشكال المجتمعي في الواقع المعاصر، والذي يستوجب مقاربة مجتمعية ونفسية وتربوية وقانونية جديدة.”
وتجدر الإشارة إلى أن آخر تعديل لفصول مجلة الأحوال الشخصية المتعلقة بقانون الطلاق والحضانة والنفقة يعود إلى أكثر من 30 عاماً، وذلك بموجب التنقيحات التي أجريت على القانون في يوليو 1993.