معيار أميركي لاختيار خلفا لغوتيريش وسط استياء محتمل في أميركا اللاتينية

خمس دول عربية تطالب بإصلاح الأمم المتحدة، مؤكدة ضرورة إنهاء الانتقائية وازدواجية المعايير وتعزيز العدالة الدولية.
السبت 2025/10/25
واشنطن تكسر تقليد التناوب بالأمم المتحدة

الأمم المتحدة – قالت الولايات المتحدة الجمعة إنها ستنظر في اختيار مرشحين من حول العالم لتولي منصب الأمين العام القادم للأمم المتحدة، وهي خطوة قد تثير غضب دول أميركا اللاتينية التي تعتقد أن هذا دورها لتقديم قائد للمنظمة الدولية.

وسيُنتخب الأمين العام العاشر للأمم المتحدة العام المقبل لولاية مدتها خمس سنوات تبدأ في أول يناير 2027. وعادة ما تتناوب المناطق على هذا المنصب، وتأتي أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي على رأس القائمة هذه المرة.

وقالت دوروثي شيا، نائبة المبعوث الأميركي لدى الأمم المتحدة "نعتقد أن عملية الاختيار لمثل هذا المنصب المهم يجب أن تكون قائمة على الجدارة البحتة مع أكبر عدد ممكن من المرشحين.. ومن هذا المنطلق، تدعو الولايات المتحدة المرشحين من جميع المجموعات الإقليمية".

وسيبدأ السباق رسميا عندما يرسل مجلس الأمن المكون من 15 عضوا ورئيس الجمعية العامة المكونة من 193 عضوا رسالة مشتركة بحلول نهاية هذا العام لطلب الترشيحات، على أن يُرشَّح المتنافسون من قبل إحدى الدول الأعضاء.

وقال ريكاردو موسكوسو نائب سفير بنما لدى الأمم المتحدة في مجلس الأمن اليوم الجمعة "نأمل خلال هذه العملية أن تُؤخذ في الاعتبار الخبرات القيادية في الدول النامية لهذا المنصب الحيوي، لا سيما من منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي". ولدى بنما عضوية لمدة عامين في المجلس.

وفي نهاية المطاف، يجب أن تتوافق الدول الخمس دائمة العضوية التي تمتلك حق النقض (الفيتو) على المرشح. والدول الخمس هي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا.

قال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا لرويترز إن التناوب على منصب الأمين العام بين المناطق هو تقليد وليس قاعدة.

وأوضح "لا أمانع أن تفوز به (المنصب) امرأة على أساس الجدارة، لكن الجدارة تأتي أولا. الجدارة تأتي قبل النوع".

وتتعرض الأمم المتحدة لضغط متزايد لاختيار أول امرأة لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة.

وقالت سفيرة الدنمرك لدى الأمم المتحدة كريستينا ماركوس لاسن "بعد 80 عاما، حان الوقت لتولي امرأة قيادة هذه المنظمة". وتشغل الدنمرك أيضا عضوية المجلس لمدة عامين.

وفي حين أن السباق لم يبدأ رسميا، قالت تشيلي إنها سترشح الرئيسة السابقة ميشيل باشليه، فيما تعتزم كوستاريكا ترشيح نائبة الرئيس السابقة ريبيكا جرينسبان.

ويتزامن الجدل المحتدم حول اختيار الأمين العام مع دعوات متصاعدة للإصلاح الهيكلي للمنظمة الدولية برمتها، خاصة مجلس الأمن.

وجاءت هذه الدعوات بمناسبة يوم الأمم المتحدة والذكرى الثمانين لتأسيس المنظمة، مما يعكس إجماعاً متصاعداً على أن الهيكل الحالي لم يعد قادراً على مواجهة التحديات العالمية.

دعت دول عربية، ممثلة في الجزائر والصومال والكويت والأردن وتونس، إلى إصلاح منظومة الأمم المتحدة، مؤكدة على ضرورة أن يصبح هيكلها أكثر عدالة وفاعلية في التعامل مع قضايا السلم والأمن الدوليين. هذه الدعوات تتناول بشكل رئيسي المطالبة بإصلاح مجلس الأمن الدولي وتوسيعه ليعكس موازين القوى الحالية، وضمان تمثيل أوسع للدول النامية والعربية، إلى جانب تقييد استخدام حق النقض (الفيتو) الذي كثيراً ما يعطل القرارات الإنسانية.

وقال الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة السفير عمار بن جامع، إن "التنفيذ الكامل لميثاق الأمم المتحدة يواجه تحديات خطيرة، بما في ذلك النهج الانتقائي في التعامل مع القانون الدولي، والمعايير المزدوجة التي تبرز الانقسامات المستمرة داخل المجتمع الدولي".

وشدد بن جامع، في كلمة له بالمناسبة، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، على ضرورة أن يكون تطلع إفريقيا إلى التمثيل الكامل في مجلس الأمن محور أي إصلاح.

وأضاف "فقط عبر مجلس أمن أكثر تمثيلا وديمقراطية وإنصافا، يمكن تعزيز شرعيته ومصداقيته وعزيمته الجماعية".

ومن جانبه، قال كبير مستشاري البعثة الدائمة للصومال أحمد بوتان، في كلمة له بنفس جلسة مجلس الأمن، إن وفد بلاده ينظر إلى الوضع الحالي لمجلس الأمن، بـ"قلق عميق".

وشدد بوتان، على ضرورة التعامل مع حقيقة أن "هيكل مجلس الأمن قد عفا عليه الزمن" ولا يعكس الواقع المتغير للعالم.

وأشار إلى التغييرات الكبيرة التي طرأت على النظام العالمي مع قيام القوى الناشئة بأدوار مهمة على الساحة الدولية.

وذكر بوتان، أن "الصراع المستمر في غزة دليل واضح على القصور الجماعي.

وأضاف أن مجلس الأمن "عندما يقف مشلولا في وجه مثل هذه المعاناة الإنسانية"، فإنه يفعل أكثر من خسارة ولايته إذ يُقوض أسس ميثاق الأمم المتحدة.

ويعزز هذا الربط المباشر بين أزمة غزة وشلل مجلس الأمن من المطلب العربي بضرورة الإصلاح الجذري.

ودعا نائب وزير الخارجية الكويتي جراح جابر الأحمد الصباح، في كلمة خلال جلسة لمجلس الأمن، إلى أهمية إصلاح منظومة الأمم المتحدة وتعزيز قدرتها على الاستباق والتنبيه المبكر والالتزام الصارم بميثاقها والقانون الدولي بلا ازدواجية أو انتقائية.

وأعلن وزير خارجية تونس محمد على النفطي، في بيان بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس الأمم المتحدة، أن بلاده تدعم المبادرة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعنوان "الأمم المتحدة ثمانين".

وأوضح أن تلك المبادرة تهدف إلى إصلاح وتطوير عمل المنظمة الأممية واعتماد خارطة طريق ناجزة واضحة المعالم، بما يعيد الاعتبار للشرعية الدولية واحترام القانون الدولي.

وأطلق غوتيريش مبادرته "الأمم المتحدة 80" في مارس الماضي، وهي تهدف لتعزيز وتبسيط منظومة الأمم المتحدة، وتتركز على ثلاث أولويات رئيسية: تعزيز الكفاءة التشغيلية، تقييم كيفية تنفيذ الدول الأعضاء المهام الرئيسية، واستكشاف الإصلاحات الهيكلية عبر منظومة الأمم المتحدة.

وتشكل هذه المبادرة الإطار الذي تسعى الدول من خلاله إلى دفع عجلة التغيير الهيكلي.

وشدد الناطق باسم وزارة الخارجية الأردنية فؤاد المجالي، في بيان، على التزام بلاده الراسخ بمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، انطلاقا من إيمانه العميق بأن التعدّدية والتعاون الدولي يشكّلان الأساس لمواجهة التحدّيات المُعقَّدة التي تواجه المنطقة والعالم اليوم.

وأعاد المجالي، التأكيد على التزام المملكة الثابت بمساندة جهود المنظّمة الأمميّة، والاستمرار في المساهمة الفاعلة لتحقيق أهدافها النبيلة.

وأعرب عن تطلّع المملكة إلى مواصلة التعاون الوثيق مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة.

وفي وقت سابق الجمعة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن مجلس الأمن الدولي بحاجة ماسة إلى "إصلاحات عاجلة".

وأضاف غوتيريش، في كلمة عبر تقنية الفيديو خلال جلسة لمجلس الأمن، عقدت بمناسبة الذكرى السنوية الـ80 لتأسيس الأمم المتحدة، أن بعض أعضاء المجلس تصرفوا عدة مرات بما يخالف مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي أدى إلى تقويض الثقة بالمنظمة الدولية.

وأكد أن مجلس الأمن ليس متعلقا بالهيمنة أو الإمبراطوريات، لافتا إلى ضرورة معالجة اختلال التوازن داخل المجلس، وهو ما يتطلب توسيع عدد أعضائه.

وأوضح غوتيريش، أن نحو نصف مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تتم في أفريقيا، ومع ذلك لا تملك هذه القارة مقعدا دائما في مجلس الأمن، في حين أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي تضم أكثر من نصف سكان العالم، لديها مقعد دائم واحد فقط.

يؤكد هذا المشهد المزدوج أن الأمم المتحدة تقف عند مفترق طرق: صراع على من سيقودها (الجدارة مقابل التناوب) وصراع على كيف ينبغي أن تعمل (الإصلاح مقابل الجمود).

وفي كلتا الحالتين، تبدو رغبة الدول النامية، ومن بينها الدول العربية، واضحة في ضرورة إعادة هندسة المنظمة لتحقيق العدالة والمصداقية.