مصلحة سعودية في حدود آمنة بين لبنان وسوريا

اجتماع سوري - لبناني في العلا لاستكمال بحث اتفاق جدة.
الجمعة 2025/10/03
لا حديث عن سيادة بدون ضبط الحدود

العلا (السعودية) - يشكّل ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا قضية حساسة ترتبط بأبعاد أمنية، واقتصادية، وسياسية. وتولي السعودية اهتماما خاصا لهذا الملف، من منطلقات إستراتيجية أوسع تتعلق بأمنها القومي، واستقرار الشرق الأوسط، ومكافحة التهديدات العابرة للحدود، وعلى رأسها تهريب المخدرات التي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى خطر داهم يهدد المجتمعات الخليجية.

واحتضنت مدينة العلا السعودية، اجتماعا بين وزير الدفاع اللبناني اللواء ميشال منسى، ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في سياق متابعة الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في مدينة جدّة في أواخر شهر مارس الماضي، والهادف إلى ترسيم الحدود بين البلدين وتشكيل لجان قانونية متخصصة لهذه الغاية.

ويمثل الشريط الحدودي بين لبنان وسوريا والذي يمتد على مسافة تتراوح بين 330 و400 كم، وهي في معظمها غير مرسمة رسميا، تحديا أمنيا كبيرا ليس فقط لسوريا ولبنان بل للمنطقة.

مدينة العلا، تحتضن اجتماعا بين وزير الدفاع اللبناني اللواء ميشال منسى، ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في سياق متابعة اتفاق ترسيم الحدود

وخلال السنوات الأخيرة، تحولت المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا إلى بيئة خصبة للتهريب، خصوصاً تجارة المخدرات والسلاح، ولحركة المسلحين بين البلدين.

وقد أعلنت السلطات السعودية مرارا عن ضبط شحنات ضخمة من الكبتاغون المهرّب عبر لبنان أو سوريا، مخبأة في شحنات فواكه، أو بضائع تجارية. ومع تكرار هذه العمليات، اتخذت الرياض مواقف حازمة تجاه السلطات اللبنانية، وصلت إلى تعليق واردات الفواكه والخضار من لبنان في عام 2021، في رسالة واضحة بأن أمن المملكة خط أحمر.

ويرى متابعون أن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا لا يُعتبر مسألة جغرافية فحسب، بل إجراء أساسي لإنهاء حالة “الفراغ الحدودي” الذي يسمح بنشاط شبكات التهريب المنظّمة، والتي تتداخل فيها المصالح بين التجار وبعض الجهات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة.

وتهريب المخدرات ليس مجرد نشاط إجرامي، بل هو جزء من “اقتصاد حرب” تموّل من خلاله بعض الأطراف المسلحة نشاطاتها، وتحديدا، حزب الله الذي يتخذ من إدارة مصانع الكبتاغون ونقله وتوزيعه مصدرا رئيسيا للتمويل، لاسيما بعد الضغوط الأميركية على باقي مصادر تمويله.

ولا تعد المخدرات مجرد تجارة مربحة، بل تُستخدم كسلاح ناعم في “حرب غير معلنة”، تستهدف إضعاف المجتمعات من الداخل، وتدمير البنية الأخلاقية والنفسية للأجيال الشابة. والسعودية، باعتبارها السوق الأكبر المستهدفة بالكبتاغون، ترى أن ما يحدث على الحدود اللبنانية – السورية لم يعد شأنا محليا، بل يمثل تهديدا أمنيا مباشرا لها، يفرض ضرورة المعالجة الجذرية عبر ضبط الحدود ووقف المسارات غير الشرعية.

وضمن رؤيتها الإقليمية الأوسع، تسعى السعودية إلى خلق بيئة مستقرة خالية من النزاعات، تُعزز فيها دور الدولة على حساب الميليشيا. وهذا ينسجم مع مبادراتها الدبلوماسية، مثل الانفتاح على سوريا بشروط واضحة تتضمن مكافحة المخدرات، وتشجيع الدولة اللبنانية على القيام بإصلاحات حقيقية في أجهزتها الأمنية والقضائية. وفي هذا الإطار فإن ترسيم الحدود هو جزء من منظومة أمان متكاملة ترى فيها السعودية مصلحة إستراتيجية.

ورغم اتخاذ السعودية لمواقف حاسمة تجاه السلطات اللبنانية في فترات معينة، إلا أن توجهها العام لا يقوم على خنق لبنان، بل تحصينه من الانهيار الكامل. والسعودية ترى أن دعم الدولة اللبنانية في ضبط حدودها مع سوريا يسهّل عمليات مراقبة التهريب، ويمنع تفاقم المشكلات الاجتماعية التي تنعكس سلبًا على الداخل اللبناني، كما على المنطقة ككل.

ولا تنطلق السعودية في دعمها لترسيم الحدود اللبنانية – السورية من اعتبارات تقنية فقط، بل من رؤية أمنية شاملة تهدف إلى محاصرة خطر تهريب المخدرات، وتقليص نفوذ الجماعات الخارجة عن الدولة، ودفع عجلة الاستقرار الإقليمي. فالمخدرات اليوم لم تعد مجرد تجارة، بل باتت أداة تهديد سيادي، ترى المملكة أن مواجهتها تبدأ من الحدود، ولا تنتهي إلا بعودة الدولة إلى كامل دورها ومؤسساتها.

في عام 2008 أعلنت سوريا ولبنان تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود، لكن التقدم كان بطيئا بسبب التوترات السياسية والأمنية

وتعود جذور أزمة الحدود بين لبنان وسوريا إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حين خضعت المنطقة للانتداب الفرنسي الذي رسم الحدود بين “دولة لبنان الكبير (1920)” وسوريا، وعند استقلال لبنان عام 1943، تم اعتماد هذه الحدود التي رسّمها الفرنسيون، إلا أن بعض النقاط بقيت غير واضحة أو محل خلاف.

وتُعد منطقة مزارع شبعا، من أبرز المناطق المتنازع عليها، حيث بقيت تحت سيطرة إسرائيل التي انسحبت من جنوب لبنان عام 2000، باعتبارها أرضا سورية بينما تصر بيروت على أنها لبنانية.

كما تسجل خلافات على مناطق في شرق لبنان مثل القموعة، والعديسة، ومناطق في بعلبك الهرمل، بسبب عدم وضوح المعالم الحدودية.

وفي عام 2008، أعلنت سوريا ولبنان تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود، لكن التقدم كان بطيئا بسبب التوترات السياسية والأمنية.

ومع اندلاع الأزمة السورية والثورة ضد نظام بشار الأسد عام 2011، توقفت معظم الجهود الرسمية، رغم وجود مؤشرات على استمرار بعض قنوات التواصل.

وعقب تسلم الإدارة السورية الجديدة زمام الحكم بعد الإطاحة بنظام الأسد في 8 ديسمبر 2024 عادت مشكلة ترسيم الحدود مع لبنان للظهور مجددا، حيث اندلعت مواجهات بين الجيش السوري ومجموعات مرتبطة بحزب الله على الحدود، لتتدخل السعودية، وتقنع الجانبين بضرورة تسريع خطوات ترسيم الحدود، فكان أن تم التوقيع على اتفاق في 28 مارس الماضي، في مدينة جدة غربي المملكة.

ولا يمثل الاتفاق ترسيما مباشرا للحدود، بل يُعد خطوة تمهيدية، إذ جرى الاتفاق على تشكيل لجان قانونية وفنية مشتركة وتفعيل آليات التنسيق لمواجهة التهديدات الأمنية.

2