مشاركة القاصرين في احتجاجات المغرب تعكس غياب دور الأسرة في الإحاطة والرعاية
الرباط ـ يعكس انخراط المراهقين بشكل واسع في الحركة الاحتجاجية إلى عرفتها بعض المدن المغربية وضواحي المراكز الحضرية، عمق الأزمة التي تعاني منها الفئات الهشّة، كما يبرز قصورا في تنزيل السياسات والبرامج المتعلقة بالواقع الاجتماعي والنفسي والعائلي لهذه الفئة الهامة من المجتمع.
وكشف الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، أن بعض الأشكال الاحتجاجية اتخذت منحى تصعيديا جسيما بتحولها إلى تجمهرات مست بالأمن والنظام العامين، تخللتها أعمال عنف وشغب خطيرة، انخرطت فيها بشكل مثير للاستغراب أعداد كبيرة من القاصرين، تعدت في المجمل نسبة 70 في المئة من مجموع المشاركين. وأضاف أن المؤسف في أحداث العنف والشغب أنها عرفت مشاركة نسب كبيرة من الأطفال والقاصرين، بلغت في أحيان متعددة نسبة 100 في المئة من المجموعات المشاركة، وقد تم اتخاذ الاجراءت القانونية اللازمة في مواجهة الأشخاص المشتبه في تورطهم في هذه الأفعال المجرّمة، تحت إشراف النيابة العامة المختصة. وجرى وضع عدد من الراشدين تحت تدابير الحراسة النظرية؛ في حين تم إخضاع الأحداث لتدابير الاحتفاظ، لضرورات البحث، في تقيد صارم بكافة الضمانات والضوابط الإجرائية المنصوص عليها وبما يضمن صون الحقوق والحريات المكفولة قانوناً.
بدورها أكدت مؤسسة “أمان” لحماية الطفولة، أن انخراط هذه النسبة من المراهقين ضمن المحتجين يعكس خطورة الوضع وحجم التحدي حول واقع هذه الفئة من المجتمع المغربي، حيث ترتبط بمسؤولية مشتركة بين الأسرة والدولة لحماية الطفولة ومواكبة احتياجات المراهقين بما يتناسب مع وضعيتهم التي تكون غالبا جامحة وضمان تنشئتهم في ظروف سليمة، مع تنزيل منظومة حماية الأطفال القاصرين في كل مناطق المملكة.
ومع ارتفاع نسبة القاصرين الذين تورطوا في أعمال العنف في احتجاجات جيل زاد، يطرح السؤال حول دور الأسرة والمدرسة في التأطير والحماية ودور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير. وأكد ياسين ايصبويا، رئيس المنتدى المتوسطي للشباب في المغرب، في تصريح لـ”العرب”، أن مشاركة نسب مرتفعة من القاصرين في بعض الأشكال العنيفة أمر يبعث على القلق ويكشف عن تحدٍ جماعي يهمنا جميعا دولة ومجتمعا وأسرا ومؤسسات تربوية ومجتمع مدني وأحزاب سياسية وكل مؤسسات التنشئة الاجتماعية فالأصل أن الشباب وخاصة القاصرين هم طاقة إيجابية لبناء المستقبل وليسوا أداة لظواهر سلبية.
وقال ايصبويا ” هنا يبرز الدور المحوري للأسرة باعتبارها المدرسة الأولى للتنشئة في غرس قيم الحوار والاحترام والمسؤولية وكذلك دور المدرسة التي ينبغي أن تتحول إلى فضاء حي للتربية على المواطنة والسلوك المدني لا مجرد فضاء للتلقين، كما لا يمكن إغفال التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي على “جيل زاد” حيث يمكن أن تكون أداة للتعبئة الإيجابية والوعي لكنها قد تتحول أيضا إلى قناة للتأثير السلبي ونشر العنف إذا غاب التأطير والمصاحبة.
وكشف تقرير “مؤشر الشباب للمعنوية 2024–2025” عن معطيات مقلقة تتعلق بالوضع النفسي والاجتماعي للأطفال والمراهقين في المغرب؛ فقد سجل الشباب المغاربة معدلًا قدره 7.79 نقطة من أصل 10 على مقياس المعنوية، متقدمين بذلك فقط على أوكرانيا التي جاءت في ذيل الترتيب بمعدل 6.82؛ ما يضع المغرب في مرتبة تستدعي الانتباه والتحرك السريع لدعم هذه الفئة الحيوية، كون هذا المعدل الذي يقل عن المتوسط المسجل في معظم الدول المشمولة بالمسح يثير تساؤلات جدية حول مدى الإحساس بالانتماء لدى الشباب المغربي، ويؤكد الحاجة إلى تبني سياسات وطنية فاعلة ترتكز على تعزيز الصحة النفسية والدعم الاجتماعي للفئات الشابة.
وأظهرت النتائج أن الأطفال دون سن الثالثة عشرة سجلوا معدلًا متوسطًا بلغ 7.85، غير أن هذا المعدل انخفض بشكل ملحوظ إلى 7.69 لدى الفئة العمرية بين الثالثة عشرة والسابعة عشرة، في دلالة واضحة على تراجع الإحساس بالمعنوية مع التقدم في العمر. ويرتبط هذا التراجع بشكل خاص بتراجع الإحساس بالانتماء، إذ انخفض الشعور بالانخراط في جماعة أو فريق من معدل 8.11 لدى الأطفال إلى 7.29 فقط لدى المراهقين، ما يشير إلى ضعف متزايد في الروابط الاجتماعية خلال مرحلة المراهقة.
وفي تفاصيل المؤشر جاءت أبرز الإجابات الإيجابية للمشاركين المغاربة متمثلة في عبارة “لدي أشخاص يهتمون بي”، التي سجلت أعلى معدل بواقع 8.68، تليها عبارة “أقضي وقتًا مع أصدقائي أو عائلتي”، بمعدل 8.43، ثم عبارة “أفكر في ما أريد أن أكون عليه أو أغيره في العالم عندما أكبر”، بمعدل 8.23. وفي المقابل برزت بعض الإجابات التي سجلت أدنى المعدلات، مثل عبارة “أسعى إلى أن أكون مثل قدوتي” بمعدل 7.07، و”أقضي وقتًا في الطبيعة” بمعدل 6.98، و”أفضل القيام بأمور تفيد من حولي” بمعدل 6.83. وتبرز هذه النتائج وجود فجوة بين الشعور بالدعم الاجتماعي والقدرة على تحمل المسؤولية الاجتماعية والمبادرة الفردية، وهي فجوة تستدعي تدخلات تربوية وثقافية تركز على بناء الحس المجتمعي والابتكار لدى الشباب.
وأظهر التقرير أيضًا وجود تباينات بين الجنسين في بعض المؤشرات داخل المغرب، إذ سجل الذكور معدلات أدنى من الإناث فيما يتعلق بالحصول على دعم عاطفي، ولاسيما في بند “لدي شخص أتحدث إليه عندما أكون مضطربًا عاطفيًا”، بالإضافة إلى مشاركتهم المنخفضة نسبيًا في الأنشطة الإبداعية. وهذه الفوارق الجندرية تسلط الضوء على ضرورة أن تكون السياسات الموجهة للشباب أكثر حساسية للجندر، تأخذ بعين الاعتبار الحواجز النفسية والاجتماعية التي يواجهها كل من الفتيان والفتيات في المجتمع المغربي.
الأسرة تراجعت أدوارها التربوية والرقابية، والدولة قصرت في إرساء سياسات عمومية فعالة في التعليم والترفيه والتكوين والحماية الاجتماعية؛ والقاصر ضحية هشاشة مجتمعية
وقال ايصبويا، الباحث في قضايا الشباب والمجتمع المدني، إنه من هنا تبرز الحاجة إلى تربية رقمية تحصن الشباب وتمكنهم من التمييز بين التعبير المشروع والانزلاق إلى العنف، مضيفا، أن المسؤولية مشتركة حيث يتوجب على الأسرة والمدرسة والإعلام الرقمي أن يتكاملوا في أداء دورهم وعلى المؤسسات أن توفر البدائل التربوية والثقافية والرياضية التي تمنح القاصرين فضاءات للتعبير والمشاركة حتى يكون الاحتجاج سلميا وبناء ويظل الشباب جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة.
من جهتها أكدت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أن الأسرة تراجعت أدوارها التربوية والرقابية، والدولة قصرت في إرساء سياسات عمومية فعالة في التعليم والترفيه والتكوين والحماية الاجتماعية؛ والقاصر ضحية هشاشة مجتمعية.
وأشارت إلى أنه ينبغي على مؤسسات الدولة المعنية التصدي لشبكات المخدرات وحبوب الهلوسة، والاستثمار في التعليم والتأطير والتكوين المهني، ودعم الأسر الهشة ، كما دعت إلى تشكيل “خلايا تواصل وإنصات” عاجلة على مستوى الأقاليم والعمالات، بمشاركة قطاع الشباب والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني المستقل، وذلك لمواكبة مطالب شباب “جيل زاد” تعمل حضوريًا ورقميًا (ومنصّات مثل تلغرام وديسكورد) لتلقي المطالب والتظلّمات، وجدولتها وتتبعها.
ويقدم مؤشر الشباب للمعنوية 2024–2025 رؤية عميقة عن واقع الأطفال والمراهقين في المغرب، ويطرح تحديًا صريحًا أمام صناع القرار ومؤسسات المجتمع المدني للعمل الجاد من أجل بناء بيئة تتيح للشباب ليس فقط الشعور بالمعنى، بل المشاركة الفعلية في صياغة مستقبلهم.
وشددت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، على التفاعل مع احتياجات هذه الفئة وصناعة الأمل، بفتح المراكز والنوادي الشبابية بساعات موسّعة لاحتضان حوارات دورية وورشات للتوجيه المهني والدعم النفسي-الاجتماعي، مع إجراءات ملموسة لتخفيف كلفة العلاج والأدوية ودعم الموارد البشرية الصحية في الجهات الهشة، وتدابير لتقليص كلفة الدراسة والنقل والمنح، وتوسيع برامج الإدماج المهني والتكوين السريع الموجّه للشباب العاطل، مع نشر خارطة طريق زمنية بالتزامات محددة ومؤشرات قابلة للقياس وتحيين دوري للرأي العام، والضمانات القانونية والمواكبة الحقوقية، خصوصًا للقاصرين.