مساع سورية لدعم مشاركة القطاع الخاص في إعادة بناء الاقتصاد
دمشق - يعكف المسؤولون السوريون على وضع خطط لتخطي إحدى أهم العقبات في إعادة بناء الاقتصاد، والمتمثلة في تعزيز مشاركة القطاع الخاص، وتسليمه جزءا من برامج التنمية، في ظل الضغوط المكثفة لجعل النمو يتعافى بشكل سريع.
وأكد وزير المالية محمد يسر برنية في تصريحات خلال معرض دمشق الدولي أن الحكومة تسعى في موازنة العام المقبل إلى “تشجيع الاستثمار وتمكين القطاع الخاص، مع التركيز في الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم إلى جانب تحسين رواتب القطاع العام.”
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية عن برنية قوله إن “موازنة 2026 تتضمن اهتماما كبيرا بالإنفاق الاستثماري،” موضحا أن الحكومة لا تريد مزاحمة القطاع الخاص “فكل المشاريع الاستثمارية متاحة أمامه.”
وسوريا في أمسّ الحاجة إلى الأموال للنهوض بالاقتصاد، لذلك تعمل في كل الاتجاهات من أجل تحسين علاقاتها مع جيرانها في الشرق الأوسط ومع المؤسسات المالية الدولية، وأيضا مع الصين وأوروبا والولايات المتحدة.
واعتمد المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي الموازنة العامة للدولة لعام 2025، بنحو 52.6 مليار ليرة (أكثر بقليل من 4 مليارات دولار). وهذا المبلغ قليل لمواجهة فجوات كثيرة تحتاج إلى مليارات الدولارات.
وأشار مستشار وزير المالية لسياسات الموازنة شفيق الحسيني إلى أن موازنة 2026 ستستند إلى ثلاثة مرتكزات أساسية.
وأوضح أنها تشمل رفع كفاءة العمليات الحكومية وتحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق رفاهية السوريين والأسرة، مع التركيز على ترسيخ الاستقرار وتمكين القطاع الخاص من دعم إعادة الإعمار وتعزيز الاستدامة والتنمية.
وأدت سنوات الحرب والصدمات الخارجية إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المزري في سوريا بنهاية العام الماضي، ما تسبب في تدهور غير مسبوق في معيشة الأسر مع انهيار الليرة وشح السلع من الأسواق حتى وصلت نسبة الفقر إلى 90 في المئة.
كما استنزف استمرار نقص التمويل والوصول المحدود إلى المساعدات الإنسانية قدرة السوريين على تلبية الاحتياجات الأساسية، مثل الغذاء والوقود، وسط ارتفاع الأسعار وانخفاض الوصول إلى الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات البطالة.
وبحسب تقديرات المركز السوري لبحوث السياسات، فإن إجمالي الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها البلاد يصل إلى 700 مليار دولار، وهو يعادل 35 مرة الناتج المحلي الإجمالي المسجل في 2022.
وتحت شعار “سوريا تستقبل العالم”، افتتح الرئيس أحمد الشرع الأربعاء الدورة الـ62 من المعرض، بعد توقف دام ستة أعوام، وذلك في إطار سعي دمشق إلى جذب الاستثمارات الخارجية.
وتشارك في المعرض قرابة 850 شركة محلية ودولية من أكثر من 20 دولة، بحسب المعلومات المتوفرة من بيانات الجهات المعنية بتنظيم هذا الحدث الذي تحتضنه العاصمة.
وأعلن الشرع في وقت سابق من الشهر الجاري أن بلاده جذبت استثمارات خارجية بقيمة 28 مليار دولار منذ إسقاط نظام بشار الأسد في نهاية العام الماضي، مرجحا أن تصل إلى مئة مليار دولار.
لكن التقديرات تشير إلى أن سوريا تحتاج إلى ما يزيد عن 800 مليار دولار لإعادة بناء ما دمرته الحرب، ما يعني أن دمشق ستكون في تحرك مستمر حتى تجذب الدعم الدولي وأيضا الممولين، علاوة على استقطاب استثمارات نوعية وإستراتيجية.
ومع رفع بعض العقوبات الغربية وتزايد الانفتاح الإقليمي، يرى خبراء ومحللون أن معركة الإعمار بدأت فعلياً، مع بروز الخليج كمحرك أساسي للمرحلة المقبلة، وسط سعي دمشق لإعادة تموضعها الاقتصادي والإستراتيجي في المنطقة.
وهذا الأسبوع باشر القطاع الخاص استلام زمام مبادرة تنمية العلاقات الاقتصادية بين السعودية وسوريا، مع استعداد مستثمرين لإطلاق مشاريع متنوعة في دمشق، خاصة في قطاعات الطاقة والاستثمار والصناعة والتجارة والنقل.
وكانت هذه التعهدات قد رشحت خلال فعاليات ملتقى الشراكة والاستثمار السعودي – السوري الذي عُقد في العاصمة السعودية الرياض.
وفي مطلع أغسطس الجاري وقعت سوريا اتفاقات بقيمة تزيد على 14 مليار دولار، تشمل استثمارات في مطار دمشق ومشاريع أخرى في مجالي النقل والعقارات.
وقال رئيس هيئة الاستثمار السورية طلال الهلالي، أثناء مراسم توقيع مذكرات التفاهم مع عدد من الشركات آنذاك، “لا تقتصر المشاريع على مجرد إعادة البناء، بل تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في البنية التحتية والحياة الاقتصادية.”
وقبل ثلاثة أشهر عادت سوريا رسميا إلى نظام سويفت العالمي، ما مكّن البلاد من تنفيذ عمليات التحويلات البنكية التي تُعتبر أساسية لتشغيل الأسواق المالية.