مسؤولون أميركيون: بعض السياسات الإسرائيلية خرجت عن السيطرة
واشنطن - تتجه العلاقات الأميركية-الإسرائيلية نحو اختبار دقيق وسط تحذيرات أميركية من تصاعد السياسات الأحادية للحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، والتي قد تهدد استقرار الاتفاقيات الميدانية والسياسية في غزة والضفة الغربية.
وأكدت مصادر دبلوماسية أميركية لمجلة بوليتيكو أن مسؤولين رفيعي المستوى عبروا لاحد الحلفاء العرب عن استيائهم من التحركات العسكرية والسياسية الإسرائيلية الأخيرة، واصفين إياها بأنها "خارج نطاق السيطرة"، خاصة بعد العملية العسكرية التي نفذتها تل أبيب في غزة والتي أسفرت عن مقتل أكثر من أربعين مدنيًا، رغم التعهدات الأميركية السابقة بأن يكون الرد محدودًا وحذرًا على هجوم يُزعم أنه شنته حركة حماس ضد جنديين إسرائيليين.
وعبر البيت الأبيض عن استياءه بشكل متزايد، مع ظهور علامات الانزعاج العلني من تصرفات حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد أسابيع قليلة من إعلان ترامب عن ما وصفه "باتفاق السلام التاريخي" لإنهاء الحرب في غزة.
وأفادت مصادر قريبة من المحادثات بأن نائب الرئيس جي. دي. فانس نقل رسالة شديدة اللهجة من ترامب إلى نتنياهو خلال اجتماع في القدس، شدد فيها على ضرورة الالتزام التام بوقف إطلاق النار، وحذر من أي إجراءات أحادية، بما في ذلك أي خطوات نحو ضم أجزاء من الضفة الغربية، والتي اعتبرها الرئيس غير مقبولة في هذا التوقيت الحساس.
وازددت الانتقادات الأميركية حدتها بعد تصويت الكنيست الإسرائيلي لصالح مشروع ضم الأراضي، وهو القرار الذي وصفته الإدارة الأميركية بأنه يمثل "مغامرة سياسية" ويعرض الاتفاقيات الميدانية للخطر. واشار مسؤول أميركي رفيع إلى أن التصريحات العلنية لكبار المسؤولين الأميركيين تعكس الموقف الحقيقي للرئيس تجاه الخطوات الإسرائيلية الأحادية، محذرًا من أنها قد تؤدي إلى توتر العلاقات الثنائية بين واشنطن وتل أبيب.
وفي مقابلة حديثة، حذر ترامب من أن إسرائيل قد تواجه فقدان الدعم الاستراتيجي الأميركي إذا استمرت في سياساتها الأحادية، في إشارة إلى الضغوط الداخلية التي يواجهها نتنياهو من الأحزاب اليمينية، والتي تدفعه نحو المضي قدماً في ضم الضفة الغربية، رغم الالتزام الأميركي المعلن بعدم اتخاذ خطوات أحادية.
وحاولت المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، تخفيف حدة الموقف الإعلامي، مؤكدة أن خطة السلام الرئاسية تسير وفق المسار المخطط له، وأن التحركات الأخيرة لمسؤولين أميركيين في المنطقة تعكس حرص الإدارة على دعم استقرار الشرق الأوسط وتحقيق اتفاق مستدام.
وإدراكًا لغضب واشنطن، أصدر نتنياهو بيانًا يوضح فيه موقفه من تصويت الكنيست، واصفًا الخطوة بأنها “استفزاز سياسي” من المعارضة. ويلاحظ المحللون أن البيان صدر أولًا باللغة الإنجليزية، في مؤشر على أن الرسالة موجهة بالدرجة الأولى للرأي العام الأميركي والغربي، وليس الداخلي الإسرائيلي.
لكن المعضلة السياسية قائمة فنتنياهو مضطر للتوفيق بين الحفاظ على الدعم الأميركي، وهو أساس شرعيته السياسية داخليًا، وبين تلبية مطالب اليمين الإسرائيلي المؤيد للضم الكامل للضفة الغربية، مما يجعله محاصرًا بين الضغوط الداخلية والمطالب الخارجية.
من جانب آخر، حذر نائب الرئيس فانس من أن تصويت الكنيست يشكل "خطأ استراتيجيًا وإهانة شخصية" بعد اجتماعه مع نتنياهو، فيما اعتبر وزير الخارجية ماركو روبيو أن الخطوة "تهدد فرص السلام المحتمل وتضعف المفاوضات الحالية".
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن إسرائيل تواجه اختبارًا صعبًا بين مواصلة السياسات الأحادية، أو الحفاظ على الثقة والدعم الأميركي، الذي يعد حجر الزاوية في استقرارها السياسي والعسكري. واشنطن ترى في أي خطوات أحادية، سواء ضم الأراضي أو التصعيد العسكري في غزة، مخاطرة حقيقية بإفشال الاتفاقيات، ما قد يؤدي إلى فجوة دبلوماسية حادة بين الحليفين.
ويأتي هذا التوتر في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة على إنقاذ اتفاقية الهدنة في غزة من خلال زيارات دبلوماسية ووساطات مكثفة، وسط مخاوف من أن أي تصعيد إضافي قد يحول "الاتفاق التاريخي" إلى أزمة دبلوماسية مفتوحة، ويعيد تشكيل الديناميات الاستراتيجية في المنطقة.
ويحذر محللون من أن السياسات الأحادية لليمين الإسرائيلي، سواء فيما يتعلق بالضم أو التحركات العسكرية غير المنضبطة، تمثل أخطر اختبار للعلاقات الأميركية-الإسرائيلية منذ سنوات، وقد يكون لها أثر طويل الأمد على استقرار اتفاقيات السلام في الشرق الأوسط.