مزيج من التفاعلات الاقتصادية تبقي الذهب في مسار صعودي
مع استمرار تقلبات الأسواق العالمية وتزايد الضغوط الجيوسياسية والحرب التجارية والتضخم المستمر، يبرز الذهب مرة أخرى كملاذ آمن للمستثمرين بعدما شهدت أسعاره ارتفاعًا مطردًا في الآونة الأخيرة مدفوعةً بمزيج معقد من التفاعلات الاقتصادية.
لندن - سجّلت أسعار الذهب مستوى قياسيًا جديدًا عند 3578 دولارًا للأونصة الأربعاء، مُواصلةً صعودها الذي عززها بأكثر من 90 في المئة منذ أواخر عام 2022. ومن المتوقع أن يظل الطلب قويًا لبعض الوقت نتيجةً لمجموعة من العوامل.
ومع ذلك تراجع السعر الخميس إلى 3530.69 دولار للأونصة وسط جني أرباح بعد أن سجل أعلى مستوى له على الإطلاق مدفوعا بتوقعات خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، بينما يتطلع المستثمرون إلى صدور بيانات الوظائف الأميركية هذا الأسبوع.
كما انحصرت العقود الأميركية الآجلة للذهب تسليم شهر ديسمبر المقبل بواقع 1.3 في المئة إلى 3590 دولارا.
وقال برايان لان، المدير الإداري لشركة غولد سيلفر سنترال، لرويترز “شهدنا بعض عمليات جني الأرباح، لكن الذهب لا يزال في سوق صاعدة في الوقت الراهن.”
وأضاف “ستعزز توقعات خفض الفائدة والمخاوف بشأن استقلالية مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الطلب على الملاذ الآمن.” وتابع “لن نتفاجأ حتى لو ارتفعت أسعار الذهب إلى 3800 دولار أو حتى أعلى من ذلك في الأجل القريب.”
ويرى عدد من مسؤولي مجلس الاحتياطي الاتحادي أن المخاوف المتعلقة بسوق العمل لا تزال تعزز اعتقادهم بأن خفض أسعار الفائدة قريب. ويعتقد عضو مجلس المحافظين كريستوفر والر أن البنك المركزي يتعين عليه خفض الفائدة في اجتماعه المقبل.
ووفق أداة فيد ووتش التابعة لسي.أم.إي، يرى المتعاملون حاليا فرصة بنسبة 97 في المئة لخفض الفائدة 25 نقطة أساس في ختام اجتماع السياسة النقدية للبنك المركزي الذي يستمر يومين وينتهي في السابع عشر من الشهر الجاري، ارتفاعا من 92 في المئة قبل صدور البيانات.
وعادة ما يحقق المعدن الأصفر الذي لا يدر عوائد أداء جيدا في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة.
وتُعدّ مشتريات البنوك المركزية والطلب الاستثماري القوي، والذي يتجلى في التدفقات الداخلة إلى صناديق الذهب المتداولة في البورصة والمدعومة ماديًا، من العوامل الرئيسية الدافعة إلى صعود سعر الذهب.
وكل ذلك مدفوع بتقلبات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السياسة الأمنية الغربية، وحروبه التجارية مع دول أخرى، والمخاوف بشأن استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي).
وتجاوزت مشتريات البنوك المركزية الصافية السنوية من الذهب ألف طن سنويًا منذ عام 2022، وفقًا لشركة الاستشارات ميتالز فوكس، التي تتوقع شراء 900 طن هذا العام، أي ضعف المتوسط السنوي البالغ 457 طنًا في الفترة 2016 و2021.
وتسعى الدول النامية إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن الدولار بعد أن جمّدت العقوبات الغربية ما يقرب من نصف احتياطيات روسيا الرسمية من العملات الأجنبية في عام 2022.
ولا تعكس الأرقام الرسمية المُبلّغ عنها لصندوق النقد الدولي سوى 34 في المئة من إجمالي تقديرات طلب البنوك المركزية على الذهب لعام 2024، وفقًا لمجلس الذهب العالمي، وهو هيئة صناعية.
وقد ساهمت بنسبة 23 في المئة من إجمالي الطلب السنوي على الذهب في الفترة 2022 و2025، أي ضعف متوسط الحصة المسجلة خلال العقد الثاني من القرن الحالي.
وانخفض الطلب على الذهب للمجوهرات، المصدر الرئيسي للطلب المادي، بنسبة 14 في المئة ليصل إلى 341 طنًا في الربع الثاني من عام 2025.
وهذا المستوى هو أدنى مستوى له منذ الربع الثالث من عام 2020 الذي اجتاحته جائحة كورونا، حيث أدى ارتفاع الأسعار إلى عزوف المشترين، وفقًا لمجلس الذهب العالمي.
وأدى ارتفاع الأسعار إلى هذا الانخفاض، والذي جاء معظمه من أكبر الأسواق، وتحديدا الصين والهند اللتين تراجعت حصتهما في السوق مجتمعتين إلى أقل من 50 في المئة للمرة الثالثة فقط في السنوات الخمس الماضية، وفقًا لتقديرات مجلس الذهب العالمي.
900
طن مشتريات هذا العام، أي ضعف المتوسط السنوي البالغ 457 طنًا بين 2016 و2021
وتوقعت ميتالز فوكس أن ينخفض تصنيع المجوهرات الذهبية بنسبة 9 في المئة ليصل إلى 2011 طنًا في عام 2024، وسيشهد انخفاضًا بنسبة 16 في المئة هذا العام.
ويتساءل المحللون عما إذا كان الناس سيستمرون في شراء سبائك وعملات ذهبية صغيرة، حيث شهدت سوق الاستثمار بالتجزئة تحولًا كبيرًا في الإقبال على المنتجات المختلفة، لكن إجمالي المشتريات في هذا القطاع لا يزال قويًا.
وارتفع الطلب الاستثماري على سبائك الذهب بنسبة 10 في المئة خلال عام 2024، بينما انخفض شراء العملات بنسبة 31 في المئة، وفقًا لمجلس الذهب العالمي، الذي أشار إلى أن هذا الاتجاه امتد إلى هذا العام.
وترجح شركة ميتالز فوكس ارتفاع صافي الاستثمار المادي بنسبة اثنين في المئة هذا العام ليصل إلى 1218 طنًا، مع استمرار ارتفاع الطلب في آسيا وسط توقعات إيجابية لأسعار الذهب.
وأصبحت صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب مصدرًا أكثر أهمية للطلب على الذهب هذا العام، حيث سجلت تدفقات بلغت 397 طنًا في الفترة من يناير إلى يونيو، وهو أكبر تدفق لها في النصف الأول من العام منذ عام 2020، وفقًا لمجلس الذهب العالمي.
وبلغ إجمالي حيازات صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب قرابة 3616 طنًا بنهاية يونيو، وهو الأكبر منذ أغسطس 2022. وكان رقمها القياسي 3915 طنًا قبل خمس سنوات.
ومن المحتمل أن يبلغ صافي الاستثمار في صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب 500 طن في عام 2025، بعد خروج سبعة أطنان من الاستثمارات في عام 2024، بحسب خبراء فوكس.