محذور المقاطعة الشعبية يتربص بالانتخابات العراقية
الانتخابات التي يباهي بها القائمون على العملية السياسية في العراق باعتبارها عنوانا للتجربة الديمقراطية يمكن أن تحولها المقاطعة الشعبية لصناديق الاقتراع إلى نقطة ضعف ومطعن في العملية ذاتها وفي شرعية النظام بحدّ ذاته، الأمر الذي يفسّر حالة القلق التي تخترق صفوف القوى والشخصيات القائدة للتجربة والمستفيدة منها ودعواتها المتكررة للعراقيين للإقبال على الانتخاب في الحادي عشر من نوفمبر القادم.
بغداد- تحول عزوف الناخبين عن الاقتراع في الانتخابات البرلمانية إلى هاجس للسياسيين العراقيين وخصوصا منهم المرشحين لخوض الاستحقاق القادم المقرر لشهر نوفمبر من السنة الجارية.
ويستند القلق من ضعف المشاركة الشعبية في الانتخابات إلى قراءة واقعية لمزاج الشارع الذي فقد ثقته تدريجيا بالعملية السياسية وبصناديق الاقتراع ومخرجاتها وتأثيرها على الواقع، نظرا لكون القوى الرئيسية ذاتها التي تشارك في الانتخابات على مدى الدورات الخمس الماضية ظلت ممسكة بالسلطة ما يعني أنّ النتائج شبه محسومة سلفا، مع تعديلات جزئية غير مؤثرة، لمصلحة تلك القوى التي تعرف كيف تفوز وتحافظ على مكاسبها ومكانتها باستخدام العديد من الوسائل والطرق التي لا يستثنى منها توظيف سلطة المال والسلاح، وحتى التزوير.
وما يكرّس سيناريو المقاطعة الشعبية للانتخابات القادمة وجود كتلة جماهيرية كبيرة خارج المعترك الانتخابي، متمثلة في جمهور تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي أعلن قراره بعدم مشاركة التيار الوطني الشيعي في الاستحقاق القادم ودعا أنصاره أيضا إلى مقاطعته كي لا يساهموا في تزكية من يعتبرهم فاسدين وسراقا للمال العام.
ويضع العزوف الانتخابي النظام العراقي والقائمين عليه أمام أزمة شرعية سبق له أن واجهها بحدّة عندما انتفض الشارع ضدّه في سنة 2019 وطالب بإسقاطه ورحيل جميع رموزه.
وبدفع من هذه الهواجس تتواتر دعوات السياسيين والقادة العراقيين لجمهور الناخبين للمشاركة بكثافة في انتخابات نوفمبر القادم التي يرى بعض المراقبين أنّ لها أهمية استثنائية في تكريس الاستقرار السياسي والأمني للبلد الذي أظهرت حكومته الحالية رغبة في تنشيط اقتصاده وتسريع وتيرة التنمية فيه وإعادة صياغة علاقاته الخارجية إقليميا ودوليا.
◙ ما يكرس سيناريو المقاطعة الشعبية للانتخابات وجود كتلة جماهيرية كبيرة خارج المعترك متمثلة في جمهور تيار مقتدى الصدر
وحذر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الثلاثاء، من العزوف عن المشاركة في الانتخابات، معتبرا في كلمة له بمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية أن الانتخاب يمثّل الآلية الأساسية لديمومة المسار الديمقراطي وتهيئة متطلباته.
وأضاف مخاطبا الحضور في احتفالية أقيمت بالمناسبة في العاصمة بغداد “نؤمن بأن الصوت الواحد هو أمانة ويقف خلفه المواطن.. وأن التخلي عن هذا الواجب يعني حضور البديل السيئ بمشاريعه الفاسدة التي تتقدم فيها المصالح الشخصية على مصالح الشعب.”
كما طمأن السوداني الرأي العام بأنّ الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد وتحت حماية ورعاية الدولة العراقية، مؤكّدا قوله “قدمنا الدعم الكامل للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات لإجراء سادس انتخابات في العراق، ولن نسمح لأي طرف بتعكير صفو هذه الممارسة.”
ويرد السوداني بذلك على توقّعات تتداولها بعض الأوساط بشأن إمكانية تأجيل الانتخابات تجنبا لإمكانية فشلها بسبب كثرة الخلافات والصراعات حولها وشبح المقاطعة الشعبية الذي يخيّم عليها.
وشمل اجتماع عقده الإطار التنسيقي المشكّل لحكومة السوداني، والمؤلف من مجموعة الأحزاب والفصائل الشيعية الرئيسية، النظر في مسألة الانتخابات حيث شدّد من جهته في بيان أصدره إثر الاجتماع على ضرورة إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده المحدّد بالحادي عشر من شهر نوفمبر القادم.
وورد في البيان تأكيد المجتمعين على ضرورة “توفير الأجواء الملائمة لإنجاح الانتخابات وضمان شفافيتها ونزاهتها، بما يرسخ ثقة المواطنين ويعزز المسار الديمقراطي.”
ويجد كبار قادة الإطار التنسيقي مصلحة كبرى في إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها وضمان أكبر مشاركة شعبية فيها حتى تكون ضمانة لاستمرار النظام الذي يشرفون عليه والحفاظ على مكانتهم فيه والامتيازات الكبيرة التي تتأتى لهم منه.
ويبرز من بين المهتمين بإجراء الانتخابات القادمة في موعدها واتساع المشاركة الشعبية فيها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي قد يرى في غياب غريمه مقتدى الصدر عن الاستحقاق فرصة للعودة إلى المنصب التنفيذي الأهم في السلطة الاتحادية العراقية.
وحثّ المالكي خلال حفل نظمه مؤخرا ائتلافه دولة القانون بحضور شيوخ وزعماء عشائر في بغداد العراقيين على المشاركة بكثافة في الانتخابات.
كما جدّد رفضه لتأجيل الاستحقاق وتمديد فترة الحكومة الحالية قائلا “لا يوجد لدينا شيء في الدستور أو القانون اسمه حكومة طوارئ أو تصريف أعمال، ويجب تهيئة المناخ وعقد المؤتمرات الخاصة بالاستعداد للمشاركة الفاعلة في الانتخابات المقبلة.”