مبادرة نائب البرهان تشوش على جهود الرباعية
الخرطوم- أثارت المبادرة السياسية التي طرحها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق مالك عقار، بعنوان “نحو سودان موحد آمن ومتطور”، تحفظات قوى مدنية في السودان، رأت في المبادرة عملية تشويش مقصودة على جهود الرباعية الدولية لبلورة خطة سلام تفصيلية لحل النزاع في البلاد.
وتستعد واشنطن لاحتضان اجتماعات للآلية الرباعية، في الرابع والعشرين من أكتوبر الجاري، لبحث الأزمة السودانية، وسط ترجيحات بأن تكون المبادرة التي طرحتها الرباعية في سبتمبر الماضي المرجع الرئيسي للاجتماعات المرتقبة.
وتتضمن مبادرة الرباعية جملة من البنود أبرزها إعلان هدنة إنسانية لمدة ستة أشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع، يجري خلالها الجانبان مفاوضات، مع الإشارة إلى وجوب إقصاء فلول النظام السابق من لعب أي دور مستقبلي.
وأثارت تلك المبادرة ردود فعل رافضة من الجيش وحلفائه الإسلاميين، قبل أن يبدي قائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، مؤخرا مرونة في استجابة على ما يبدو لمطالب مصرية بالانفتاح على جهود الرباعية.
عقار اقترح تشكيل ثلاث لجان قومية تتولى مهام تأسيسية محورية، تشمل لجنة لإعداد المؤتمر الدستوري، وأخرى لصياغة دستور جديد، وثالثة للتحقيق في انتهاكات وجرائم الحرب
وقال البرهان السبت إنه منفتح على أي جهد لإنهاء النزاع في السودان لكن ضمن شروط، وأوضح أن “أي طرف، سواء كان الرباعية أو غيرها، يريد أن يتفاوض معنا على ما يصلح للسودان والسودانيين، وينهي هذه الحرب بصورة تعيد للسودان كرامته ووحدته، وتمنع أي احتمال لتمرد آخر، فنحن مستعدون للتعاون معه،” مستدركا بالقول “لكن لن يُفرض علينا سلام أو حكومة أو شخص رفضه الشعب.”
ويرى متابعون أن تصريحات البرهان تشير إلى أنه لا يزال على الموقف ذاته، وإن خفف من حدة خطابه تجاه تحركات الرباعية، بطلب على ما يبدو من مصر، خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة.
ويلفت المتابعون إلى أن المبادرة التي طرحها نائبه السبت تؤكد أن البرهان ليس مستعدا بعد لإنهاء الحرب، وأنه لا يزال يناور للتملص من أي استحقاق جدي للسلام.
وقال عقار، الذي يرأس أيضا الحركة الشعبية “الجبهة الثورية”، إن المبادرة تسعى إلى توحيد القوى المجتمعية السودانية، سواء كانت سياسية أو مدنية، ضمن مشروع تأسيسي يضع خارطة طريق واضحة لإعادة بناء الدولة بعد سنوات من النزاع.
وأكد عقار أن هذه الرؤية تستند إلى إرث تاريخي غني وإمكانات بشرية وطبيعية كبيرة، وتهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتعددية الثقافية، إلى جانب تعزيز الوحدة الوطنية والسيادة، وإصلاح المؤسسات الإدارية والتعليمية.
وأوضح أن تنفيذ هذا البرنامج لا يمكن أن يتم بمعزل عن القوى السياسية والمكونات المجتمعية الفاعلة، مشددًا على ضرورة إطلاق خطة عمل تبدأ بترتيبات أمنية واضحة.
ويتساءل المتابعون عن كيفية توحيد القوى المجتمعية والسياسية فيما يجري استهداف القوى المتحفظة على الحرب.
وأشار نائب البرهان إلى أن القوات المسلحة يجب أن تباشر تنفيذ إجراءات نزع السلاح وإعادة دمج المقاتلين، بما يتيح للحركات المسلحة التحول إلى تنظيمات سياسية مدنية قبل الدخول في أي عملية انتخابية.
كما أكد أن الجيش يجب أن يكون الضامن الأساسي للفترة الانتقالية، بما يضمن استقرار العملية السياسية ويحول دون الانزلاق إلى صراعات جديدة. هذه الخطوات، بحسب عقار، تشكل الأساس لأي عملية تأسيس حقيقية للدولة، وتضع إطارًا عمليًا للانتقال من حالة الحرب إلى السلام المستدام.
عبدالفتاح البرهان: لن يُفرض علينا سلام أو حكومة أو شخص رفضه الشعب
ودعا عقار مجلس السيادة إلى إطلاق عملية تشاور واسعة النطاق تشمل جميع القوى السياسية والمجتمعية والشبابية، إضافة إلى الحركات المسلحة، بهدف عرض رؤية متكاملة لسودان ما بعد الحرب.
وأكد أن عملية التأسيس يجب أن تقوم على مبدأ الشمول الكامل، بحيث لا تُستثنى أي جهة فاعلة من الحوار الوطني. وشدد على أن الانتقال إلى الشرعية الانتخابية يتطلب وقتًا كافيًا لاستكمال عملية التأسيس، محذرا من أن أي استعجال في إجراء الانتخابات قد يكون مدفوعًا برغبة في تحقيق مكاسب سياسية ضيقة، وليس في خدمة المصلحة الوطنية. كما أشار إلى ضرورة تجاوز حالة الاستقطاب الحاد بين القوى السياسية، وفتح المجال أمام توافق وطني حقيقي.
واقترح عقار تشكيل ثلاث لجان قومية تتولى مهام تأسيسية محورية، تشمل لجنة لإعداد المؤتمر الدستوري، وأخرى لصياغة دستور جديد، وثالثة للتحقيق في انتهاكات وجرائم الحرب التي وقعت في أبريل 2023.
وأوضح أن هذه اللجان ستعمل على وضع مسودة مشروع شامل لتحقيق العدالة الجنائية والانتقالية، إلى جانب إطلاق مسارات للمصالحة الوطنية. هذه الخطوات، وفقًا لرؤية عقار، تمثل حجر الأساس لبناء مؤسسات دولة حديثة قادرة على تجاوز آثار الحرب، وتحقيق العدالة، وترسيخ مبدأ المحاسبة، بما يعزز ثقة المواطنين بالعملية السياسية.
وأكد عقار على أهمية إجراء مصالحات مجتمعية واسعة تهدف إلى تعزيز التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع السوداني. وشدد على أن بسط الأمن والاستقرار لا يمكن تحقيقه دون معالجة التوترات المجتمعية، ووضع برنامج عملي لنزع السلاح من أيدي المجموعات المسلحة، سواء تلك المناوئة للتمرد أو المؤيدة له.
وأشار إلى أن هذه الإجراءات يجب أن تُنفذ ضمن إطار وطني جامع، يضع مصلحة البلاد فوق أي اعتبارات سياسية أو فئوية، ويؤسس لمرحلة جديدة من البناء الوطني القائم على الحوار والمصالحة والعدالة والتنمية.
ويرى محللون أن مبادرة عقار وإن تضمنت نقاطا إيجابية، ومنها إشراك جميع القوى المدنية والسياسية في الحل، فإنها تغاضت عن نقطة محورية وهي كيفية التعامل مع طرف رئيسي في الحرب يسيطر على مناطق واسعة في البلاد، أي قوات الدعم السريع.