مالي تلمّح لتورط الجزائر في دعم جماعة إرهابية
باماكو - أعلنت هيئة الأركان العامة في مالي عن إحباط عملية تسليح معقدة كانت تستهدف دعم تنظيم إرهابي ناشط داخل الأراضي المالية، في وقت أثارت فيه تصريحات المسؤولين الماليين تساؤلات كثيرة، بسبب تلميحاتهم إلى "ضلوع دولة مجاورة" في العملية، وسط مؤشرات قوية تفيد بأن الجزائر هي المقصودة، في سياق تصعيد مستمر بين البلدين.
وكشفت الكولونيل مريم ساغارا، المتحدثة باسم الجيش المالي، في بيان رسمي بثّته وسائل إعلام محلية، أن القوات المسلحة تمكنت من اعتراض شحنة ضخمة تضم معدات عسكرية ولوجستية متطورة، كانت في طريقها إلى إحدى الجماعات الإرهابية النشطة في مناطق النزاع بشمال البلاد.
ورغم أن البيان لم يُسمِّ الدولة التي انطلقت منها الشحنة، فإن لغة التصريح، وتوقيته السياسي، أشارا بوضوح إلى الجزائر، خاصة في ظل القطيعة الدبلوماسية المتصاعدة بين الجزائر وباماكو، والاتهامات السابقة التي وجّهتها مالي لجارتها الشرقية بدعم فصائل انفصالية مسلّحة.
ووفقًا للبيان الرسمي، فإن الأسلحة والمعدات تم تصنيعها في إحدى الدول الآسيوية، ثم تم تمريرها عبر دولة مجاورة قبل أن تصل إلى الأراضي المالية. وأوضحت هيئة الأركان أن الكشف عن الشحنة تم بفضل تنسيق استخباراتي واسع بين مالي وشريكيها في تحالف الساحل الإفريقي الجديد المعروف باسم "AES"، الذي يضم إلى جانب مالي كلًا من بوركينا فاسو والنيجر وبمساندة من "دولة شريكة في المنطقة" دون ذكرها.
وتضم الشحنة المضبوطة، حسب المعطيات التي كشفها البيان، ترسانة لوجستية توحي بعملية دعم ممنهجة: 20 مدفعًا هوائيًا مزودًا بأنظمة تعبئة، و4 آلاف توربين، وآلاف من الألبسة والأحذية العسكرية، فضلًا عن آلاف الشارات التي تحمل شعار التنظيم المستهدف. كما عُثر على 20 صندوقًا إضافيًا يحتوي على قمصان عسكرية، مما يعكس بحسب الجيش المالي "تنظيمًا عالي المستوى لعملية الإمداد"، وتورط جهات خارجية في تمويلها.
ويقول مراقبون إن استعمال مصطلح "دولة مجاورة" لا يمكن فصله عن السياق المتوتر للعلاقات بين مالي والجزائر، التي سبق أن اتُهمت صراحة في بيانات حكومية مالية بدعم "انفصاليين إرهابيين" في الشمال المالي، وبتقويض جهود باماكو في استعادة الأمن بعد سنوات من الفوضى والنزاع المسلح.
ويضيف المحللون أن البيان المالي الأخير يُعدّ حلقة جديدة في سلسلة الاتهامات غير المباشرة التي تحاول من خلالها باماكو تسليط الضوء على ما تعتبره "دورًا سلبيًا" تلعبه الجزائر في تعقيد الوضع الأمني بالساحل، عبر دعم أطراف غير نظامية، وتمويل مجموعات مسلحة تتعارض مع سلطة الدولة المركزية في مالي.
وأفادت هيئة الأركان المالية أن السلطات القضائية باشرت تحقيقًا موسعًا لتحديد مسارات الشحنة، وتفكيك الشبكات الضالعة فيها، سواء داخل البلاد أو في الدول المرتبطة بالعملية. كما حذرت المؤسسة العسكرية من استمرار "الضلوع الخارجي" في زعزعة أمن منطقة الساحل، معتبرة أن هذه الممارسات تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المالي، وللجهود الجماعية لاستعادة الاستقرار في المنطقة.
وقالت القيادة العسكرية المالية، في لهجة تصعيدية، إن الجيش سيواصل عملياته الاستباقية لملاحقة شبكات التسليح غير الشرعي، في إطار ما وصفته بـ"معركة مفتوحة ضد الإرهاب ومن يدعمه"، مؤكدة التزامها بضمان وحدة البلاد واستقلال قرارها السيادي.
البيان أشار إلى أن عملية إحباط التهريب جاءت نتيجة تعاون وثيق داخل تحالف "دول الساحل" الجديد، وهو كيان إقليمي تم إنشاؤه بعد انسحاب الدول الثلاث (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) من مجموعة دول غرب إفريقيا "إيكواس"، ليشكّل جبهة أمنية وسياسية بديلة أكثر تحررًا من الضغوط الغربية.
ويرى محللون أن ما تسميه هذه الدول بـ"الاختراقات الخارجية"، خصوصًا من طرف الجزائر، دفعها إلى إعادة بناء شبكات أمنية مغلقة، تقوم على تبادل استخباراتي داخلي وتنسيق عسكري ميداني بعيدًا عن الأطر التقليدية للتعاون الإقليمي.
الخلاف بين باماكو والجزائر لم يبدأ مع هذه الحادثة، بل تعود جذوره إلى سنوات، حيث تتهم السلطات المالية الجزائر برعاية حركات الطوارق المسلحة في الشمال، وبمحاولة التأثير على مخرجات الحوار الوطني المالي بما يخدم أجنداتها الإقليمية. وتفاقم هذا التوتر بعد إعلان مالي طرد السفير الجزائري العام الماضي، واتهام الجزائر بمحاولة فرض وصاية سياسية على قرارات باماكو السيادية.
وفي المقابل، ترفض الجزائر هذه الاتهامات، وتدّعي أنها تسعى إلى "مصالحة شاملة" في مالي، وتحقيق استقرار دائم عبر مبادرة اتفاق الجزائر للسلام، رغم أن باماكو اعتبرت هذا الاتفاق مجمّداً منذ وصول المجلس العسكري إلى السلطة.
التطور الأخير يعكس تعمق الهوة بين البلدين، وسط مؤشرات متزايدة على احتمالية تحول التوتر الدبلوماسي إلى مواجهة أمنية بالوكالة، خصوصًا إذا ما ثبت، وفق التحقيقات الجارية، تورط أطراف جزائرية رسمية أو غير رسمية في دعم مجموعات مسلحة داخل الأراضي المالية.
ويرى محللون أن المنطقة مقبلة على مرحلة شديدة التعقيد، إذ تزداد فيها حدة الاستقطاب بين محاور إقليمية تتنافس على النفوذ، في ظل انسحاب تدريجي للقوى الغربية، وتصاعد أدوار روسيا وتركيا، وتحالفات جديدة بدأت ترسم ملامح مشهد أمني وجيوسياسي مختلف تمامًا عن العقد الماضي.