ماكرون يكابد في مواجهة واحدة من أعقد الأزمات السياسية
باريس - قال قصر الإليزيه إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اختار الثلاثاء وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو رئيسا جديدا للوزراء، وهو خامس شخص يتولى المنصب في أقل من عامين خلال عهده.
وجاء هذا الاختيار بعد يوم واحد من الإطاحة برئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو في اقتراع بسحب الثقة بسبب سياساته لخفض الإنفاق العام.
ويواجه ليكورنو مهمة صعبة تتمثل في إقرار ميزانية العام المقبل في برلمان مشحون بالخلافات ومنقسم بشدة.
ويواجه ماكرون واحدة من أعقد الأزمات السياسية والمالية منذ عقود ومنذ توليه الرئاسة في مناسبتين، بعد استقالة رئيس الوزراء فرنسوا بايرو الثلاثاء، غداة حجب الثقة عن حكومته في الجمعية الوطنية. ووضع الاستقالة ماكرون أمام تحدي إيجاد بديل "خلال أيام قليلة"، بحسب ما أعلن قصر الإليزيه.
واستعجل الرئيس الفرنسي تعيين ليكورنو قبيل سفره إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة يومي 22 و23 سبتمبر، حيث يُنتظر أن يعلن اعتراف فرنسا بدولة فلسطين. وسيكون خليفة بايرو خامس رئيس وزراء منذ بداية الولاية الثانية لماكرون في 2022، والثالث خلال عام واحد فقط، في سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة.
وليس واضحا ما اذا كان خليفة بايرو سيحتوي الأزمة الراهنة، لكن المؤكد أنه سيجد نفسه أمام اختبار صعب ووضع شديد التعقيد على أكثر من جبهة ما يثير الشكوك حول ما اذا كان سينجح في ما فشل فيه أسلافه وآخرهم بايرو.
أزمة برلمانية متفاقمة
ولا يزال البرلمان الفرنسي منقسما بين ثلاثة أقطاب رئيسية: اليسار، واليمين الوسط، واليمين المتطرف، ما يعقّد مهمة تشكيل حكومة مستقرة منذ حلّ الجمعية الوطنية في يونيو 2024.
وتبدو التوازنات صعبة في ظل مشهد سياسي ملتبس ومعقد: اليمين المتطرف بقيادة جوردان بارديلا يطالب بانتخابات تشريعية جديدة ويتعهد برفض أي حكومة تستمر بسياسات ماكرون السابقة. أما اليسار الراديكالي، فيدعو إلى استقالة الرئيس نفسه، في حين يتمسك الحزب الاشتراكي بأن يكون اليسار على رأس الحكومة، باعتباره الفائز الأكبر في الانتخابات الأخيرة.
ضغوط اقتصادية ومالية
وأطاحت الجمعية الوطنية بحكومة بايرو بسبب مشروع موازنة يهدف لتوفير 44 مليار يورو في 2026، لخفض الدين العام الذي بلغ 114 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وأثار القرار قلق الأسواق المالية، إذ ارتفع عائد السندات الفرنسية لعشر سنوات إلى مستوى نظيرتها الإيطالية لأول مرة منذ 15 عاماً. كما يُرتقب أن تصدر وكالة فيتش، الجمعة، تقييمها للتصنيف الائتماني لفرنسا، وسط مخاوف من خفض جديد قد يزيد الضغوط المالية.
غليان شعبي
وإلى جانب الأزمة السياسية والمالية، تلوح في الأفق تحركات اجتماعية واسعة، فقد ظهر حراك جديد تحت شعار "لنشلّ كل شيء" بدعم من نقابات واليسار الراديكالي، يدعو إلى تعطيل البلاد ابتداءً من الأربعاء.
وأعلنت وزارة الداخلية نشر 80 ألف عنصر أمن لمواجهة مئات المظاهرات، فيما توقعت هيئة الطيران المدني اضطرابات في جميع المطارات. كما دعت النقابات إلى إضراب عام جديد في 18 سبتمبر.
وتزيد استطلاعات الرأي من هشاشة موقف ماكرون، إذ أظهرت أن نحو 77 في المئة من الفرنسيين غير راضين عن أدائه، في أدنى مستوى لشعبيته منذ 2017.
وأثارت تطورات الأزمة الفرنسية قلق الصحافة العالمية، فقد رأت نيويورك تايمز أن فرنسا "غارقة في حالة من عدم الاستقرار السياسي المزمن"، بينما حذرت فاينانشال تايمز من تداعيات الأزمة على الأسواق، واعتبرت زود دويتشه تسايتونغ أن البلاد "مهددة بشلل كبير". أما صحيفة إل باييس الإسبانية فشددت على ضرورة معالجة "الحقيقة المرة" التي عبّر عنها بايرو بشأن المالية العامة.