لماذا لا يمكن الاستغناء عن تقييمات وكالات التصنيف الائتماني
نيويورك - يُعدّ انتقاد وكالات التصنيف الائتماني هوايةً مُفضّلةً لدى العديد من المشاركين في سوق الدين. ومع ذلك، يبدو أن المصلحة الذاتية هي الدافع وراء ذلك، ويشير التاريخ إلى أن هؤلاء المُقيّمين، الذين لطالما تعرضوا للانتقاد، يؤدّون عملا جيدا.
وتعطي هذه الوكالات، مثل موديز لخدمات المستثمرين، وستاندرد آند بورز غلوبال، وفيتش للتصنيف الائتماني، تصنيفا حرفيا للشركة أو الورقة المالية يُشير إلى خطر التخلف عن السداد.
ومثلا يُشير تصنيف أي.أي.أي إلى أدنى مستوى من المخاطر، بينما يُشير تصنيف سي إلى أن الدين المعني لديه فرصة جيدة للتخلف عن السداد.
ومن الانتقادات الشائعة لهذه الوكالات أن تقييماتها مُشوبة بتضارب المصالح لأن مصدري السندات يدفعون مقابل الحصول على التصنيف.
ولكن مارتي فريدسون، الذي يكتب لمجلة مستشار الأوراق المالية للدخل، رأى في مقال نشرته رويترز أن من الصعب العثور على أي دليل على هذا التحيز في تصنيفات سندات الشركات.
وبحسب فريدسون المحافظ السابق لمعهد المحللين الماليين المعتمدين، قد يشير آخرون إلى كارثة إنرون عام 2001، عندما صُنفت الشركة بدرجة استثمارية قبيل إفلاسها، للإشارة إلى أن عملية التصنيف لا بد أن تكون معيبة.
ومع ذلك، تُجري وكالات التصنيف تقييماتها بناءً على البيانات المالية المُدققة للجهات المُصدرة، وقد حدث انهيار إنرون بسبب التقارير المالية المُضللة للشركة.
ومن الانتقادات الشائعة الأخرى أن هذا الاعتماد على النتائج المالية السابقة يعني أن وكالات التصنيف، على عكس السوق، تنظر إلى الماضي، لكن تقييماتها تتضمن بالتأكيد توقعات النتائج المالية المستقبلية للشركات، تماما مثل محللي السوق.
وهناك انتقادات وجيهة لتقييمات هذه الوكالات للأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري التي سبقت الأزمة المالية العالمية بين عامي 2007 و2009، لكن هذه المخاوف تحديدا لا تنطبق على تصنيفات سندات الشركات.
وأوضح فريدسون، المستشار لمجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي)، أن مراقبي السوق المُطلعين لا يشيرون ولا حتى وكالات التصنيف نفسها إلى أنه تنبغي إدارة المحافظ الاستثمارية على أساس التصنيفات وحدها.
وتعكس تقييمات السندات مجموعة متنوعة من العوامل التي لا تحاول وكالات التصنيف معالجتها، مثل تاريخ الاستحقاق، وحجم الإصدار، واضطرابات العرض والطلب قصيرة الأجل.
وتركز وكالات التصنيف جهودها على عامل تقييم بالغ الأهمية، وهو خطر التخلف عن السداد. وبشكل عام، تؤدي هذه الوكالات مهمتها بكفاءة عالية.
وفي الواقع، تُظهر بيانات موديز التي تغطي أربعة عقود أن معدلات التخلف عن السداد تزداد مع كل خطوة في مقياس التصنيف، مع قفزة ملحوظة من حوالي 1.4 في المئة إلى ما يقرب من 8 في المئة عند الانتقال بين درجة الاستثمار والمضاربة.
ولذا، قد يتمكن النقاد من اختيار حالات معقدة وغير تمثيلية لتشويه سمعة عملية التصنيف، إلا أن السجل التاريخي يظهر أن التصنيفات لا تزال تُشكل مدخلا مفيدا لإرشاد قرارات الاستثمار في الدخل الثابت.
وتأتي الكثير من انتقادات وكالات التصنيف من بنوك الاستثمار، لكن لديها دوافع للحصول على أقل عوائد ممكنة للمصدرين، بغض النظر عما إذا كانوا يعوّضون المستثمرين عن المخاطر أم لا.
ويُعدّ انخفاض تصنيف صفقة ما عائقا أمام هدف المُكتتب في ضمان أعمال العميل من خلال الحصول على “أفضل” سعر، بحسب فريدسون.
كما أن هناك تذمرا من مديري صناديق السندات، الذين يتنافسون على رأس المال من خلال السعي لتقديم عوائد أعلى من منافسيهم مقابل مخاطر مُفترضة.
وغالبا ما ينطوي تعزيز عائد الصندوق فوق عوائد الصناديق المنافسة على شراء أوراق مالية يدّعي المديرون أنها “مُقوّمة بأقل من قيمتها الحقيقية” وبالتالي “مُسعّرة بشكل خاطئ”، أي أنهم يُقدّمون عوائد أعلى دون زيادة مُكافئة في المخاطر.
ولكن لا يُمكن لأي شخص أن يدّعي تقديم عائد مُعدّل للمخاطر أعلى عند الخوض في فئات التصنيفات المنخفضة إلا إذا كانت وكالات التصنيف مُخطئة حقا. وإلا، فإن ما يفعله مدير الصندوق هو ببساطة تقديم عوائد أعلى مع مخاطر أعلى.
انخفاض تصنيف صفقة ما يُعدّ عائقا أمام هدف المُكتتب في ضمان أعمال العميل من خلال الحصول على “أفضل” سعر
ويعتقد فريدسون أن صحة التصنيفات الائتمانية مهمة بشكل خاص لمستثمري الائتمان راهنا لأنهم يتقاضون أجورا أقل بكثير من المعتاد مقابل تحمّل مخاطر متزايدة.
ومثلا، وفقا لمؤشرات آي.سي.إي، خلال الفترة بين عامي 1997 و2024، حصل المستثمرون الذين تحلوا بالجرأة الكافية لزيادة مخاطرهم من أدنى فئة استثمارية، بي.بي.بي، إلى أعلى فئة مضاربة، بي.بي، على عائد إضافي قدره 143 نقطة أساس في المتوسط.
وعلى النقيض من ذلك، خلال الأسبوع الماضي، بلغ التعويض عن تحمل هذه المخاطر الإضافية حوالي 50 نقطة أساس فقط.
وفي النهاية، ما كان من الممكن تحديد علاقات المخاطرة والمكافأة المفيدة في سوق الدين لولا التصنيفات الائتمانية التي تُقدمها وكالات التصنيف الائتماني التي تُعاني من انتقادات كثيرة.
وقال فريدسون “لو اضطر صانعو القرار في مجال الدخل الثابت إلى تحديد فئات المخاطر وإجراء مقارنات بناءً على العوائد التي يحددها السوق، لكان تحليلهم أشبه بمحاولة استغلال الفرص المتاحة”.
ومن المهم الإشارة إلى أن جدوى الوكالات على المدى الطويل تعتمد على اعتقاد المستثمرين بأن التصنيفات الائتمانية مدخلات موثوقة.
وهذا يعني أن لديهم حافزا قويا لمحاكاة حكام البيسبول المنصفين و”الحكم على الأمور كما يرونها”، رغم المعارضة المحتملة من اللاعبين الذين يأملون في ترجيح كفة الفوز لصالحهم.