قطر تسعى لاحتواء تداعيات الهجوم الإسرائيلي على علاقتها مع واشنطن
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية بعد الهجوم الإسرائيلي على قيادات حماس في الدوحة تسعى قطر إلى تعزيز شراكتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، معتبرة هذا التحالف ضمانة رئيسية لاستقرارها الأمني ونفوذها السياسي والدبلوماسي في المنطقة.
الدوحة - تسعى قطر إلى احتواء أي تداعيات سياسية قد تترتب على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف قيادات من حركة حماس في الدوحة، حرصا على عدم المساس بتحالفها الأمني مع الولايات المتحدة، لذلك سارعت إلى نفي تقرير “أكسيوس” الذي تحدّث عن مراجعة محتملة لهذه الشراكة.
ويرى مراقبون أن الصورة التي تبرزها قطر كمركز أعمال مستقر ومنصة دبلوماسية فاعلة باتت مهددة لذلك لا بد من الحفاظ على ارتباطها ارتباطا وثيقا بالمظلة الأمنية القوية، التي توفرها الولايات المتحدة.
ورغم متانة التحالف الأمني بين قطر والولايات المتحدة، لم يمنع ذلك تنفيذ الهجوم الإسرائيلي وهو ما أثار تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بحماية شركائها الإقليميين ودفع بعض المحللين إلى ترجيح احتمال توتر في العلاقة بين الجانبين.
وتعكس القاعدة الأميركية في “العديد” أحد أكبر وأهم المنشآت العسكرية في المنطقة، عمق العلاقة الأمنية بين قطر وواشنطن، حيث تمنح الدوحة أمانا يمكنها من لعب دور الوسيط في الملفات الإقليمية الحساسة، لذلك جاءت تصريحات الدوحة التي تؤكد أن العلاقات الأمنية والدفاعية مع الولايات المتحدة “أقوى من أي وقت مضى” كرسالة واضحة على تمسكها بهذه الشراكة.
النفي القطري يعكس حرص الدوحة على تفادي أي غموض أو تكهنات قد تؤثر سلبا على صورة تحالفها مع واشنطن
ويشير النَّفْي القطري إلى حرص الدوحة على تفادي أي غموض أو تكهنات قد تؤثر سلبا على صورة تحالفها مع الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل الظروف الإقليمية المتوترة، مؤكدة بذلك أن مواقفها الأمنية ثابتة وأساسية لاستقرارها الداخلي والخارجي.
وتنذر الضربات الإسرائيلية التي طالت قيادات من حماس في الدوحة بتهديد صورة قطر كمركز أعمال مستقر، في وقت تسعى فيه إلى التوفيق بين مصالحها التجارية وطموحاتها الدبلوماسية على الساحة الدولية.
ويوم 9 سبتمبر، وجدت قطر نفسها في مرمى النيران مرة أخرى جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حركة حماس في الدوحة.
وقال جاستن ألكسندر المدير في شركة جلف إيكونوميكس ومحلل الشؤون الخليجية في غلوبال سورس بارتنرز: “قطر في وضع فريد، كونها تعرضت لهجمات إيرانية وإسرائيلية على حد سواء في غضون بضعة أشهر.”
وأضاف: “لم يكن هناك تأثير يذكر للضربات الإيرانية، ولكن إذا ما أصبح الأمر وكأنه نمط متكرر، فقد تتغير تقديرات (المستثمرين) المتعلقة بالمخاطر.”
وقال مسؤول تنفيذي في شركة غربية كبيرة مقيم في الدوحة، رفض الكشف عن اسمه، لرويترز إن شركته لا تزال تُقيّم الوضع لكن الأعمال استؤنفت كالمعتاد بعد يوم من الضربات وكأن شيئا لم يحدث.
وقال خبير مالي آخر في قطر إن تقليص الأعمال سيكون مكافأة لإسرائيل على ما اعتبره انتهاكا للقانون الدولي. وأضاف: “نأمل أن يُجدد هذا القوة الدافعة للأعمال التجارية (في قطر).”
كان هجوم طهران في يونيو معروفا سلفا، مما أتاح الوقت الكافي للدفاعات القطرية للاستعداد. ولم يُصب أحد بأذى.
لكن الهجوم الإسرائيلي فاجأ الدوحة وأدى إلى مقتل ستة أشخاص، بينهم أحد أفراد قوى الأمن الداخلي القطرية وخمسة أعضاء من حماس.
ويشكل الوافدون الغالبية العظمى من نحو ثلاثة ملايين يعيشون في قطر. وجاء هؤلاء الوافدون من مختلف أنحاء العالم بحثا عن فرص عمل في واحدة من أغنى دول العالم.
وتفخر قطر، الدولة المضيفة لكأس العالم لكرة القدم 2022، بأبراجها الشاهقة وطريقها السريع الجديد المكون من 10 مسارات، ومترو الأنفاق المُتطور. لكنها من بين أكثر دول الخليج اعتمادا على النفط والغاز وتتخلف عن جارتيها الإمارات والسعودية في تنويع اقتصادها، وهو أمر تسعى حكومتها إلى تغييره من خلال إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية.
وترتبط قطر منذ وقت طويل بمصالح تجارية رئيسية مع الولايات المتحدة، حليفتها وضامنة أمنها منذ أمد بعيد.
يوم 9 سبتمبر، وجدت قطر نفسها في مرمى النيران مرة أخرى جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حركة حماس في الدوحة
وتعمل شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة على توسعة طموحة لإنتاجها من الغاز الطبيعي المسال في حقل الشمال الضخم، الذي تشترك فيه مع إيران. وشركتا الطاقة الأميركيتان إكسون موبيل وكونوكو فيليبس من الشركاء الرئيسيين في مشروع التوسعة، الذي سيرفع إنتاج قطر من الغاز الطبيعي المسال إلى المثلين تقريبا.
وتبني شركة غولدن باس، المملوكة لقطر للطاقة بالاشتراك مع إكسون موبيل، منشأة كبرى لتصدير الغاز الطبيعي المسال في سابين باس بولاية تكساس، ومن المقرر أن تبدأ التصدير في وقت لاحق من هذا العام.
وسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي زار الدوحة في مايو وأقام في فندق ليس ببعيد عن موقع الهجوم، إلى طمأنة القطريين بعد الهجوم، مؤكدا أن شيئا كهذا لن يحدث على أراضيهم مرة أخرى.
وخلال زيارته في مايو، أكد ترامب للدوحة أن الولايات المتحدة ستحميها في حال تعرضها لأي هجوم.
تعهد جهاز قطر للاستثمار باستثمار 500 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل خلال جولة ترامب الخليجية، وقال الرئيس الأميركي إن قيمة صفقات الدفاع التي وُقّعت خلال الجولة بلغت 42 مليار دولار.
وفي السياق ذاته، وقّعت الخطوط الجوية القطرية صفقة لشراء 160 طائرة بوينغ مزودة بمحركات من شركة جنرال إلكتريك للطيران قيمتها 96 مليار دولار، وهي أكبر صفقة تبرمها بوينغ في مجال الطائرات عريضة البدن.
وقال محللون إن هذه الروابط الاقتصادية ستخضع لرقابة مشددة، وقد يُلقي المزيد من عدم الاستقرار بظلال من الشك على الاستثمارات الجديدة.
وقال نيل كويليام الزميل المشارك في مؤسسة تشاتام هاوس: “إذا وقعت هجمات أخرى، فإن ذلك سيُجبر الشركات القطرية – الأميركية على إعادة تقييم المخاطر واتخاذ تدابير مناسبة للتخفيف منها.”
اقرأ أيضا: