قرض صندوق النقد يصطدم بتعقيدات إصلاح الاقتصاد اللبناني
واشنطن - كرر المسؤولون اللبنانيون إقرارهم بصعوبة تفكيك العقبات الكثيرة أمام تنفيذ الإصلاحات الضرورية وإحداث اختراق ولو بسيط في جدار أزمة تفجرت قبل سنوات وتعد الطبقة السياسة مسؤولة عنها.
ورغم مرور أكثر من عامين على توصّل لبنان إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي، فإن القرض المرتقب لا يزال عالقا وسط تعقيدات الإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة.
وفي وقت يشهد فيه البلد واحدة من أسوأ الأزمات المالية في تاريخه، تصطدم المفاوضات بشلل سياسي، وغياب الإرادة لتنفيذ شروط الصندوق، وعلى رأسها إعادة هيكلة القطاع المصرفي وضبط المالية العامة.
ومع تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، يبدو أن الطريق نحو التمويل الخارجي يزداد تعقيداً، ما يُهدد بانزلاق أعمق في الأزمة.
وبحسب وزير المالية ياسين جابر، في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق، فإن توصُّل بلده إلى برنامج مع صندوق النقد يحتاج وقتاً، “فهناك إصلاحات كثيرة يجب تنفيذها قبل التوصل إلى اتفاق”.
وقال على هامش اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين المقامة في واشنطن “لا يجب أن ننظر للإصلاحات على أن الصندوق يفرض إجراءات علينا، بل لأننا بحاجة إليها، وعلينا الاستفادة من خبرة الصندوق ومعاييره الدولية في تنفيذها”.
وتأمل الحكومة أن تفتح الاجتماعات مع صندوق النقد في واشنطن الباب لتفعيل الاتفاق المجمّد بين الجانبين منذ أبريل 2022، والذي يتضمن برنامج دعم بحجم 3 مليارات دولار.
والبرنامج مشروط بتنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية يأتي على رأسها إقرار قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وقانون معالجة الفجوة المالية التي تصل إلى 70 مليار دولار، حسب تقديرات حكومية سابقة.
وبالنسبة لسير المحادثات البطيئة مع الصندوق، أكد وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط على هامش الاجتماعات أن النقاشات مع “إيجابية ليست متأخرة”.
وقال إن “الملفات شائكة ومعقدة، من موضوع البنوك إلى القطاع المالي، فالكهرباء والاتصالات، وصولا إلى الحوكمة وإعادة بناء بيئة الاستثمار. وكل جولة محادثات تقدّمنا خطوة إلى الأمام”. وأشار إلى أن هناك توافقا بخصوص قانون إصلاح القطاع المصرفي مع متطلبات الصندوق بنسبة 60 في المئة.
وأوضح أنه تم إنجاز قوانين، مثل رفع السرية المصرفية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي والبدء برد أموال صغار المودعين، وتابع أنه تقدم بقانون لمعالجة نقط الخلاف.
ويشكل الحفاظ على أموال المودعين خطوة أساسية ضمن المساعي الرامية إلى كسر الجمود المرتبط بالإصلاحات المطلوبة للحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي، بما يسهم في انتشال البلاد من إحدى أسوأ الأزمات المالية في العالم.
ومع ذلك، يواجه المسؤولون اللبنانيون منذ سنوات تحديات كبيرة في التوصل إلى اتفاق، في ظل رفض البنوك المحلية تحمل الجزء الأكبر من الخسائر أو القبول بعمليات دمج قسري.
وشرح جابر أن التوصل إلى نتائج بخصوص وضع القطاع المصرفي يتطلب إجراء تدقيق لجميع المصارف لتحديد حجم ودائعها والتأكد من رأسمالها ومعرفة الممارسات التي تمت.
وأوضح أن الخروج بنتائج ووضع إطار قانون يحتاج من شهرين إلى ثلاثة أشهر، لكن تطبيق القانون بعد تمريره من مجلس النواب سيحتاج وقتا أطول.
وشدد جابر على أن “إصلاح القطاع المصرفي مسألة ملحة للبنان. فالبلاد بحاجة إلى نظام بنكي صحي وفعال للتخلص من الاقتصاد النقدي ولدعم نمو الاقتصاد”.
وواجه لبنان على مدى السنوات الأخير، أي منذ أواخر عام 2019، أزمة اقتصادية حادّة، أجبرته على التخلف عن سداد سندات دولية بقيمة نحو 30 مليار دولار منذ 2020.
وفاقمت الحرب في غزة منذ أكتوبر 2023 الوضع الاقتصادي المتأزم في لبنان، وأسفرت عن دمار طال معظم مناطق البلاد خاصة الجنوب والبقاع وضاحية بيروت، متسببةً في وقوع خسائر وأضرار تُقدّر بنحو 14 مليار دولار، حسب تقديرات البنك الدولي.
ومع ذلك يرى جابر أنه “علينا الإسراع بإقرار القوانين للحصول عل هذه القروض، التي بدأ تنفيذ بعضها بالفعل”، بما في ذلك البنك الدولي.
وقال إن هذه المؤسسة الدولية “وقفت إلى جانب لبنان وأقرت قروضا بقيمة تزيد عن مليار دولار خلال آخر خمسة أشهر منذ اجتماعات الربيع الماضي”.
ولن تتضمن الموازنة الجديدة إقرار ضرائب إضافية، وأن ما تقوم به الحكومة هو تحسين الجباية ومحاربة التهرب الضريبي وضبط الصادرات والواردات لتعظيم دخل الحكومة الضريبي دون إضافة أعباء ضريبية جديدة على كاهل اللبنانيين، وفق جابر.