قانون المناجم يكسر الركود السياسي في الجزائر

مخاوف حزبية من انفراد الحكومة بالخيارات الكبرى للبلاد.
الاثنين 2025/07/28
انتقادات متواصلة لخيارات السلطة

دعت ثلاثة أحزاب جزائرية من مشارب سياسية مختلفة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى تجميد قانون المناجم الجديد، معتبرةً أنه يكرّس التنازل عن السيادة، ويحوّل القطاع إلى مجال للنهب الأجنبي، ويشكّل تطوّرًا تشريعيًا وسياسيًا خطيرًا ومؤذيًا للبلاد.

الجزائر - أجمعت ثلاثة أحزاب سياسية جزائرية نادرا ما تحركت في إطار جماعي، رغم انحدارها من معسكر المعارضة، على أن قانون المناجم الجديد المعتمد مؤخرا، يثير قلقا عميقا لديها، ودعت في بيان لها الرئيس عبدالمجيد تبون إلى فتح نقاش حقيقي حول الملف، قبل أن يتم تقييد البلاد ورهن مستقبل الأجيال، بسبب التنازلات الكبيرة التي قدمها للشراكة الأجنبية.

وحذر بيان وقعته قيادات كل من حزب جيل جديد، والعمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، من تطور تشريعي وسياسي، يتعلق بقانون المناجم الجديد، الذي دخل حيز الخدمة في الآونة الأخيرة، بسبب تداعياته المنتظرة على مقدرات البلاد الطبيعية وسيادتها السياسية ومستقبل الأجيال.

قانون المناجم الجديد، أثار جدلا في الجزائر، واستطاعت الحكومة تمريره، مستفيدة من دعم الأغلبية الداعمة للسلطة

وقال البيان: “ينتابنا قلق عميق إزاء هذا التغير الجذري والعنيف في التوجه الذي يحكم قطاع المناجم، كونه يتعارض مع المصالح الوطنية، فهو يلغي الطابع الإستراتيجي لهذا القطاع، كما يلغي سيادة الدولة المجسدة في قاعدة 51/49، التي كانت قد كرست فتحا جزئيا للقطاع في سنة 2014 في إطار إعادة تأميم المناجم بعد 13 سنة من النهب الأجنبي.”

وأضاف: “القانون الجديد يُخرج قطاع المناجم من الملكية الجماعية للأمة رغم كونها غير قابلة للمساس مثلما هو منصوص عليه في المادة 20 من الدستور. من هنا فصاعدا ووفقا لهذا القانون الجديد، سيتم استغلال المناجم على أساس الشراكة التي تمنح من خلالها نسبة تصل إلى 80 في المئة من الأسهم لصالح الشركاء الخواص الأجانب، في حين لا يمكن للطرف الجزائري العمومي امتلاك سوى 20 في المئة من الأسهم.”

وتابع: “كل هذا في إطار عقود امتياز مدتها 30 سنة قابلة للتجديد والتنازل والرهن، مما يفتح الباب لدخول فاعلين مستثمرين مزعومين لا يمكن التحكم فيهم بما في ذلك كيانات معادية لبلادنا، مع السماح لهم باستخدام أموال الخزينة العمومية الجزائرية لتمويلهم.”

وكان قانون المناجم الجديد، قد أثار جدلا لافتا في البلاد، لكن الحكومة استطاعت تمريره، مستفيدة في ذلك من دعم الأغلبية النيابية الداعمة للسلطة، بينما كان صوت المعارضة خافتا داخل البرلمان، كما غاب عنه النقاش المنتظر بسبب الغلق المتبع من طرف السلطة للقوى السياسية والمؤسسات الإعلامية، فضلا عن التراجع المسجل لدور ونشاط الأحزاب السياسية والجمعيات.

ورغم انتماء الأحزاب الموقعة على البيان إلى صفوف المعارضة، إلا أن التشتت ظل يميز مواقفها ولم يسجل توافقها إلا نادرا، مما يجعل الخطوة برأي متابعين بمثابة الحصى التي يعول عليها لتحريك المياه الراكدة في البلاد، نتيجة استحواذ السلطة على كل السلطات والمؤسسات، وإفراغ الطبقة السياسية والمجتمع المدني من محتواه.

وعادت الأحزاب الموقعة على البيان إلى تجربة الوزير السابق للطاقة والمناجم شكيب خليل، لما قام بإلغاء تأميم المناجم العام 2001، بشرعنة ما سمته، بـ”النهب الأجنبي كما حدث في منجمي الونزة وبوخضرة في تبسة من طرف ميتال ستيل وثم أرسيلور ميتال، وكذلك منجم الذهب أمسماسة بتمنراست من طرف الشركة الأسترالية  “جي أم أ”، أين نظم هؤلاء المستثمرون المزعومون افتراسا إجراميا لثرواتنا المنجمية وللأموال العمومية دون أي مقابل من حيث الاستثمارات، مما ترك هذه المناجم في حالة خراب تطلبت تدخل الدولة لإنقاذها.”

وشددت على أن التجربة أثبتت في الجزائر وفي العالم معا، أن الشركات المتعددة الجنسيات التي تستغل الثروات المعدنية لا تبحث سوى عن الربح، ومن أجل هذا، لا تحترم القوانين الوطنية في مجال حماية البيئة والحفاظ على الموارد المائية ولا المعايير الدولية المتعلقة بنفس هذه الشروط للحفاظ على الصحة العمومية والثروة الحيوانية والنباتية.”

رغم انتماء الأحزاب الموقعة على البيان إلى صفوف المعارضة، إلا أن التشتت ظل يميز مواقفها ولم يسجل توافقها إلا نادرا

وتساءل الموقعون، عن الفائدة من ملكية الأرض دون الثروات التي تزخر بها والتي سيتم تسليمها بلا قيود للمصالح الأجنبية؟ ولماذا تُحرم البلاد من ثروة لا تقدر بثمن ومنقذة للعديد من الأجيال الصاعدة؟

ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن قانون المناجم الجديد كان بمثابة الرسالة التي عبرت من خلالها الجزائر، عن استعدادها لفتح مجالها الباطني أمام الشركات العالمية الكبرى، لاسيما الصينية والأميركية، فضلا عن ارضاء نوايا الادارة الأميركية في البحث عن المزيد من الثروات الباطنية عبر العالم، خاصة المعادن النادرة.

وعبر مسؤولون جزائريون، بداية من رئيس الدولة عبدالمجيد تبون، والسفير صبري بوقادوم، عن استعداد البلاد لإرساء تعاون شامل ومثمر بين الطرفين، خاصة في قطاع المناجم، وتم سن القانون الجديد تمهيدا لقدوم الشركات المستثمرة.

وحذر البيان، الذي اطلعت عليه “العرب”، من أن الرهان الجيوسياسي والإستراتيجي للمناجم جد حساس، بما في ذلك بالنسبة للأمن الوطني. فهذا القانون لا يوفر أي حماية للبلاد ويفتح الباب لفقدان السيادة على ثرواتها، ومن أن التعديل تزامن مع سياق عالمي تم فيه افتراس الثروات المنجمية كنظام لصالح الشركات المتعددة الجنسية على حساب البلدان المنتجة، وهو ما لا يمكن التصدي له بفرض ميزان قوة على جميع البلدان، إلا من خلال فتح نقاش على أوسع نطاق ممكن لتحقيق الإجماع الضروري حول القضايا التي ترسم مستقبلنا.

كما عبر الموقعون عن “قلقهم العميق”، لاسيما وأن العديد من الخبراء الجزائريين قد حذروا من الطابع غير المتوازن للقانون الجديد وغياب الضمانات، كحق الشفعة للدولة الذي سيمكّنها من التدخل لوقف أي انحراف، فضلا عن عدم فهم الدوافع الحقيقية لهكذا خطوة، التي ترهن مصير البلاد والأجيال الناشئة.

4