في مديح الألفاظ البذيئة!

لا شيء يُضاهي التناقض في موقفنا من الشتائم واللغة البذيئة. كيف يُمكننا الحكم على الألفاظ البذيئة بهذه القسوة من حيث المبدأ، ومع ذلك يستخدمها الناس بكثرة في الممارسة؟
الاثنين 2025/08/11
ألسدير ماكنتاير طالب بالخروج من الظلام إلى مجتمع أخلاقي عاقل

بينما نتأمل جميعًا قوة الألفاظ البذيئة المسيطرة على صناعة الخطاب في المنصات الرقمية، توفي قبل أسابيع آخر المدافعين عن الفضيلة، الفيلسوف الأسكتلندي ألسدير ماكنتاير. بدت الحاجة ماسة لهذا الفيلسوف المطالب بالخروج من الظلام إلى مجتمع أخلاقي عاقل ومن حسن الحظ أن كتابه “بعد الفضيلة” قد ترجم إلى العربية.

تسود اللغة الوضيعة في تعريف الأشخاص بأنفسهم على منصاتهم بأسمائهم الحقيقية أو المستعارة، في تعبير عن كارثة تحل بالإنسان عندما صار يعرّف نفسه بما يكره أو يتلفظ بأقبح ما اخترعه من ألفاظ في اللغات!

لا يمكن أن نعزو ذلك إلى الحرية المتاحة بلا مسؤولية على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إلى سباق سهل كامن في عقول مطلقي هذه الألفاظ بشكل عشوائي، لأنهم لا يستطيعون الاحتفاء باللغة المهذبة للتعبير عن أنفسهم وما يؤمنون به!

كان ماكنتاير، الذي فارقنا عن عمر 96 عامًا، بمثابة أمل في زمن يشوبه الارتباك الأخلاقي، عندما جادل قبل أن يسود التشرذم في معايير كياسة الخطاب على مواقع التواصل بأن الأخلاق قد عانت من كارثة مماثلة لما قد تتعرض له المعرفة البشرية.

نظريًا، يُمكن لزعماء العالم أن يحذوا حذو الرئيس دونالد ترامب بإطلاق قدر كبير من الشتائم. لكن ليس من السهل تصوّر الكثيرين الذين سيجرؤون على ذلك. وحتى لو فعلوا، فقد لا يُفلِتوا من العقاب. جزءٌ من سبب قدرة ترامب على الإفلات من العقاب هو أنه لا يبدو انحرافًا عن أسلوبه العامي خلف الكواليس. فهو لا يبدو مُحرجًا عندما يُسب. ورغم محاولته التظاهر بالرئاسة والأناقة، ورغم كونه مولودًا في عائلةٍ ثرية، فإن ترامب في جوهره نيويوركي مُتهوّر، مُتلاعب. ومثال الرئيس لا يجعلنا نبتعد عن عامة الناس ومن يظهرون على شاشات التلفاز يتبادلون الشتائم في ما بينهم ويكيلونها أيضًا للمجتمع وقيمه وبما يؤمن به غيرهم.

ثمة قوانين في بعض المدن تغرّم على التلفظ بالشتائم في الأماكن العامة، لكن الكلام المشين صار بمثابة قاعدة في العصر الرقمي.

لا شيء يُضاهي التناقض في موقفنا من الشتائم واللغة البذيئة. كيف يُمكننا الحكم على الألفاظ البذيئة بهذه القسوة من حيث المبدأ، ومع ذلك يستخدمها الناس بكثرة في الممارسة؟ على الرغم من أن الألفاظ البذيئة أصبحت مقبولة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلا أنها لا تزال تُوصف بأنها وقحة، أو في أحسن الأحوال مقبولة فقط في ظروف مُحددة.

يُجادل الكثيرون بأن الشتائم تُشير إلى انعدام الشخصية، أو سوء التربية، وهي أمرٌ يجب تجنبه بأي ثمن. ومع ذلك، لا يُبالي الكثير منا بمخاطر الألفاظ البذيئة؛ فالكلمات البذيئة مُسجلة بوضوح في القواميس، وتُستخدم عادةً في الموسيقى السائدة، والأفلام الحائزة على جوائز الأوسكار، والكتب، والصحف. وبالطبع، يستخدمها الناس العاديون في محادثاتهم اليومية.

الأسوأ من ذلك عندما نجد من يدافع عن الشتائم ويرى أن الكلمات البذيئة تؤدي غرضًا. كما يقدم مايكل آدامز في كتابه “في مديح الألفاظ البذيئة” دفاعًا استفزازيًا وجريئًا عن الألفاظ البذيئة، مُجادلًا بأننا قد بالغنا في تبسيط الألفاظ البذيئة بتصنيفها من المحرمات، وأننا نفشل باستمرار في تقديرها كوسيلة مشروعة للتعبير عن أنفسنا، سواء في علاقاتنا الاجتماعية أو في الثقافة الشعبية.

ينسج آدامز، الذي عليّ أن أحذر من عدم السقوط بلعبته اللغوية وأختار الكلمات بعناية في التعبير عن استيائي من دفاعه المشين عن الشتائم، تحليلات لغوية ونفسية لأسباب استخدامنا للألفاظ البذيئة للتنفيس عن المشاعر. كما أنه يتطرف أكثر في أفكاره عندما يرى في الشتائم وسيلة لتعزيز التضامن الجماعي، أو لبناء علاقات حميمة!

سأكتفي هنا باقتباس تعريف جامعة أوكسفورد لكتاب مايكل آدامز بأنه “دفاع استفزازي وغير معتذر عن الألفاظ البذيئة في المجتمع الحديث.”

18