فزع في صنعاء مع كل إعلان عن نجاح عملية حوثية ضد إسرائيل

سكان العاصمة والحديدة خبروا العنف المتصاعد في ردود إسرائيل وباتوا ينتظرونه بشكل آلي.
الجمعة 2025/09/26
نموذج الجحيم الأرضي المتوقع في كل مرة

نجاح الحوثيين في إصابة أهداف داخل إسرائيل لم يعد بالنسبة لسكان المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الجماعة مبعث فخر وابتهاج، بقدر ما أصبح مبعث خوف ومدعاة لانتظار قلق لردود إسرائيلية يعلمون يقينا أنها قادمة لامحالة ويتوقعون مدى عنفها وشدّتها، لكنهم لا يعرفون بأي مرافق ومنشآت ستعصف وكم من القتلى ستخلف في صفوفهم.

صنعاء - على العكس مما تظهره دعاية الحوثيين من “ابتهاج” سكان المناطق الخاضعة لسيطرتهم لاسيما العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة على الساحل الغربي اليمني بـ”نجاح” الصواريخ والمسيّرات التي تطلقها الجماعة في بلوغ أهدافها داخل إسرائيل، لا تخفى على عين المتجوّل في شوارع وأحياء عاصمة اليمن إثر ذيوع أنباء سقوط مسيرة أو صاروخ داخل الدولة العبرية حالة الخوف المكتوم والانتظار القلق والبادي على الوجوه من الردّ الإسرائيلي الذي بات يعرف السكان أنّه قادم لا محالة، وربما بطريقة أعنف من الردود السابقة وأكثر خسائر في الأرواح والبنى التحتية والممتلكات العامّة والخاصّة.

وصعّدت إسرائيل بشكل كبير من ردودها على صواريخ الحوثيين ومسيّراتهم باستخدام قوة نارية أكبر مستهدفة منشآت عسكري ومدنية على حدّ سواء ومحدثة دمارا كبيرا فيها بات ينعكس بشكل مباشر على حياة السكان الذين يعانون أصلا مصاعب حياتية يومية جرّاء ندرة السلع الأساسية وسوء الخدمات الراجع في جزء كبير منه إلى سوء حالة المرافق والبنى التحتية التي أصبحت القوات الإسرائيلية تتعمّد استهدافها لتعقيد مهمّة جماعة الحوثي في إدارة شؤون المناطق الخاضعة لها.

ومثّل القصف المتكرّر لميناء الحديدة واستهداف مطار صنعاء الدولي ومحطات الطاقة الكهربائية نموذجا عمليا عن التكتيك الحربي الذي تعتمده إسرائيل في مواجهتها ضدّ الحوثيين. كما يعكس التزايد في أعداد القتلى جرّاء الغارات الإسرائيلية على صنعاء والحديدة وغيرهما من المدن والمناطق، العنف والتوسع في رقعة الاستهداف واقترابه من مناطق مأهولة بالسكان، الأمر الذي يفسّر حالة الخوف التي أصبحت تعقب كل هجوم حوثي بالمسيرات أو الصواريخ على مناطق في الداخل الإسرائيلي.

واعتاد الحوثيون التكتّم على الخسائر التي تخلفها الغارات الإسرائيلية بهدف الترويج إثر كل غارة لنجاحهم في “صدّ العدوان وإفشاله” لكنّهم أصبحوا يركزون في بياناتهم على الخسائر البشرية لبيان أن الدولة العبرية تستهدف المدنيين.

◙ قصف ميناء الحديدة ومطار صنعاء ومحطات الكهرباء يعكس تركيزا إسرائيليا على تدمير المرافق الحيوية

وإثر غارة استهدفت في وقت سابق محطة للنفط في شارع الستين في صنعاء ومحطة كهرباء جنوبي المدينة، قالت الجماعة إن أكثر من مئة مدني بينهم نساء وأطفال سقطوا جرّاء القصف الإسرائيلي. وتجدّدت ليل الأربعاء إلى الخميس حالة الخوف في صنعاء ومدن أخرى من غارات إسرائيلية محتملة إثر الإعلان عن إصابة عدد كبير من الإسرائيليين في هجوم شنته جماعة الحوثي بطائرة مسيرة على مدينة إيلات جنوبي الدولة العبرية.

وقال شهود عيان إنّ سكان مناطق قريبة من منشآت عسكرية ومدنية، يتوقّع الأهالي أن تستهدفها إسرائيل ردّا على الهجوم الحوثي، قضوا ليلة بيضاء متطلعين إلى الأفق ومتنصتين لأي أصوات قد تحدثها مركبات دوريات الأمن والجيش أو شاحنات النقل، مخافة أن تكون أصواتا لطائرات إسرائيلية مغيرة.

ويستند خوف الأهالي إلى قناعة بأن الردّ الإسرائيلي على هجوم إيلات سيكون بالغ العنف والدموية وقد يتعمد استهداف المدنيين، وذلك قياسا بحالة الغضب الإسرائيلي الشديد من هجوم الجماعة وخسائره غير المعهودة بالنسبة للإسرائيليين.

وارتفعت، الخميس، حصيلة المصابين إلى خمسين إسرائيليا بينهم ثلاثة بحالة خطرة، جراء سقوط طائرة مسيرة أطلقت من اليمن في مدينة إيلات على ساحل البحر الأحمر جنوب البلاد، الأربعاء، بعدما فشل الجيش الإسرائيلي في اعتراضها. وقالت هيئة البث الرسمية إن “طائرة مسيرة أطلقت من اليمن سقطت بجوار فندق في مدينة إيلات”. وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي أطلق صاروخين لاعتراض المسيرة، لكنهما لم يصيبا الهدف.

وذكرت هيئة الإسعاف الإسرائيلية “نجمة داود الحمراء” أن خمسين إسرائيليا أصيبوا جراء سقوط المسيرة في قلب المنطقة السياحية بإيلات، بينهم ثلاثة في حالة خطرة، وفق هيئة البث، فيما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إن الطائرة سقطت في قلب المنطقة السياحية في إيلات، حيث تتركز معظم الأنشطة التجارية والترفيهية بما يشمل الفنادق والمتاجر ومراكز التسوق والملاهي الليلية.

بدوره، اعترف الجيش الإسرائيلي في بيان على منصة إكس بفشله في اعتراض المسيرة رغم تفعيل صفارات الإنذار ومحاولات التصدي لها، قبل أن تسقط داخل المدينة. وأوضح أن “إثر الإنذارات التي تم تفعيلها في إيلات، سقطت طائرة مسيرة أطلقت من اليمن في منطقة إيلات”. وكانت صفارات الإنذار قد دوت في المدينة قبل إعلان الجيش الإسرائيلي فشل محاولات الاعتراض.

وفي المقابل قال المتحدث العسكري لقوات الحوثيين يحيى سريع في بيان “نفذ سلاح الجو المسير في القوات المسلحة اليمنية عملية عسكرية نوعية وذلك بطائرتين مسيرتين”. وأضاف أن المسيرتين “استهدفتا هدفين للعدو الإسرائيلي في منطقة أم الرشراش (إيلات) وقد حققت العملية هدفها بنجاح وفشلت المنظومات الاعتراضية في التصدي لها”.

وفي وقت لاحق من مساء الأربعاء، كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي وهيئة البث عن نتائج تحقيق أولي أجراه سلاح الجو بشأن أسباب فشله في اعتراض المسيرة. وبحسب نتائج التحقيق “خلافا لمعظم الحالات، لم تُرصد الطائرة المسيرة في مرحلة مبكرة، أثناء توجهها إلى الأراضي الإسرائيلية، ولم تُكتشف الطائرة المسيرة إلا في مرحلة متأخرة نسبيا، قبيل وصولها إلى منطقة إيلات”.

◙ خصوم جماعة الحوثي ومنتقديها من اليمنيين يقولون إن ما تقوم به جزء من حسابات إيران في المنطقة ولا علاقة له بقضايا اليمن وفلسطين

وأضاف أن قيادة الجبهة الداخلية فعّلت صفارات الإنذار قبل سقوط المسيرة بنحو 30 ثانية وهو ما كان كافيا لسكان إيلات من أجل دخول الملاجئ والاحتماء. وكشفت النتائج أن المسيرة انطلقت بعد ظهر الأربعاء من اليمن إلى إيلات وقطعت مسافة 1800 كيلومتر وكانت هناك محاولتان لاعتراضها باستخدام منظومة القبة الحديدية وفشلتا، “وفي مرحلة معينة فُقدت الطائرة من أنظمة التتبع، وأصابت مباشرة منطقة الفنادق”.

وأشارت إلى أن “من خلال التحقيق الأولي في سلاح الجو لم يتم تحديد خصائص غير عادية في نوع الطائرة المسيّرة التي أُطلقت من اليمن، ولم يكن هناك أيضا خلل تقني في أنظمة الاعتراض التابعة لسلاح الجو”.

وبحسب التحقيق “يبدو أن المسيّرة تم رصدها في وقت متأخر نسبيا، وجاءت على ارتفاع منخفض وبسرعة منخفضة، وهو ما صعّب على أنظمة الرصد والاعتراض التعامل معها”. كما كشف أن “بعد رصد الطائرة المسيرة تم إطلاق مقاتلة ومروحية قتالية لاعتراضها، ولكن بسبب الاكتشاف المتأخر، تم إطلاقهما متأخرتين للغاية، ولم تصلا في الوقت المناسب للمساعدة في الاعتراض، وبالتالي تم تفعيل القبة الحديدية فقط في الحادثة”.

من جهتها قالت صحيفة معاريف العبرية “فشل سلاح الجو الإسرائيلي للمرة الثالثة خلال نحو أسبوعين في حماية سماء مدينة إيلات”. وأضافت “يبدو أن الحوثيين قد وجدوا ثغرة في تأمين سماء مدينة إيلات من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، ما دفعهم إلى مواصلة عملياتهم وإحداث الفوضى والدمار والذعر”.

والخميس الماضي، انفجرت طائرة مسيرة أُطلقت من اليمن قرب مدخل فندق جيكوب بمدينة إيلات دون الإبلاغ عن قتلى أو مصابين على الفور. ووقتها، قالت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية إن انفجار المسيرة “تسبب في أضرار مادية”. ويقول الحوثيون إن استهدافهم لإسرائيل وكذلك تعرضهم لخطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر يأتيان دعما للفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إسرائيلية بالغة الدموية والعنف في طقاع غزّة.

لكن خصوم الجماعة ومنتقديها من اليمنيين يقولون إن ما تقوم به جزء من حسابات إيران في المنطقة ولا علاقة له بقضايا اليمن وفلسطين، وإن تصرفاتها عبارة عن سلوكات متهورة تدخل البلد الضعيف والمنهك اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا في صراع غير متكافئ ضدّ أطراف تفوقه قوة وتطورا في مختلف المجالات، الأمر الذي يجر عليه المزيد من الدمار والخسائر ويرتّب على سكانه المزيد من المآسي دون أن يكون لما تقوم به الجماعة أي فائدة عملية للفلسطينيين وقضيتهم.

3