عودة كويتية إلى أسواق الدين وسط حملة متسارعة لإصلاح الاقتصاد
تشكل عودة الكويت إلى الاقتراض من الخارج خطوة مهمة لتعزيز الملاءة المالية، في وقت يواجه فيه البلد النفطي تحديات متزايدة تتعلق بعجز الميزانية وضغوط الإنفاق، ما يستدعي تبني أدوات مالية جديدة لمواكبة متطلبات المرحلة القادمة التي تتسارع فيها خطوات الإصلاح.
الكويت - عادت الكويت إلى أسواق الدين بعد انقطاع دام ثماني سنوات، مدفوعةً بحملة متسارعة تهدف إلى إصلاح الاقتصاد وتنويع مصادر التمويل لترجمة رؤية 2035 بشكل فعلي، في خطوة تعكس تغيرا لافتا في السياسة المالية.
وذكرت خدمة آي.أف.آر لأخبار أدوات الدخل الثابت الثلاثاء أن الكويت بدأت طرح سندات مقومة بالدولار على ثلاث شرائح بآجال استحقاق ثلاث وخمس وعشر سنوات.
وجرى تحديد السعر الاسترشادي لشريحة الثلاث سنوات عند 70 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية، وللخمس سنوات عند 75 نقطة أساس فوق المعيار القياسي نفسه، في حين جاء السعر الاسترشادي الأولي لشريحة العشر سنوات عند 85 نقطة أساس.
وبحسب الخدمة، عينت وزارة المالية الكويتية بنوك سيتي غروب وغولدمان ساكس وأتش.أس.بي.سي وجي.بي مورغان وميزوهو منسقين عالميين مشتركين ومديري دفاتر لبيع أدوات الدين.
وسيكون إصدار السندات بالحجم القياسي وأنها ستكون ذات أولوية في السداد وغير مضمونة. وذكرت آي.أف.آر أن الإصدار يأتي في إطار البرنامج العالمي للسندات متوسطة الأجل لدولة الكويت. وعادة ما يكون الحجم القياسي 500 مليون دولار على الأقل.
وفي يونيو الماضي، شرعت وزارة المالية بمخاطبة البنوك لتقديم عروضها لترتيب الإصدار، بهدف جمع نحو 6 مليارات دولار من أسواق الدين العالمية، ومن غير الواضح ما إذا كانت ستسعى لجمع المبلغ كاملا دفعة واحدة.
وتعد الكويت العضو في منظمة أوبك وتحالف أوبك+، التي يبلغ عدد سكانها نحو 5 ملايين نسمة، أكبر منتج للنفط في العالم على أساس نصيب الفرد. وتحمل تصنيفا عند مستوى أي 1 من وكالة موديز، وهو نفس تصنيف كل من اليابان والصين.
ويبلغ معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل من 10 في المئة، بحسب صندوق النقد الدولي، الذي يتوقع ارتفاعه إلى 25 في المئة بحلول 2030، وهو مستوى منخفض مقارنة بمعظم مُصدري السندات السيادية، مع لجوء البلاد إلى الاقتراض لتغطية عجز الميزانية.
وتتداول السندات الكويتية الوحيدة المقومة بالدولار الأميركي والتي تبلغ قيمتها 4.5 مليار دولار ومستحقة في 2027، بعائدات تقارب 4.3 في المئة.
وكان مجلس الوزراء قد أقر في مارس الماضي قانوناً طال انتظاره، مهد الطريق أمام عودة البلاد إلى أسواق الدين الدولية، بعدما ظل معطلاً لسنوات بسبب الخلافات السياسية.
وتعليقا على الخطوة، قال فادي جندي، مدير محفظة الدخل الثابت في شركة أرقام كابيتال في دبي لبلومبيرغ الشرق إن “الكويت ستستفيد من شح المعروض من سنداتها”.
والأسبوع الماضي ذكر مجلس الوزراء أن الإيرادات غير النفطية مرشحة لتحقيق نمو ملحوظ خلال السنة المالية الحالية، التي بدأت في أبريل الماضي.
ونقل بيان للمجلس عن وزير المالية ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار بالوكالة صبيح المخيزيم قوله إن هذا النمو المتوقع سيكون مدفوعا بجملة من “الإصلاحات المالية التي يجري العمل على تنفيذها”.
وسبق للمخيزيم أن أكد في تقرير صدر مطلع سبتمبر الماضي أن القطاع غير النفطي في الكويت سجل نموا “طفيفا” بلغ 3.6 في المئة في عام 2024.
وقال حينها إن الاقتصاد لا يزال يعتمد “بشكل أساسي” على القطاع النفطي الذي شكل 43.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، بينما شكل القطاع غير النفطي 56.6 في المئة.
وأظهر الحساب الختامي لميزانية الكويت للسنة المالية 2024 – 2025، التي انتهت في مارس، أن الإيرادات النفطية بلغت قرابة 19.36 مليار دينار (63.4 مليار دولار)، وهو ما يمثل 87.8 في المئة من الإيرادات الفعلية التي بلغت نحو 72.3 مليار دولار.
وسجلت الميزانية عجزا فعليا قدره 3.46 مليار دولار، وهو أقل بكثير مما جاء في تقديرات مشروع الميزانية عند حوالي 18.36 مليار دولار.
ويرجح خبراء وكالة فيتش أن يتسع عجز الميزانية إلى 5.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية، مقابل اثنين في المئة قبل عام.
وأشار المخيزيم في عرض قدمه لمجلس الوزراء إلى وجود حزمة من الإصلاحات الاقتصادية قيد التنفيذ، تستهدف زيادة الناتج المحلي غير النفطي، وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، ورفع مساهمة القطاع الخاص في التنمية الوطنية.
وأكد أن هذه الإصلاحات “ستمهد الطريق لبناء اقتصاد أكثر استدامة وتنافسية على المدى المتوسط والطويل”.
واضطرت الكويت، التي تعتمد بشكل كبير على النفط، إلى اللجوء إلى السحب من صندوق الاحتياطي العام الذي تقلّصت موارده، لتمويل العجز في ميزانية الكويت.
وفي العام الماضي، باع الصندوق بعض الأصول إلى صندوق الأجيال القادمة الذي يُدار معه من قبل الهيئة العامة للاستثمار (صندوق الثروة السيادي) الذي تخطى حجم أصوله في يوليو الماضي تريليون دولار.
ولفتت فيتش في تقريرها الذي أصدرته مطلع سبتمبر إلى أن الحكومة “تعطي الأولوية لترشيد الإنفاق، وقد وصلت خطط إصدار قانون الرهن العقاري السكني، الذي من شأنه تخفيف قيود الاقتراض ودعم النمو، إلى مرحلة متقدمة”.
ومع ذلك، رأت الوكالة أن من غير المرجح إجراء إصلاح جذري للأجور العامة السخية والإنفاق على الرعاية الاجتماعية.
وقبل أسبوعين دعت الحكومة الشركات المحلية إلى اتخاذ الخطوة الأولى للمنافسة على مشاريع لبناء ثلاث مدن سكنية كبرى تغطي أكثر من 3 ملايين متر مربع، في أول خطوة عملية لتفعيل قانون جديد للتطوير العقاري من شأنه أن يفتح قطاع الإسكان أمام القطاع الخاص.
وتكافح الكويت من أجل تلبية الطلب المتزايد على الرعاية السكنية للمواطنين البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، مع وجود نحو 100 ألف طلب معلق لدى الهيئة العامة للرعاية السكنية، وهو ما يدفع بعض العائلات إلى الانتظار لأكثر من 17 عاما للحصول على مسكن.
وطبقا لإعلان نشرته المؤسسة العامة للرعاية السكنية في الجريدة الرسمية، فإن هذه المشاريع سيتم تطويرها بموجب قانون جديد يسمح للحكومة بتأسيس شركات مشتركة مع شركاء محليين وأجانب من القطاع الخاص لبناء مدن ومناطق سكنية يتم بيع وحداتها للكويتيين.
ويهدف القانون، المعروف باسم “المطور العقاري” الذي أُقر في 2023، إلى تخفيف الضغط على الحكومة، وبموجبه تنشأ شركة مساهمة لتنفيذ كل مشروع يمتلك فيها المستثمر الفائز سواء كان كويتيا أو أجنبيا بين 26 و49 في المئة.
في المقابل تمتلك المؤسسة العامة للرعاية السكنية والجهات الحكومية الأخرى بين ستة و24 في المئة، بينما ستخصص النسبة الباقية التي تتراوح بين 25 و50 في المئة للاكتتاب العام لجميع المواطنين.